الدرس الثاني والعشرون : باب المياه

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 2 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1897 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الأصل في الماء الطهارة فإذا تغيَّر لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة فهو نجس سواء كان قليلاً أو كثيراً ، وإذا لم تغيره النجاسة فهو طهور لكن إذا كان قليلاً جداً فينبغي عدم التطهر به احتياطاً وخروجاً من الخلاف وعملاً بحديث أبي هريرة مرفوعا : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه " رواه مسلم .

إقدام الجنب على الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري لا يجوز لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ، فقيل : كيف يفعل يا أبا هريرة ؟ قال : يتناوله تناولاً " .

وإذا بلغ الماء الدائم قلتين فأكثر ولم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالاغتسال فيه من الجنابة أجزأ الوضوء والغسل منه وصلح لتطهير الأخباث والأحداث ، وإن تغير بنجاسة لم يصح استعماله في طهارة أحداث ولا أخباث إجماعاً ، وإن تغير بمجرد تتابع الاغتسال من الجنابة فيه لا بنجاسة ففي طهوريته خلاف والأحوط ترك استعماله في الطهارة خروجاً من الخلاف ، وإن كان أقل من قلتين واغتسل فيه جنب فإن تغير بنجاسة جنب كانت على بدنه لم يصح التطهر به من الأحداث ولا الأخباث وإن لم يتغير بنجاسة ففي صحة التطهر به من الأحداث والأخباث خلاف ، والأحوط ترك استعماله في الطهارات عند تيسر غيره .
ما جرى عليه عمل بعض الناس من الاغتسال من الجنابة في برك البوادي والمساجد لا يجوز ويجب نصحهم وإرشادهم فإن استجابوا فالحمد لله وإلا عزرهم ولي الأمر بما يردعهم .

ستر الإنسان عورته في خلوته من آداب الإسلام وهو مقتضى الحياء وسترها بحضرة غير زوجته وأمته واجب ، وكشفها حرام ، ونظر غير زوجته وأمته إليها حرام إلا لضرورة لما رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " رواه مسلم .

إذا كان الماء لم يتغير طعمه ولا ريحه ولا لونه بنجاسة فلا يضره ما تولد فيه من الدود ، لأن ذلك لا يمكن التحرز منه فيعفى عنه للمشقة ويجوز الوضوء منه .

مسألة : حكم تحويل مياه المجاري النجسة إلى مياه يستفاد منها بعد تكريرها بطرق فنية في ري الأراضي وزرعها وسقي الأشجار حيث تكون صافية بعد التكرير ؟

والجواب : إذا كان الواقع كما ذكر من صفاء مياه المجاري الكثيرة بعد التكرير والتنقية حتى ذهب لون ما خالطها من النجاسة وريحه وطعمه فقد صار ماؤها طهوراً لا ينجس ما أصابه ويجوز استعماله في سقي المزارع والأشجار وفي تطهير البدن والمكان والملابس من النجاسات وفي الوضوء والغسل من الجنابة ونحوها ويجوز الشرب منه إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع عن ذلك محافظة على النفس وبعداً عن الضرر لا لنجاستها .

لا يحرم تبول الإنسان قائماً لكن يُسن له أن يتبول قاعداً لقول عائشة رضي الله عنها " من حدَّثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعداً " رواه الترمذي وقال : هذا أصح شيء في الباب ولأنه أستر له وأحفظ له من أن يصيبه شيء من رشاش بوله ، وقد رويت الرخصة في البول قائماً عن عمر وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم لما رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه أتى سباطة قوم فبال قائماً " رواه مسلم ، ولا منافاة بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لكونه في موضع لا يتمكن فيه من الجلوس أو فعله ليبين للناس أن البول قائماً ليس بحرام وذلك لا ينافي أن الأصل ما ذكرته عائشة من بوله صلى الله عليه وسلم قاعداً وأنه سنة لا واجب يحرم خلافه .

إذا علم الشخص ضرر عادة ما ، وتصور الآثار المترتبة على تعاطيها كالنتر للذكر الذي يتسبب عنه سلس البول وعدم استمساكه وتعرض بدنه وثيابه للنجاسة فإنه يترك العادة السيئة ويعرض عنها .

يُكره للإنسان أن يذكر اسم الله في الحمامات أو يهلل فيها ولا يشرع على من يغتسل من الجنابة أن يتشهد وهو يصب الماء على جسده لكن يُسن لمن يريد أن يدخل الحمام أو محل قضاء حاجته بولاً أو غائطاً أن يتعوذ بالله من الخبث والخبائث قبل أن يدخل وأن يقول بعد خروجه من محل قضاء الحاجة " غفرانك " ، وأن يقول بعد الفراغ من غسله والخروج من الحمام الذي اغتسل فيه من الجنابة : " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين ومن المتطهرين " لثبوت ما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم .

الصحيح من أقوال العلماء أنه يحرم استقبال القبلة - الكعبة - واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط وأنه يجوز ذلك في البنيان وفيما إذا كان بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها أو خلفه في استدبارها كرحل أو شجرة أو جبل أو نحو ذلك وهو قول كثير من أهل العلم لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها " رواه مسلم ، ولما رواه أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا " رواه البخاري ومسلم ، ولما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة " رواه البخاري ومسلم ، وروى أبو داود والحاكم أن مروان الأصفر قال : " رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها ، فقلت أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن ذلك ؟ قال : إنما نهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس " .

يكره الاستنجاء من الريح لما في ذلك من الغلو ولا يسمى غسل الدبر والقبل وضوءاً وإنما يسمى استنجاء إن كان بالماء أما إن كان بالحجارة ونحوها فإنه يسمى استجماراً ، ويجب على من خرج من ذكره شيء أن يستنجي بالماء ثم يتوضأ فإن لم يجد ماء فيستجمر بثلاثة أحجار فأكثر حتى ينقي المحل .

السواك سنة ويتأكد كلما دعت الحاجة إليه من وضوء وصلاة وقراءة قرآن وتغير فم ونحو ذلك ، ويجوز فعله داخل المسجد وخارجه ، لعدم وجود نص يمنع منه داخل المسجد مع وجود الداعي إليه ولعموم حديث " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة " ، ويجوز للصائم الاستياك في جميع نهار الصيام لعموم الأحاديث الواردة في السواك ، ولما روى الترمذي عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم " وقال الترمذي : حديث حسن .

ختان الطفل سنة ، ولا يحرم تقديمه على اليوم السابع ولا يكره ، ولا يحرم تأخيره عنه ولا يكره والأمر في ذلك واسع مع مراعاة مصلحة الطفل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " خمس من الفطرة : الختان والاستحداد وقص الشارب وقلم الأظفار ونتف الآباط " متفق على صحته ، فالختان من سنن الفطرة ، وهو للذكور والإناث ، إلا أنه واجب في الذكور وسنة ومكرمة في حق النساء ، وليس شرطاً من شروط الدخول في الإسلام إذا شق عليه الختان بعدما أسلم لكبر سنه سقط عنه ، فلا يُكلَّف به خشية أن يكون ذلك مما يسبب عدم دخوله بالإسلام ، وينبغي للدعاة إلى الله سبحانه الإغضاء عن الكلام في الختان عند دعوة الكفار إلى الإسلام إذا كان ذلك ينفره من الدخول في الإسلام ، فإن الإسلام والعبادة تصح من غير المختون وبعدما يستقر الإسلام في قلبه يشعر بمشروعية الختان ، وإمامة غير المختون صحيحة .

ختان النساء مكرمة لهن وينبغي ألا يبالغ في قطع بظرها في الختان لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في ذلك ومن مات ولم يختن فإنه لا يختن بعد موته .

لا ينبغي ترك شعر العانة أكثر من أربعين يوماً بدون حلق لورود السنة بالنهي عن تركه أكثر من أربعين يوماً حيث ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال : " وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة " رواه مسلم ، وروى الترمذي من حديث زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " وقال حديث صحيح ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " ، وفي بعضها : " أحفوا الشوارب " ، والإحفاء هو المبالغة في القص فمن جزَّ الشارب حتى تظهر الشفة العليا أو أحفاه فلا حرج .

وإعفاء اللحية واجب شرعاً لورود الأدلة الدالة على الأمر بإعفائها كقوله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأعفوا اللحى " ، والأمر يقتضي الوجوب ولا يجوز طاعة الوالدين إذا أمرا بحلق اللحية لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

30 - 10 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر