الدرس 331: الزهد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1370 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليس الزهد لبس المرقع من الثياب، ولا اعتزال الناس والبعد عن المجتمع، ولا صيام الدهر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الزاهدين، وكان يلبس الجديد من الثياب، ويتزين للوفود وفي الجمع والأعياد، ويخالط الناس، ويدعوهم إلى الخير ويعلمهم أمور دينهم، وكان ينهى أصحابه رضي الله عنهم عن صيام الدهر، وإنما الزهد التعفف عن الحرام وما يكرهه الله تعالى، وتجنب مظاهر الترف والإفراط في متع الدنيا، والإقبال على عمل الطاعات، والتزود للآخرة بخير الزاد، وخير تفسير له سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العملية‏

وعلى المسلم أن يرى أن متاع الدنيا قليل، وأن الآخرة خير وأبقى، ويتبصر في الأمثال التي ضربها الله تعالى للدنيا؛ ليعرف حقيقتها، وأنها دار ممر وعبور لا دوام لها، فيتزود منها بالعمل الصالح للدار الآخرة، قال تعالى (‏واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا) الكهف 45

وتأثر المسلم بالمواعظ والخطب دليل على إيمانه، وأن فيه خيرا؛ لأنه لا يتذكر إلا المؤمنون، ولا يتعظ إلا المتقون، قال تعالى (‏وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) الذاريات 55

والواجب الحذر مما فيه شيء من المحرمات، وأن يحتاط المسلم لدينه، خاصة إذا كان في بلاد الكفر

والمال محبب للنفوس كما قال الله تعالى (وتحبون المال حبا جما) الفجر: 20، وقال (‏وإنه لحب الخير لشديد) العاديات: 8

ولكن لا ينبغي للإنسان أن يحمله حب المال على كسبه من الطرق المحرمة أو الطرق غير المشروعة، كما لا ينبغي للإنسان البخل بالمال عن إخراج الواجبات الشرعية أو النفقات الواجبة‏، وإذا أدى زكاة ماله، وأدى ما هو واجب عليه من نفقات دون تقتير فله ادخار ما زاد من ماله إلى وقت حاجته إليه لنفسه، ولمن يعول، وما قد يجدُ من الأحداث

ويجوز سؤال الناس شيئا من المال للمحتاج الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يقدر على التكسب، فيسأل الناس مقدار ما يسد حاجته فقط، وأما غير المحتاج أو المحتاج الذي يقدر على التكسب فلا يجوز له المسألة، وما يأخذه من الناس في هذه الحالة حرام عليه؛ لحديث قَبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال (تحملت حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة‏:‏ رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال‏ سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه‏:‏ لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال‏ سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتا. رواه مسلم. وحديث (من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا) رواه مسلم. وحديث (إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مِرة سوي) رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

ونهر السائل المنهي عنه في قوله تعالى (‏وأما السائل فلا تنهر) الضحى: 10، المراد به‏:‏ زجره ورفع الصوت عليه، وهو يشمل السائل للمال، والسائل عن الأحكام الشرعية، لكن هذا لا يمنع إرشاد السائل المخطئ في سؤاله، ومناصحته بالحكمة والموعظة الحسنة

تفسير الأحلام

الأحلام التي يخيل فيها للنائم أنه يجامع هي نوع من الخيال، ولا إثم على الإنسان فيها ولا عقاب، سواء نزل منه مني أم لا، إلا أنه يجب عليه الغسل إذا نزل منه المني بسبب هذا الحلم الخيالي

الرؤيا التي يرى فيها أنه يصير عليه حادث سيارة أو القتل لأحد، هذا من الشيطان، وعليه بعد الاستيقاظ أن ينفث عن يساره ويستعيذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضره، ولا ينبغي أن يحدث بها أحدا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏ (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم منها ما يكره، فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحدا) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه

من رأى في منامه أنه لم يصل صلاة العشاء وهو قد صلاها، فهذه الرؤيا وأمثالها من الشيطان، لا يلتفت لهذه الأحلام، وعليه عند النوم قراءة آية الكرسي مرة واحدة، وسورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات عند النوم؛ من أجل أن يذهب الله عنه ما رأى

ومن رأى مثل هذه الرؤيا يتفل عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، ويتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر، ولا يخبر أحدا، فإنها لا تضره، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك‏

ليس في الصلاة أو القراءة أو الاغتسال أو نحو ذلك في المنام ثواب، كما أنه ليس على من رأى في المنام أنه فعل جريمة عقاب؛ لأن النائم غير مكلف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة ومنها‏ النائم)

إذا كانت المرأة تحب زوجها ورأته في المنام مع واحدة عارية أو متزوج بأخرى، فهذه الأحلام حديث نفس حال اليقظة، وأنها نشأت من تأكد حبها لزوجها، وزيادة غيرتها عليه وحرصها عليه، وحسن عشرتها له، فلا تبالي بهذه الأحلام، ولا تشغل بالها بهذه الأحلام وتجتهد في الإحسان إليه، وتدع هذه الأوهام

الطب

مضت سنة الله تعالى في خلقه أن يربط المسببات بأسبابها، فربط إيجاده النسل بالجماع، وإنباته الزرع ببذر الحبوب بالأرض وسقيها، والإحراق بالنار، والإغراق أو البلل بالماء إلى غير ذلك من الأسباب ومسبباتها، قال تعالى (‏وجعلنا من الماء كل شيء حي)الأنبياء 30

وقد ذكر سبحانه أن جماعة من المنافقين قالوا عن إخوانهم الذين قتلوا في غزوة أحد (‏لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) آل عمران: 156

فأمر سبحانه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم‏ (لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) آل عمران: 154، فبين أن قتل النفس مرهون بسببه، وأن القتيل ميت بأجَله لا بدون سبب

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري ومسلم

وعلى هذا فللرعاية الصحية دورها الفعال في صحة الأبدان ومكافحة الأمراض

ومن الضروريات الخمس التي دلت نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها

حفظ نفس الإنسان، وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين، سواء كانت النفس حَملا قد نفخ فيه الروح، أم كانت مولودة، وسواء كانت سليمة من الآفات والأعراض وما يشوهها أم كانت مصابة بشيء من ذلك، وسواء رجي شفاؤها مما بها أم لم يرج ذلك، حسب الأسباب العادية وما جري من تجارب، فلا يجوز الاعتداء عليها بإجهاض إن كانت حملا قد نفخ فيه الروح، أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها طلبا لراحتها أو راحة من يعولها أو تخليصا للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات والمشوهين والعاطلين، أو غير ذلك مما يدفع بالناس إلى التخلص، لعموم قوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) الإسراء: 33

ولما ثبت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم وتوكيده من قوله (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/3/1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي