الدرس 342: بر الوالدين 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 10 جمادى الآخرة 1439هـ | عدد الزيارات: 1333 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ما دام أن والدتك قد أدت فريضة الحج والعمرة الواجبين عليها، ثم أدت الحج تطوعاً، فهذا فضل كبير، ولا ينبغي لها أن تكلفك ما لا تطيق، وأن تراعي حالتك المادية، وعدم قدرتك على تكاليف سفرها وحجها، ولا إثم عليك في عدم تلبية طلبها ما دمت لا تقدر على ما طلبته، ولا يعتبر ذلك من العقوق، لأنك معذور بعدم القدرة على تكاليف حج والدتك، وقد قال الله تعالى (‏لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة: 286، وقال تعالى (‏فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن: 16، وعليك أن تطيب خاطر والدتك بالكلام الطيب، وصلتها والإحسان إليها وبرها، وأن تعدها بالحج متى قدرت على ذلك، ولك الأجر والثواب من الله على إعانة والدتك حتى أدت فريضة الحج والعمرة، وحتى تمكنت من الحج تطوعاً

وما أنفقته من مالك الخاص في علاج والدك هو من واجب حقه عليك، ومن بره وصلته، ونرجو أن يثيبك الله على ذلك بالثواب الجزيل والأجر العظيم، وإن أعطاك والدك ما أنفقته عليه أو بعضه في علاجه برضا منه فلك أخذه، أما أن تطالبه بجميع ما صرفته عليه مطالبة الدائن لغريمه فهذا غير مشروع، ولا يليق في حق والدك الذي رباك منذ الصغر، وسهر لأجل راحتك وإسعادك، وأنفق عليك حتى كبرت وصرت رجلا، ويدل لذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن أبي اجتاح مالي، فقال (أنت ومالك لأبيك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) رواه ابن ماجه

المرأة إذا ماتت تغسلها النساء ولا يغسلها الرجال، لا ابنها ولا غيره، إلا الزوج فيجوز له أن يغسل زوجته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها (لو متِ قبلي لغسلتك) ولأن عليا رضي الله عنه غسل فاطمة رضي الله عنها، والرجل إذا مات يغسله الرجال، ولا يجوز للمرأة أن تغسله، لا أمه ولا غيرها، إلا الزوجة فيجوز لها أن تغسل زوجها، لأن أسماء بنت عميس رضي الله عنها غسلت زوجها أبا بكر رضي الله عنه حينما أوصاها بذلك، وأما الحي المريض من الأب والأم فيجوز تغسيله لكل منهما، مع ستر العورة وعدم مسها بدون حائل من وراء الستر

يجوز لك بيع العمارة التي هي ملك لك، وليس فيها استحقاق لأحد كرهن ونحوه، ويجوز لك تأجيرها على من لا يستعملها في المعاصي، وليس لأمك حق الاعتراض عليك في ذلك، وننصحك بالرفق، وملاينة الكلام معها، وإقناعها بالطريقة المناسبة، وعدم الغلظة معها

ومن كان يسأل الكهان العرافين ويصدقهم في دعواهم علم الغيب فهو كافر، لأنه مكذب للقرآن في قوله تعالى (‏قل لا يعلم من في السماواتِ والأرضِ الغيبَ إلا الله) النمل: 65، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتى عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، فإذا كان حال والديك كما ذكرت من أنهما يسألان الكهان ويصدقانهما، فلا يجوز الدعاء لهما ولا الصدقة عنهما إلا من تاب منهما قبل موته

نوصيكم بتقوى الله تعالى والصبر على ما يأتيكم من أذى من أبيكم، وأنتم على خير إن شاء الله، وأكثروا من الدعاء له، وإن استطعتم توسيط بعض الأقارب ومن لهم منزلة عند والدكم لحل المشكلة أو الاستعانة ببعض أهل الخير والدين فحسن

ويجب عليكم أمر والدتكم بالصلاة وتعليمها أحكام الطهارة، ولا يجوز لكم تركها، قال الله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) طه: 132، قال الله تعالى (‏يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناسُ والحجارةُ) التحريم: 6، وقال تعالى (‏وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء: 214

المشروع في حقك نحو أمهاتك من الرضاعة صلتهن بالزيارة والسلام عليهن والدعاء لهن، وإن أهديت لهن شيئاً من المال فحسن، وإن لم تفعل فلا حرج عليك

إلزام البنات بالملابس الواسعة والساترة، وتعودهن على ذلك من الصغر، هذا ليس من التشدد، بل على حق في تربيتهم التربية الإسلامية

لا يجوز للأب إذا أغضبه ابنه أن يقول له‏:‏ يا كافر، وعليه التوبة والاستغفار إن وقع ذلك، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ (إذا قال الرجل لأخيه‏:‏ يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه)

حسن الخلق من الإيمان، وحسن التعامل من الإسلام، وهما من الآداب الشرعية المطلوبة من كل مسلم، وإن الله سبحانه يبغض الفاحش البذيء سيئ الخلق والملكة، فيجب على الأب أن يكف لسانه عن السب والشتم، فهذا مع ما فيه من الإثم والتعدي فيه تحويل الذرية إلى الأخلاق السيئة، فيجب نصحه، وعلى أولاده الابتعاد عن الإثارة والمشاقة، مع حسن الأدب معه، والدعاء له بالتوفيق والهداية

ينبغي لك أن تروض نفسك على الصبر عند الضيق والشدائد، وأن تفزع وقتها إلى الصلاة، وذكر الله ودعائه جل وعلا، ولا ينبغي لك أن تضرب أولادك من غير حاجة إلى تأديبهم‏

الطريقة الناجحة في تربية الأولاد هي الطريقة الوسط التي لا إفراط فيها ولا تفريط، فلا يكون فيها عنف وشدة، ولا يكون فيها إهمال ولا مبالاة‏‏ فيربي الأب أولاده ويعلمهم ويوجههم ويرشدهم للأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة، وينهاهم عن كل خلق ذميم

ذووا الأرحام هم كل من تربطه بك رابطة نسب، كالأبوين والجد والجدة وإن عليا، وكالولد وولد الولد ذكراً كان أم أنثى وإن نزلا، وكالإخوة والأخوات وأولادهم وكالأعمام والعمات وأولادهم، وقطيعة أحد منهم بغير موجب شرعي كبيرة من كبائر الذنوب، لقوله تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) محمد: 22-23

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يدخل الجنة قاطع رحم) رواه مسلم

يجب عليك صلة الرحم، إذ أن قطعها محرم، ولا يجوز أن تقابل القطيعة بالقطيعة، لما أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏ (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قُطعت رحمه وصلها) والرجال والنساء سواء في حكم صلة الرحم، كل بما يناسبه

فصلة الرحم من الأمور الواجبة على الرجال والنساء جميعاً لعموم الأدلة، وذلك بزيارتهم، والإحسان إليهم، ومد يد العون لهم، ودعوتهم إلى الخير بالتي هي أحسن، مع تبيين الأدلة لما تدعو إليه

ولبس النقاب وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب واجب

ومعنى ‏عقوق الوالدين: عصيانهما، وإلحاق الأذى بهما، وعدم الإحسان إليهما، ونحو هذا من قطع الصلة

وحق الوالد على الولد طاعته في غير معصية الله، والإحسان إليه بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي

وحق الولد على الوالد إحسان اسمه، ورعايته بدنياً بالنفقة وأدبياً بالتوجيه لأحسن الأخلاق، والتعليم لأمور الدنيا والدين

وقطيعة الرحم حرام، بل من كبائر الذنوب، ويجب على المسلم أن يصل رحمه بقدر ما تيسر له، ولو بالزيارة، مع بشاشة الوجه والكلام الطيب، أو بالكتابة والمراسلة، سواء كان بينهما نزاع أم لا، وخيرهما من يبدأ بالصلة، ولا يمنعه منها نزاع أو مشاغل الدنيا، ولكن ليس المتعمد للقطيعة كالساهي عنها بكثرة المشاغل الدنيوية في الإثم سواء

فصلة الرحم واجبة على المكلف، لما فيها من الخير الكثير من تأليف القلوب وجمعها على المحبة والتعاون وكبح العداوة والبغضاء، ويكون ذلك على قدر الاستطاعة، فإذا لم تقدر فلا حرج عليك ولا إثم

وصلة الرحم تكون للأخوال والخالات وأولادهم، وسائر القرابات، لكنهم يتفاوتون في الصلة، فأقربهم إليك أولاهم ببرك ومعروفك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله بعض الناس فقال‏:‏ يا رسول الله من أبر، قال‏: ‏أمك‏، قال‏:‏ ثم من،‏ قال: ‏أمك قال‏:‏ ثم من، قال‏:‏ أمك، قال‏:‏ ثم من، قال‏:‏ أباك ثم الأقرب فالأقرب

وقال صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري، وقال (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات) رواه البخاري ومسلم

وتكون صلة القرابة بالزيارة والسلام والمساعدة المادية للمحتاج منهم، والسؤال عن أحوالهم، ولكن إذا كان الشخص لا يستطيع الزيارة بسبب بعد بلد أهله وقلة ذات اليد فلا حرج عليه في عدم السفر إليهم، مع الصلة بالمراسلة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/6/9 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي