الدرس الحادي والخمسون: باب صلاة الجمعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 23 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1913 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله :"باب صلاة الجمعة"، الجمعة أي: الصلاة التي تجمع الخلق وذلك أن المسلمين لهم اجتماعات متعددة: اجتماعات في الصلوات الخمس في مسجد الحي واجتماعات بلد في الجمعة والعيدين واجتماعات أقطار في الحج بمكة.

هذه اجتماعات المسلمين صغرى وكبرى ومتوسطة كل هذا شرعه الله من أجل توطيد أواصر الألفة والمحبة بين المسلمين، وَلِيُعْلَمَ أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وما طلعت الشمس على خير منه وأن الله خص به هذه الأمة بعد أن أضلَّ عنه الأممَ السابقة، فإن اليهود اختلفوا فيه فصارت جمعتهم السبت والنصارى أشد اختلافاً فصارت جمعتهم الأحد فصاروا سبحان الله تبعاً لنا ونحن متأخرين عنهم زمنا لكنهم متأخرين عنا رتبة لأن هذه الأمة أفضل أمة عند الله وأكرمها.

وحكى ابن القيم خلاف العلماء في المفاضلة بين يوم الجمعة ويوم عرفة واختار أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم عرفة أفضل أيام العام. روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَومَ القِيامَةِ، أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِنا وأُوتِيناهُ مِن بَعْدِهِمْ، فَهذا اليَوْمُ الذي اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدانا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ، وبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصارَى فَسَكَتَ. ثُمَّ قالَ: حَقٌّ علَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أنْ يَغْتَسِلَ في كُلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فيه رَأْسَهُ وجَسَدَهُ." أخرجه البخاري

وروى حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أضَلَّ اللَّهُ عَنِ الجُمُعَةِ مَن كانَ قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وكانَ لِلنَّصارَى يَوْمُ الأحَدِ، فَجاءَ اللَّهُ بنا فَهَدانا اللَّهُ لِيَومِ الجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ، والسَّبْتَ، والأحَدَ، وكَذلكَ هُمْ تَبَعٌ لنا يَومَ القِيامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِن أهْلِ الدُّنْيا، والأوَّلُونَ يَومَ القِيامَةِ، المَقْضِيُّ لهمْ قَبْلَ الخَلائِقِ.. " أخرجه مسلم

وروى أبو هريرة رضي الله عنه، أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ. " أخرجه مسلم

قوله:"قوله تلزم كل ذكر حر، مكلف مسلم مستوطن ببناء اسمُه واحد ولو تفرَّق،، ليس بينه وبين موضعها أكثر من فرسخ"

هذه شروط وجوب صلاة الجمعة، وهي ستة شروط كما ذكرها المصنف:

أولاً: أن يكون ذكرًا، فهي تلزم كل ذكر فخرج به الأنثى والخنثى.

ثانياً: أن يكون حرًا وضد الحر العبد والمراد بالعبد المملوك ولو كان أحمراً أو قبيليَّاً .

ثالثا: أن يكون مكلفًا، والمكلف عند العلماء من جمع وصفين البلوغ والعقل، والدليل أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: " رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ "، رواه عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه:(صحيح أبي داود للألباني)، ويؤمر بها الصغير لسبع ويضرب عليها لعشر لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ و هم أبناءُ سبعِ سِنِينَ ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ " صحيح الجامع للألباني .

رابعاً: أن يكون مسلماً، وضده الكافر، فالكافر لا تجب عليه الجمعة بل ولا تصح منه لقوله تعالى:" وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ " (التوبة 54) فإذا كانت النفقات مع كون نفعها متعدياً لا تقبل منهم.

فالعبادات التي نفعها غير متعدٍّ من باب أولى أن لا تقبل منهم.

خامساً:" أن يكون مستوطنا ببناء اسمه واحد ولو تفرق" ضد المستوطن المسافر فالمسافر لا جمعة عليه ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره لم يكن يصلي الجمعة مع أن معه الجمع الغفير وإنما يصلي ظهراً مقصوراً وعصراً أحياناً يجمع وأحياناً لا يجمع.

ولدينا نصٌّ ظاهرٌ جداً في أنه لا يصلي الجمعة في سفره وذلك في يوم عرفة فإن يوم عرفة كان يوم الجمعة في حجة الوداع وفي صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل بطن الوادي يوم عرفه نزل فخطب الناس " ثمَّ أَذَّنَ، ثم أقام فصلَّى الظهرَ، ثم أقام فصَلَّى العصرَ، ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا." أخرجه مسلم.

وهذه الصفة تخالف صلاة الجمعة لأن صلاة الجمعة الخطبة فيها بعد الأذان وهنا الخطبة قبل الأذان وأيضاَ صلاة الجمعة يتقدمها خطبتان وحديث جابر ليس فيه إلا خطبة واحدة

وأيضاً صلاة الجمعة يجهر فيها بالقراءة وحديث جابر يدل على أنه لم يجهر لأنه قال صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر

وأيضاً صلاة الجمعة تسمى صلاة الجمعة وفي حديث جابر قال صلى الظهر.

وأيضاً صلاة الجمعة لا تجمع إليها العصر وحديث جابر يقول صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر

الوجه الثاني: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة في أسفاره لكان ذلك مما تتوافر الدواعي على نقله ولنقل إلينا ولو كانت واجبة لصلاها بل لو كانت جائزة لصلاها، وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم كل شيء سببه موجود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ففعله بدعة فإذا صلى الإنسان الجمعة وهو في السفر فصلاته باطلة وعليه أن يعيدها ظهراً مقصورة لأن المسافر ليس من أهل الجمعة فالجمعة في السفر موجودة في عهد النبي صلى الله عليه و سلم ولكنه لم يفعلها فإذا فعلها إنسان قلنا له عملت عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون عملاً مردوداً

ولو أن رجلا وصل إلى بلد ونوى أن يقيم فيها أكثر من أربعة أيام هذا ليس مستوطناً لأنه لم يتخذ هذا البلد وطناً وليس مسافراً لأنه نوى إقامة تقطع السفر فهو مقيم، لذا تلزمه صلاة الجمعة.

والمسافر إذا وصل البلد التي سافر إليها ومدة إقامته أربعة أيام فأقل فالأفضل له أن يصلي الجمعة مع الجماعة في المسجد.

قوله:"ببناء اسمه واحد، ولو تفرق " أي بوطن مبني، فيشمل ما بني بالحجر، والمدر، والأسمنت ، والخشب، وغيرها، وهو يحترز بذلك مما لو كانوا أهل خيام كالبادية، فإنه لا جمعة عليهم. وهذا هو المذهب؛ لأن البدو الذين كانوا حول المدينة لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة الجمعة مع أنهم مستوطنون في أماكنهم لكونها ليست بناء ولهذا إذا ظعنوا عن هذا الوطن ظعنوا بيوتهم ولم يبق لها أثر لأنها خيام، قوله:"اسمه واحد، ولو تفرق" أي أن يكون مستوطنا ببناء اسم هذا البناء واحد مثل مكة والمدينة والخرج، والصحيح أنه مادام يشمله اسم واحد، فهو بلد واحد.

سادسًا أن لا يكون بين الإنسان وبين موضعها أكثر من فرسخ ، أي مقر إقامته والفرسخ ثلاثة أميال والميل أثنا عشر ألف ذراع، وثلاثة أميال تساوي خمسة كيلو مترات، فعلى هذا لا يلزم الشخص جمعة إذا كان بينه وبين البلد أكثر من فرسخ، إذا كان خارج البلد أما إذا كان البلد واحداً فإنه يلزمه ولو كان بينه وبين المسجد فراسخ وذكر علماؤنا أن مسيرة الفرسخ ساعة ونصف في سير الإبل والقدم لا بسير السيارة. وإن أقيمت الجمعة وهو في البلد لزمته وإلا فلا، إذن شروط وجوب صلاة الجمعة ستة ذكر حر مكلف مسلم مستوطن ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ.

قوله :"ولا تجبُ على مَُسافرٍ سَفَرَ قَصْرٍ"

ولا تجبُ الجمعةُ على مسافرٍ سَفَرَ قصْرٍ، ولو أن رجلاً دخل بلدًا ليقيم فيه خمسة أيام ثم يسافر فتلزمه الجمعة لأنه ليس مسافراُ سفر قصر بل هو مقيم إقامة تمنع القصر فتلزمه الجمعة

ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد دخول وقتها قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها إذ يحرم السفر يوم الجمعة بعد دخول وقتها ويدخل الوقت بالإتفاق بعد الزوال. والله يقول :"يا أيها الذين ءامنوا إذا نوي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فأمر بالسعي إليها وترك البيع وكذا يترك السفر لأن العلة واحدة فما كان قبل الزوال فالسفر جائز لكن بعض العلماء كرهه وقال لئلا يفوت على نفسه فضل الجمعة لأن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر.

ويستثنى من تحريم السفر بعد الزوال مسألتان:

الأولى: إذا خاف فوات الرفقة قال ابن القيم رحمه الله: فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقاً لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة.

الثاني: إذا كان يمكنه أن يأتي بها في طريقه فمثلاً شخص يريد أن يسافر من الخرج إلى الإحساء وسيمر في طريقه إلى حرض فهنا يمكن أن يأتي بها في طريقه.

ولو فرض أن الطائرة ستقلع في وقت صلاة الجمعة ولو جلس ينتظر فاتته فهو معذور وله أن يسافر ولو بعد الزوال

قوله :" ولا عبدٍ وامرأةٍ ومَنْ حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يصح أن يؤم فيها ومن سقطت عنه لعذر غير سفر وجبت عليه إذا حضرها وانعقدت به.ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح، وتصح ممن لا تجب عليه والأفضل حتى يصلي الإمام ولا يجوز لمن تلزمه السفر في يومها بعد الزوال".

قوله:"ولا عبدٍ وامرأةٍ " ؛ لأن من شروط الوجوب أن يكون حُرًّا ذكرًا.

قوله:"ومَنْ حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به" ، أي المسافر سفرَ قصر، والأرقاء والنساء، من حضر الجمعة منهم وصلى مع الإمام أجزأتْهُ جُمُعَةً ، ولم تنعقد بواحد من هؤلاء؛ لأنهم ليسوا من أهل الوجوب.

قوله:"وَلَمْ يصحْ أن يَؤُمَّ فيها" أي لا يصح أن يكون أحد من هؤلاء إمامًا في الجمعة ، والصحيح أن الرقيق والمسافر تنعقد بهما ، ويصح أن يكونا أئمة فيها وخطباء؛ لأنهما من أهل التكليف، علمًا أنَّ مذهبَ أبي حنيفة والشافعي أنَّ الرقيق يصحُ أن يكونَ إمامًا في الجُمُعة.

قوله:"ومَنْ سقطتْ عنهُ لعذرٍ غيرِ سفرٍ وجبتْ عليه إذا حضرَها وانْعقدتْ به" يعني :مْن سقطت عنه الجمعة لخوف أو مرض إذا حضر الجمعة انعقدت به في إتمام الأربعين، ووجبتْ عليه ؛ لأنه من أهل الوجوب لكن سقط عنه الحضور للعذر، فإذا حضر ثبت الوجوب.وهذا على قول المؤلف.

قوله:"ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح " أي من صلى الظهر وهو ممن يلزمه الحضورُ لصلاة الجمعة فإن صلاته لم تصح. مثال ذلك: رجل مقيم في البلد ، وكان معه أصحابه في البيت فجاء وقت الظهر فصلوا الظهر قبل صلاة الجمعة فإن صلاته لم تصح.

قوله:"وتصحُ ممَّنْ لا تجبُ عليه " أي تصح صلاة الظهر ممن لا تجب عليه الجمعة وإن لم يصلِ الإمام، مثال ذلك: مريض مرضا تسقط به عنه الجمعة صلى الظهر قبل صلاة الإمام الجمعة، فتصح لأنه لا تلزمه الجمعة.

قوله:"والأفضل حتى يصلي الإمام"أي أنَّ الأفضلَ لمَنْ لا تلزمُه الجمعةُ أن يؤخرَ صلاةَ الظهرِ حتى يصليَ الإمامُ؛ لأنَّه رُبَّما يزولُ عذرُه فيدرك صلاةَ الجمعة.

قوله :"ولا يجوز لمن تلزمه السفرَ في يومها بعد الزوال" أي لا يجوز السفر في يوم الجمعة بعد الزوال لمن تلزمه، وذلك أنه بعد الزوال دخل الوقت بالاتفاق.

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/4/23 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر