تفسير سورة فاطر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 8 ربيع الثاني 1439هـ | عدد الزيارات: 1466 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

سورة فاطر مكية ، وآياتها 45

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير (1)

الثناء على الله بصفاته التي كلها أوصاف كمال وبنعمه الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية خالق السموات والأرض ومبدعهما، فهو المستحق للثناء لكمال قدرته وسعة ملكه وعموم رحمته وبديع حكمته وإحاطة علمه بكل شيء .

ولما ذكر الخلق ذكر بعده ما يتضمن الأمر وهو أنه (جاعل الملائكة رسلا) في تدبير أوامره القدرية، ووسائط بينه وبين أنبيائه في تبليغ أوامره الدينية (أولي أجنحة) أي: يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا (مثنى وثلاث ورباع) أي: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك، كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود أنه قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل له ستمائة جناح .

(يزيد في الخلق ما يشاء) أي: يزيد بعض مخلوقاته على بعض في صفة خلقها وفي القوة وفي الحسن وفي زيادة الأعضاء المعهودة وفي حسن الأصوات .

(إن الله على كل شيء قدير) أي: لا يستعصي عليه شيء .

ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم (2)

يخبر تعالى أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع .

عن وراد - مولى المغيرة بن شعبة- قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: اكتب لي بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني المغيرة فكتبت إليه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وسمعته ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال، وعن وأد البنات، وعقوق الأمهات، ومنع وهات " رواه البخاري ومسلم

وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول (سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه مسلم

(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) ما يفتح الله للناس من رزق ومطر وصحة وعلم وغير ذلك من النعم فلا أحد يقدر أن يمسك هذه الرحمة، وما يمسك منها فلا أحد يستطيع أن يرسلها بعده سبحانه وتعالى، (وهو العزيز) القاهر لكل شيء، (الحكيم) الذي يرسل الرحمة ويمسكها وفق حكمته.

يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون (3)

ينبه تعالى عباده ويرشدهم إلى الاستدلال على توحيده في إفراد العبادة له، كما أنه المستقل بالخلق والرزق فكذلك فليفرد بالعبادة، ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد والأوثان؛ ولهذا قال: (لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) أي: تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق .

وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور (4) يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (5) إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير (6)

يقول: وإن يكذبك - يا محمد- هؤلاء المشركون بالله ويخالفوك فيما جئتهم به من التوحيد، فلك فيمن سلف قبلك من الرسل أسوة، فإنهم كذلك جاؤوا قومهم بالبينات وأمروهم بالتوحيد فكذبوهم وخالفوهم، (وإلى الله ترجع الأمور) أي: وسنجزيهم على ذلك أوفر الجزاء .

ثم قال: (يا أيها الناس إن وعد الله حق) أي: المعاد كائن لا محالة، (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) أي: العيشة الدنيئة بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وأتباع رسله من الخير العظيم فلا تتلهوا عن ذلك الباقي بهذه الزهرة الفانية، (ولا يغرنكم بالله الغَرور) وهو الشيطان، أي: لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتباع رسل الله وتصديق كلماته فإنه غرار كذاب أفاك .

ثم بين تعالى عداوة إبليس لابن آدم فقال: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) أي: هو مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به، (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) أي: إنما يقصد أن يضلكم حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدو المبين فنسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان،وأن يرزقنا اتباع كتابه، والاقتفاء بطريق رسوله، إنه على ما يشاء قدير .

الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير (7) أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون (8)

لما ذكر تعالى أن أتباع إبليس مصيرهم إلى السعير، ذكر بعد ذلك أن الذين كفروا لهم عذاب شديد ؛ لأنهم أطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن، وأن الذين آمنوا بالله ورسله (وعملوا الصالحات لهم مغفرة) أي: لما كان منهم من ذنب، (وأجر كبير) على ما عملوه من خير .

ثم قال: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) يعني: كالكفار والفجار، يعملون أعمالا سيئة، وهم في ذلك يعتقدون ويحسون أنهم يحسنون صنعا، أي: أفمن كان هكذا قد أضله الله، ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه، (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) أي: بقدره كان ذلك، (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) أي: لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره، إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي، لما له في ذلك من الحجة البالغة، والعلم التام؛ ولهذا قال: (إن الله عليم بما يصنعون) عليم بقبائحهم وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء.

والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور (9) من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور (10) والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمَر ولا يُنقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير (11)

قوله : والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا أي فتحرك سحابا فسقناه إلى بلد ميِّت إلى بلد جدب فأحيينا به الأرض بعد موتها بعد يبسها فتخضر بالنبات .

جاء في صحيح مسلم (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عَجْبَ الذنب، منه خلق ومنه يركب)؛ ولهذا قال تعالى: (كذلك النشور) مثل ذلك الإحياء يحيي الله الموتى يوم القيامة .

وقوله:(من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) أي:من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها

وقوله: (إليه يصعد الكلم الطيب) من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل، وكل كلام حسن طيب .

وقوله: (والعمل الصالح) من أعمال القلوب والجوارح (يرفعه) الله تعالى إليه، فهذه الأعمال التي ترفع إلى الله تعالى، ويرفع الله تعالى صاحبها ويعزه، وأما السيئات فإنها بالعكس يريد صاحبها الرفعة بها ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا هوانا ونزولا، ولهذا قال (والذين يمكرون السيئات) يعني: يمكرون بالناس (لهم عذاب شديد) يهانون فيه غاية الإهانة (ومكر أولئك هو يبور) أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئا، أنه مكر بالباطل، لأجل الباطل .

وقوله: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة) أي: ابتدأ خلق أبيكم آدم من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، (ثم جعلكم أزواجا) أي: ذكرا وأنثى، لطفا منه ورحمة أن جعل لكم أزواجا من جنسكم، لتسكنوا إليها .

وقوله: (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) أي: هو عالم بذلك، لا يخفى عليه من ذلك شيء

وقوله: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) أن طول العمر وقصره بسبب وبغير سبب كله بعلمه تعالى، لما رُوِي عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري ومسلم ، أي أن صلة الرحم سبب في طول العمر وسعة الرزق .

وقوله: (إن ذلك على الله يسير) أي: إحاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة سهل عليه، فإن علمه شامل لجميع ذلك لا يخفى منه عليه شيء .

وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (12)

يقول تعالى منبها على قدرته العظيمة في خلقه الأشياء المختلفة: وخلق البحرين العذب الزلال، وهو هذه الأنهار السارحة بين الناس، من كبار وصغار، بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار، والعمران والبراري والقفار، وهي عذبة سائغ شرابها لمن أراد ذلك، (وهذا ملح أجاج)أي: مر وهو البحر الساكن الذي تسير فيه السفن الكبار، وإنما تكون مالحة ملحا أجاجا لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات، ولأنه ساكن لا يجري، فملوحته تمنعه من التغير، ولتكون حيواناته أحسن وألذ، ولهذا قال (ومن كل تأكلون لحما طريا) يعني: السمك، (وتستخرجون حلية تلبسونها)، زينة وهي اللؤلؤ والمرجان .

وقوله: (وترى الفلك فيه مواخر) أي: تمخره وتشقه بحيزومها، وهو مقدمها المسنم الذي يشبه جؤجؤ الطير - وهو: صدره .

وقوله: (لتبتغوا من فضله) أي: بأسفاركم بالتجارة، من قطر إلى قطر، وإقليم إلى إقليم، (ولعلكم تشكرون) أي تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم، وهو البحر، تتصرفون فيه كيف شئتم، وتذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شيء منه، بل بقدرته قد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض، الجميع من فضله ومن رحمته .

يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير (13) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير (14)

وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم، في تسخيره الليل بظلامه والنهار بضيائه، ويأخذ من طول هذا فيزيده في قصر هذا فيعتدلان ثم يأخذ من هذا في هذا، فيطول هذا ويقصر هذا، ثم يتقارضان صيفا وشتاء، (وسخر الشمس والقمر) أي: والنجوم السيارات، والثوابت الثاقبات بأضوائهن أجرام السموات، الجميع يسيرون بمقدار معين، وعلى منهاج مقنن محرر، تقديرا من عزيز عليم .

(كل يجري لأجل مسمى) أي: إلى يوم القيامة

(ذلكم الله ربكم) أي: الذي فعل هذا هو الرب العظيم، الذي لا إله غيره، (والذين تدعون من دونه) أي: من الأنداد والأصنام التي هي على صورة من تزعمون من الملائكة المقربين، (ما يملكون من قطمير) القطمير: هو اللفافة التي تكون على نواة التمرة، أي: لا يملكون من السموات والأرض شيئا، ولا بمقدار هذا القطمير .

ثم قال: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم) يعني: الآلهة التي تدعونها من دون الله لا يسمعون دعاءكم ؛ لأنها جماد لا أرواح فيها (ولو سمعوا ما استجابوا لكم) أي: لا يقدرون على ما تطلبون منها، (ويوم القيامة يكفرون بشرككم)، أي: يتبرءون منكم

وقوله: (ولا ينبئك مثل خبير) أي: لا أحد يخبرك أصدق من الله العليم الخبير .

يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد (15) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد (16) وما ذلك على الله بعزيز (17) ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير (18)

يخبر تعالى بغنائه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه، فقال: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) أي: هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو الغني عنهم بالذات؛ ولهذا قال: (والله هو الغني الحميد) أي: هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله، ويقدره ويشرعه .

وقوله: (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) أي: لو شاء لأذهبكم أيها الناس وأتى بقوم غيركم، وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع؛ ولهذا قال: (وما ذلك على الله بعزيز) .

وقوله: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي: يوم القيامة، (وإن تدع مثقلة إلى حملها) أي: وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه، (لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى)، أي: ولو كان قريبا إليها، حتى ولو كان أباها أو ابنها، كل مشغول بنفسه وحاله

ثم قال: (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة) أي: إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهى، الخائفون من ربهم، الفاعلون ما أمرهم به، (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) أي: ومن عمل صالحا فإنما يعود نفعه على نفسه، (وإلى الله المصير) أي: وإليه المرجع والمآب، وهو سريع الحساب، وسيجزي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .

وما يستوي الأعمى والبصير (19) ولا الظلمات ولا النور (20) ولا الظل ولا الحرور (21) وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور (22) إن أنت إلا نذير (23) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (24) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير (25) ثم أخذْت الذين كفروا فكيف كان نكير (26)

يقول تعالى: كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة، كالأعمى والبصير لا يستويان، بل بينهما فرق وبون كثير، وكما لا تستوي الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور، كذلك لا تستوي الأحياء ولا الأموات، وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين وهم الأحياء، وللكافرين وهم الأموات،فالمؤمن سميع بصير في نور يمشي، على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة، حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون، والكافر أعمى أصم، في ظلمات يمشي، لا خروج له منها، بل هو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة، حتى يفضي به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم،

وقوله: (إن الله يسمع من يشاء) أي: يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها (وما أنت بمسمع من في القبور) أي: كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم، وهم كفار بالهداية والدعوة إليها، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم .

(إن أنت إلا نذير) أي: إنما عليك البلاغ والإنذار، والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء .

(إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا) أي: بشيرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين، (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) أي: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل .

وقوله تبارك وتعالى: (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات) وهي: المعجزات الباهرات، والأدلة القاطعات، (وبالزبر) وهي الكتب، (وبالكتاب المنير) أي: الواضح البين .

(ثم أخذت الذين كفروا) أي: ومع هذا كله كذب أولئك رسلهم فيما جاءوهم به، فأخذتهم، أي: بالعقاب والنكال، (فكيف كان نكير) أي: فكيف رأيت إنكاري عليهم عظيما شديدا بليغا؟

ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جُدد بيض وحُمْر مختلف ألوانها وغرابيب سود (27) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفور (28)

يقول تعالى منبها على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينـزله من السماء، يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها، من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض، إلى غير ذلك من ألوان الثمار، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها،

وقوله تبارك وتعالى: (ومن الجبال جُدد بيض وحُمْر مختلف ألوانها) أي: وخَلَقَ الجبال كذلك مختلفة الألوان، كما هو المشاهد أيضا من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق - وهي: الجُدد، جمع جُدة- مختلفة الألوان أيضا .

ومنها (وغرابيب سود) أي: جبال متناهية في السود

وقوله تعالى: (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك) أي: كذلك الحيوانات من الأناسي والدواب - وهو: كل ما دب على قوائم- (والأنعام)، من باب عطف الخاص على العام كذلك هي مختلفة أيضا، فالناس منهم بربر وفيهم حبوش وفيهم روم في غاية البياض، والعرب بين ذلك، والهنود دون ذلك؛ وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان، حتى في الجنس الواحد، بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان، بل الحيوان الواحد يكون أبلق، فيه من هذا اللون وهذا اللون، فتبارك الله أحسن الخالقين .

ولهذا قال تعالى بعد هذا: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به ؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر .

وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، (إن الله عزيز) كامل العزة، ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات(غفور) لذنوب التائبين

إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29) ليَوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور (30)

يخبر تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنون به ويعملون بما فيه، من إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله في الأوقات المشروعة ليلا ونهارا، سرا وعلانية، (يرجون تجارة لن تبور) أي: يرجون ثوابا عند الله لا بد من حصوله ولهذا قال تعالى: (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) أي: ليوفيهم ثواب ما فعلوه ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم، (إنه غفور) أي: لذنوبهم، (شكور) للقليل من أعمالهم .

والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير (31)

يقول تعالى: (والذي أوحينا إليك) يا محمد من الكتاب، وهو القرآن (هو الحق مصدقا لما بين يديه) أي: من الكتب المتقدمة يصدقها، كما شهدت له بالتنويه، وأنه منـزل من رب العالمين .

(إن الله بعباده لخبير بصير) أي: هو خبير بهم، بصير بمن يستحق ما يفضله به على من سواه ولهذا فضل الأنبياء والرسل على جميع البشر، وفضل النبيين بعضهم على بعض، ورفع بعضهم درجات، وجعل منـزلة محمد صلى الله عليه وسلم فوق جميعهم، صلوات الله عليهم أجمعين .

ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير (32)

يقول تعالى: ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم، المصدق لما بين يديه من الكتب، الذين اصطفينا من عبادنا، وهم هذه الأمة، ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع، فقال: (فمنهم ظالم لنفسه) بالمعاصي التي هي دون الكفر (ومنهم مقتصد) مقتصر على ما يجب عليه تارك للمحرم (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) أي: سارع فيها واجتهد فسبق غيره وهو المؤدي للفرائض المكثر من النوافل، التارك للمحرم والمكروه

فالآية عامة في جميع الأقسام الثلاثة من هذه الأمة، فالعلماء أغبط الناس بهذه النعمة، وأولى الناس بهذه الرحمة، فإنهم كما روى الإمام أحمد رحمه الله عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء - وهو بدمشق- فقال: ما أقدمك أي أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما قدمت لتجارة؟ قال: لا قال: أما قدمت لحاجة؟ قال: لا؟ قال: أما قدمت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإنه ليستغفر للعالم من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر " صححه الألباني .

جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير (33) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور (34) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب (35)

يخبر تعالى أن مأوى هؤلاء المصطفين من عباده، الذين أورثوا الكتاب المنـزل من رب العالمين يوم القيامة مأواهم (جنات عدن) العدن: الإقامة، لأن الإقامة والخلود وصفها ووصف أهلها (يحلون فيها من أساور من ذهب) وهو الحلي الذي يجعل في اليدين على ما يحبون ويرون أنه أحسن من غيره الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء ويحلون فيها (لؤلؤا) ينظم في ثيابهم وأجسادهم كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تبلغ الحِلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) .

(ولباسهم فيها حرير) من سندس ومن استبرق أخضر ولهذا كان محظورا عليهم في الدنيا، فأباحه الله لهم في الدار الآخرة، وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) .

ولما تم نعيمهم وكملت لذتهم (قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) وهذا يشمل كل حزن فلا حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم ولا في طعامهم وشرابهم، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم ولا في دوام لبثهم، فهم في نعيم، ما يرون عليه مزيدا .

(الذي أحلنا دار المقامة من فضله) : يقولون: الذي أعطانا هذه المنـزلة، وهذا المقام من فضله ومنه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن يدخل أحدا عملُه الجنةَ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) .

(لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوة، ولا في كثرة التمتع ، والنصب واللغوب: كل منهما يستعمل في التعب، والله ينفي هذا وهذا عنهم، فلا تعب على أبدانهم ولا أرواحهم، لأنهم كانوا ينهكون أنفسهم في العبادة في الدنيا، فسقط عنهم التكليف بدخولها، وصاروا في راحة دائمة مستمرة، وهذا دليل على أنهم لا ينامون في الجنة، لأن النوم فائدته زوال التعب، وحصول الراحة به، وأهل الجنة بخلاف ذلك، ولأنه موت أصغر، وأهل الجنة لا يموتون، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.

والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور (36) وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير (37)

لما ذكر تعالى حال السعداء، شرع في بيان مآل الأشقياء، فقال: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا)،وثبت في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون) فهم في حالهم ذلك يرون موتهم راحة لهم، ولكن لا سبيل إلى ذلك، قال الله تعالى: (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها) .

ثم قال: (كذلك نجزي كل كفور) أي: هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب بالحق .

وقوله: (وهم يصطرخون فيها) أي: ينادون فيها، يجأرون إلى الله، عز وجل بأصواتهم: (ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) أي: يسألون الرجعة إلى الدنيا، ليعملوا غير عملهم الأول، وقد علم الرب، جل جلاله، أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا، لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون فلهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم ولهذا قال : (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي: أوما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم، فقد متعناكم في الدنيا وأدررنا عليكم الأرزاق وقيدنا لكم أسباب الراحة ومددنا لكم في العمر وتابعنا عليكم الآيات (وجاءكم النذير) وواصلنا إليكم النذر، وابتليناكم بالسراء والضراء لتُنيبوا إلينا، فلم ينجع فيكم انذار، ولم تفد فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم وتمت أعماركم ورحلتم عن دار الإمكان بأشر الحالات وواصلتم إلى هذه الدار، دار الجزاء على الأعمال، قال تعالى (فذوقوا فما للظالمين من نصير) أي: فذوقوا عذاب النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء في مدة أعماركم، فما لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال والأغلال .

إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور (38) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا (39)

يخبر تعالى بعلمه غيب السموات والأرض، وأنه يعلم ما تكنه السرائر وتنطوي عليه الضمائر، وسيجازي كل عامل بعمله .

ثم قال: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أي: يخلف قوم لآخرين قبلهم، وجيل لجيل قبلهم، (فمن كفر فعليه كفره) أي: فإنما يعود وبال ذلك على نفسه دون غيره، (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا) أي: كلما استمروا على كفرهم أبغضهم الله، وكلما استمروا فيه خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، بخلاف المؤمنين فإنهم كلما طال عمر أحدهم وحسن عمله، ارتفعت درجته ومنـزلته في الجنة، وزاد أجره وأحبه خالقه وبارئه رب العالمين .

قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا (40) إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا (41)

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: (أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله) أي: من الأصنام والأنداد، (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات) أي: ليس لهم شيء من ذلك، ما يملكون من قطمير .

وقوله: (أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه) أي: أم أنـزلنا عليهم كتابا بما يقولون من الشرك والكفر؟ ليس الأمر كذلك، (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) أي: بل إنما اتبعوا في ذلك أهواءهم وآراءهم وأمانيهم التي تمنوها لأنفسهم، وهي غرور وباطل وزور .

ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة التي بها تقوم السماء والأرض عن أمره، وما جعل فيهما من القوة الماسكة لهما، فقال: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) أي: أن تضطربا عن أماكنهما، (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) أي: لا يقدر على دوامهما وإبقائهما إلا هو، وهو مع ذلك حليم غفور، أي: يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه، وهو يحلم فيؤخر وينظر ويؤجل ولا يعجل، ويستر آخرين ويغفر؛ ولهذا قال: (إنه كان حليما غفورا) .

وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا (42) استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا (43)

وأقسم هؤلاء الذين كذبوك يا رسول الله بالأيمان الغليظة (لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) أي: أهدى من اليهود والنصارى أهل الكتب .

قال الله تعالى: (فلما جاءهم نذير) - وهو: محمد صلى الله عليه وسلم- بما أنـزل معه من الكتاب العظيم، وهو القرآن المبين، (ما زادهم إلا نفورا)، أي: ما ازدادوا إلا كفرا إلى كفرهم، ثم بين ذلك بقوله: (استكبارا في الأرض) أي: استكبروا عن اتباع آيات الله، (ومكر السيئ) أي: ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم .

وقوله: (فهل ينظرون إلا سنت الأولين) يعني: عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، (فلن تجد لسنت الله تبديلا) أي لا تغير ولا تبدل، بل هي جارية كذلك في كل مكذب، (ولن تجد لسنة الله تحويلا) ، ولا يكشف ذلك عنهم، ويحوله عنهم أحد .

أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا (44) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا (45)

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به من الرسالة: سيروا في الأرض، فانظروا كيف كان عاقبة الذين كذبوا الرسل؟ كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها، فخليت منهم منازلهم، وسُلبوا ما كانوا فيه من النعم بعد كمال القوة، وكثرة العدد والعدد، وكثرة الأموال والأولاد، فما أغنى ذلك شيئا، ولا دفع عنهم من عذاب الله من شيء، لما جاء أمر ربك لأنه تعالى لا يعجزه شيء، إذا أراد كونه في السموات والأرض؟ (إنه كان عليما قديرا) أي: عليم بجميع الكائنات، قدير على مجموعها .

ثم قال تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) أي: لو آخذهم بجميع ذنوبهم، لأهلك جميع أهل الأرض، وما يملكونه من دواب وأرزاق .

(ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) أي: ولكن ينظرهم إلى يوم القيامة، فيحاسبهم يومئذ، ويوفي كل عامل بعمله، فيجازي بالثواب أهل الطاعة، وبالعقاب أهل المعصية؛ ولهذا قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا)لا يخفى عليه أحد منهم ولا يعزب عنه علم شيء من أمورهم .

تم تفسير سورة فاطر ، ولله الحمد والمنَّة .

8 - 4 - 1439هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر