الدرس 337: تطبيب المريض

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 5 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1598 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أخذ العوض على بذل الدم محرم، سواء كان العوض عيناً أو نقداً، لحديث أبي جحيفة في ‏صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم، والإجماع منعقد على ذلك، ولو كان ذلك على سبيل الهدية، لأنها هدية في مقابل محرم

والتبرع بالدم جائز إذا كان لا يؤثر على صحة المتبرع، لكن إذا ترتب عليه إنقاذ معصوم ولا يوجد غيره فإنه يجب

ولا يجوز سحب الدم من المرضى للتعلم والتدرب ولو كان المرضى لا يرجى شفاؤهم، لأن في ذلك مضرة عليهم وظلماً لهم، أما من كان عقله معه وسمح بأخذ الدم منه لمصلحة غيره فلا بأس بشرط ألا يضره ذلك

يجوز أن تُستدعى فرقة الإنعاش لإنقاذ المريض باستعمال جهاز الإنعاش القلبي الرئوي إذا رجي طبيا شفاؤه باستعماله من السكتة القلبية، أما إذا كانت السكتة تزول عند استعمال جهاز الإنعاش، وتعود عند رفعه فلا يستعمل، لأنه تبين أن المريض قد مات

يجوز غسيل الدم إذا فشلت الكُلية ولو كان مغمى عليه، إذا كان الغسيل له مما ينقذه في نظر الطب، والأخذ بالأسباب في سنة الله الكونية

دواء ‏المورفين الذي يؤثر على المخ فيقلل من حساسيته، فلا يشعر المريض بالألم، وهو دواء منوم ويسبب اضطراباً في مزاج المريض

ودواء آخر يسمى ‏البثدين‏ يشبه المورفين في تأثيره على المخ، ولكنه أقل منه قوة، وهذان الدواءان يستعملان كثيرا في حالة الجلطة القلبية للمرضى، قبل إجراء العمليات وبعدها لتهدئة نفسية المريض، وتخفيف ألمه

فإذا لم يعرف مواد أخرى مباحة تستعمل لتخفيف الألم عند المريض سوى هاتين المادتين جاز استعمال كل منهما لتخفيف الألم عند الضرورة، وهذا ما لم يترتب على استعمالهما ضرر أشد أو مساوٍ كإدمان استعمالهما‏

ولا يجوز إعطاؤه ذلك رغبة في راحته لتعجيل وفاته

كما وردت أسئلة وهذه إجاباتها

أولاً‏:‏ إذا وصل المريض إلى المستشفى وهو متوفى فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش

ثانياً‏:‏ إذا كانت حالة المريض غير صالحة للإنعاش بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات، فلا حاجة أيضا لاستعمال جهاز الإنعاش

ثالثاً‏:‏ إذا كان مرض المريض مستعصياً غير قابل للعلاج، وأن الموت محقق بشهادة ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات، فلا حاجة أيضا لاستعمال جهاز الإنعاش

رابعاً‏:‏ إذا كان المريض في حالة عجز، أو في حالة خمول ذهني مع مرض مزمن، أو مرض السرطان في مرحلة متقدمة، أو مرض القلب والرئتين المزمن، مع تكرار توقف القلب والرئتين، وقرر ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات ذلك، فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش

خامساً‏:‏ إذا وجد لدى المريض دليل على الإصابة بتلف في الدماغ مستعص على العلاج بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات، فلا حاجة أيضا لاستعمال جهاز الإنعاش، لعدم الفائدة في ذلك

سادساً‏:‏ إذا كان إنعاش القلب والرئتين غير مجد، وغير ملائم لوضع معين حسب رأي ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات، فلا حاجة لاستعمال آلات الإنعاش، ولا يُلتفت إلى رأي أولياء المريض في وضع آلات الإنعاش أو رفعها، لكون ذلك ليس من اختصاصهم‏

وبسؤال عن طفل تحت التنفس الصناعي، لو سحب منه الأكسجين سوف يتوفى بعد عشرة دقائق، وفعلاً سحبوه فلم يتنفس نهائياً

فإذا كان الأمر كما ذكر فلا مانع من نزع الجهاز التنفسي عن ابنك إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم الموتى، ولكن يجب أن ينتظر بعد نزعها منه مدة مناسبة حتى تتحقق وفاته

يحرم على المريض أن يستعجل موته سواء بطريق الانتحار أو بتعاطي أدوية لقتل نفسه، كما يحرم على الطبيب أو الممرض أو غيره أن يلبي طلبه بقتله، ولو كان مرضه لا يرجى برؤه، ومن أعانه على ذلك فقد اشترك معه في الإثم، لأنه تسبب في قتل نفس معصومة عمداً بلا حق، وقد دلت النصوص الصريحة على تحريم قتل النفس بغير حق، قال الله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) الإسراء 33 وقال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما‏ * ‏ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) [سورة النساء:29-31].

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأبها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلداً فيها أبدا) متفق عليه

وعن أبي قِلابة عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) رواه الجماعة

وعن جندب بن عبد الله البَجلي رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزِع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى‏:‏ بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري

ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمنى الإنسان الموت لضر أصابه، ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا فليقل‏:‏ اللهم أحيني ما كانت الحياةُ خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي) أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري

وأخرج البخاري أيضا بلفظ آخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏ (لا يتمنيَن أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب)

فإذا كان الإنسان منهياً عن مجرد تمني الموت وسؤال الله ذلك، فإن إقدام الإنسان على قتل نفسه أو المشاركة في ذلك تعد لحدود الله وانتهاك لحرماته، لأن فعل ذلك ينافي الصبر على أقدار الله، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره، وجزع من ذلك الذي اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالخير والشر امتحاناً واختبارا لعباده، قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير) الأنبياء: 35

وقد يبتلي الله بعض عباده بالمرض، وهو الحكيم فيما يفعل، العليم بما يصلح عباده، ويكون في ذلك خير له وزيادة في حسناته وقوة في إيمانه، وقرب من الله سبحانه باستكانته وتضرعه وخضوعه لله سبحانه وتوكله عليه ودعائه له

فينبغي للإنسان إذا أصيب بأحد الأمراض‏:‏ أن يحتسب الأجر في ذلك ويصبر على ما أصابه من البلاء، فإن من أنواع الصبر، الصبر على البلاء حتى يفوز برضا الله سبحانه عنه، وزيادة حسناته ورفع درجاته في الآخرة، ويدل لذلك ما رواه صهيب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عجبت من أمر المؤمن، إن أمر المؤمن كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير، وإن أصابته ضراء فصبر فكان ذلك له خير) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه

وقوله تعالى (‏والصابرين على ما أصابهم) الحج: 35، وقوله تعالى (وبشر الصابرين‏ ‏الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) البقرة: 155-156، وقوله تعالى (والصابرين والصابرات)‏ إلى قوله تعالى (أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) الأحزاب: 2

وما رواه أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) أخرجه الترمذي‏، وقال‏:‏ حسن غريب

وما رواه مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنهما قال قلت‏:‏ يا رسول الله‏:أي الناس أشد بلاء‏؟‏ قال‏:‏ الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شُدد عليه في البلاء، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة. أخرجه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/5/4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي