الدرس الثالث والخمسون: سنن صلاة الجمعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 24 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1694 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قال المصنف :"ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم ثم يجلس إلى فراغ الأذان وأن يجلس بين الخطبتين وأن يخطب قائما ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ويقصد تلقاء وجهه ويقصر الخطبة ويدعو للمسلمين".

قوله :"ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم"، أي إذا صعد المنبر يتجه إلى المأمومين ويسلم عليهم.

قوله:" ثم يجلسُ إلى فراغِ الأذانِ " إذا سلَّم جلس حتى يفرغَ المؤذنُ وفي هذه الحال يتابع المؤذن على أذانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ المُؤَذِّنُ." صحيح البخاري.

وهذا عام فينبغي للإمام وهو على المنبر أن يجيب المؤذن وكذلك المأمومون يجيبون المؤذن فيقولون مثل ما يقول إلا في الحيعلتين فإنهم يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله

قوله:" وأن يجلس بين الخطبتين "؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس بين الخطبتين؛ لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه:

"كَانَتْ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بيْنَهُما".صحيح مسلم؛ ولأنه لو لم يجلس لم يتبين التمييز بينهما إذ قد يظن الظان أنه سكت لعذر منعه من الكلام لكن إذا جلس تميزت الخطبة الأولى عن الثانية.

قوله:"ويخطُبُ قائمًا" يخطب قائماً؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن ذلك أبلغ بالنسبة للمتكلم، لأن القائم يكون عنده من الحماس أكثر من الجالس، وأنه أبلغ أيضاً في إيصال الكلام إلى الحاضرين لا سيما في الزمن السابق إذ ليس فيه مكبر صوت قوله:"ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا" ، والصحيح أنه لا دليل على ذلك؛ حيث لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتماده على شيء بعد اتخاذه المنبر.

قوله:"ويقصد تلقاء وجهه" ويستقبلهم تلقاء وجهه فلا يتجه لليمين أو لليسار بل يكون أمام الناس لأنه إن اتجه إلى اليمين أضر بأهل اليسار وإن اتجه إلى اليسار أضر بأهل اليمين وإن اتجه تلقاء وجهه لم يضر بأحد والناس هم الذين ينصرفون إليه إذ ليس من السنة أن يلتفت الخطيب يميناً وشمالاً ، قال إمام المحدثين البخاري – رحمه الله – في صحيحه باب يستقبل الإمام القوم ، ثم ساق – رحمه الله –" واستقبال الناس الإمام إذا خطب يعني الإمام يستقبلهم وهم يستقبلونه "،ثم ساق حديث أبي سعيد الخضري – رضي الله عنه – قال:" إن النبي – صلى الله عليه وسلم – جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله قال ابن بطال، وهو من كبار علماء المالكية:" وهذا معناه أنهم يواجهونه بوجوههم ، ويواجههم بوجهه ولا ينصرف، والخطيب يقصد تلقاء وجهه ومن أراده التفت إليه ".

قوله:"ويقصر الخطبة "ويجعل خطبته قصيرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمَّار بن ياسر رضي الله عنه وأخرجه مسلم :"إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ؛ مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ، فأطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ، "، أي دليلٌ على فقهه

فالأولى أن يقصر الخطبة لأن في تقصير الخطبة فائدتين

أولاً: ألا يحصل ملل للمستمعين

ثانياً: أن ذلك أحفظ للسامع

وإن أطال الإنسان أحياناً لاقتضاء الحال فإن هذا لا يخرجه عن كونه فقيهاً وذلك لأن الطول والقصر أمر نسبي وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب أحياناً بسورة (ق) وسورة ق مع الترتيل والوقوف على كل آية تكون طويله.فقد روت أم هشام بنت حارثة أم النعمان قالت:"ما حَفِظْتُ (ق)، إلَّا مِن في رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَخْطُبُ بهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، قالَتْ: وَكانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَاحِدًا." أخرجه مسلم في صحيحه.

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد:" وكان يقصر خطبته أحياناً ويطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة".

قوله :"ويدعو للمسلمين "، يدعو الخطيب للمسلمين: الرعيةِ والرعاةِ، والدعاءُ للمسلمين ،لا شكَّ، أنه خير كبير؛ فلهذا استحبوا أن يدعو للمسلمين غيرَ أنه لا يتخذه سنة راتبة يواظب عليه حتى لا يفهم أنه سنة.

قوله:"والجمعةُ ركعتان يُسَنُّ أن يقرأ جهرًا، في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين"، حيث ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم، فعن ابنِ أبي رافعٍ، قال: "استخلَفَ مَروانُ أبا هريرةَ على المدينةِ، وخرج إلى مكَّةَ، فصلَّى لنا أبو هريرةَ الجُمُعةَ، فقرأ بعد سورةِ الجُمُعةِ، في الركعةِ الآخرةِ: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ، قال: فأدركتُ أبا هُريرةَ حين انصرَفَ، فقلتُ له: إنَّك قرأتَ بسُورتَينِ كان عليُّ بنُ أبي طالبٍ يَقرأُ بهما بالكوفةِ، فقال أبو هريرة: إني سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ بهما يومَ الجُمُع".

ولو قرأ سراً لصحت الصلاة، لكنَّ الأفضلَ الجهرُ، فيقرأ في الأولى بسورة الجمعة، ومناسبة ذلك؛ لأن فيها الأمرَ بالسعي إلى صلاة الجمعة وأيضاً ذكر الله فيها الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها أي لم يعملوا بها أن مثلهم كمثل الحمار ففيه تحذير للمسلمين أن يتركوا العمل بالقرآن فيصيروا مثل اليهود أو أخبث لأن من ميز عن غيره بفضل كان تكليفه بالشكر أكثر وأما المنافقون فالمناسبة ظاهرة أيضاً من أجل أن يصحح الناس قلوبهم ومسارهم إلى الله كل أسبوع فينظر الإنسان في قلبه هل هو من المنافقين أو من المؤمنين فيحذر ويطهر قلبه من النفاق.

وفيه أيضاً فائدة أخرى أن يقرع أسماع الناس التحذير من المنافقين كل جمعة لأن الله قال فيها عن المنافقين هم العدو فاحذرهم.

قوله:"وتحرم إقامتها في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة"، وهذا أيضاً من خصائص يوم الجمعة والدليل على التحريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي " صحيح الجامع للألباني.

وحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته في مسجد واحد طول حياته والخلفاء من بعده والصحابة من بعدهم وهم يعلمون أن البلاد اتسعت.

وكانت أحياء العوالي في عهده صلى الله عليه وسلم بعيده عن الجمعة ومع ذلك يحضرون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الأسف الآن أصبح كثير من بلاد المسلمين لا يفرقون بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر أي أن الجمعة تقام في كل مسجد فتفرقت الأمة

ويجوز للحاجة إذا ضاق المسجد عن أهله ولم يمكن توسعتُهُ؛ لأن الناس لا يمكن أن يصلوا صيفًا في الشمس ولا شتاءً في المطر .

قال المصنف :" فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام ، أو أذن فيها، فإن استويا في إذن أو عدمه، فالثانية باطلة وإن وقعتا معا أو جهلت الأولى منهما بطلتا. ".

قوله :" فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام، أو أذن فيها. " أي صلوا الجمعة في موضعين فأكثر بلا حاجة، فالصحيحة ما باشرها الإمام أو أذن فيها، والمراد بالإمام وليُّ الأمر.

قوله:"فإنْ اسْتَوَيَا في إذنٍ أو عدمهِ، فالثانيةُ باطلة "، والصحيحُ أنَّ المعتبرَ السبقُ زمنًا ، فالتي قد أنشئت أولا فالحكم لها ؛ لأنَّ الثانيةَ هي التي طرأتْ على الأولى، فهي تشبه مسجد الضرار الذي بناه المنافقون عند مسجد قُباء.، وقال الله لنبيه :"لَاْ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا" (التوبة 108) ،

قوله :"وَإنْ وَقَعَتَا مَعًا"، أي إنْ وقعتا معَا بطلتا معًا.

قوله :"أو جهلت الأولى بطلتا"أي لو أقيمت الجمعتان بلا حاجة واستوتا في إذن الإمام وعدمه وجهلت الأولى منهما ولم يعلم أيهما أسبق بتكبيرة الإحرام بطلت الجمعتان ولزمهم صلاة الظهر.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/24 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر