الدرس الثالث والعشرون: صبغ الشعر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 3 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1776 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

تغيير الشيب بصبغ شعر الرأس واللحية بالحناء والكتم ونحوهما جائز بل مستحب وتغييره بالصبغ الأسود لا يجوز ، وقد ورد بهذا الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :" جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبوا به إلى بعض نسائه لتغيره بشيء وجنبوه السواد " رواه مسلم ، وأما الفرق بين حلق اللحية وصبغ شيبها بالسواد فكلاهما وإن كان ممنوعاً إلا أن حلق اللحية أشد منعاً من صبغها بالسواد ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة " رواه أحمد وأبو داود .

ويشرع صبغ الشعر بالحناء ونحوه مما يكسب الشعر حمرة أو صفرة لما ورد " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة " رواه أبو داود ، ولما روى مسلم " أن أبا بكر اختضب بالحناء والكتم ، وأن عمر اختضب بالحناء " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم " رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " رواه البخاري ومسلم ، أما التغيير بالسواد الخالص فلا يجوز للرجال والنساء لقوله صلى الله عليه وسلم : " غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد " رواه مسلم .

المطلوب إزالة الشعر من الإبطين بنتف أو حلق أو غيرهما ، ولأن النتف أفضل إذا تيسر ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الفطرة خمس : الختان وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة " متفق على صحته ، وعن أنس رضي الله عنه قال : " وقَّت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك ذلك أكثر من أربعين يوماً " رواه مسلم ، فمن لم يقص أظفاره فهو مخالف لسنة من سنن الفطرة والحكمة في ذلك النظافة والنقاء مما قد يكون تحتها من الأوساخ والترفع عن التشبه بمن يفعل ذلك من الكفار وعن التشبه بذوات المخالب والأظفار من الحيوانات ولا حرج في رميها .

روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وقال : احلقه كله أو دعه كله " أخرجه البخاري ومسلم ، قال في شرح الإقناع : فيدخل في القزع حلق مواضع من جوانب الرأس أو أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعله عامة النصارى ، أو حلق جوانبه وترك وسطه كما يفعله كثير من السفهاء ، وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره ، وسئل أحمد عن حلق القفا فقال : هو من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وبهذا يُعلم أنه لا يجوز ترك بعض شعر الرأس أطول من بعض .

وحلق الرجل شعر الرأس كله أو تقصيره كله مباح وهو من أمور العادات وليس لأحد أن يكره أحداً على حلقه أو إبقائه ولا أثر لحلقه أو تقصيره في زيادة الإيمان ونقصانه ، ولا يجوز للمرأة أن تحلق إلا من ضرورة لما روى الترمذي والنسائي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن تحلق المرأة رأسها " ، وقال الحسن : هي مثلة .

أما قص شعر الحواجب أو تحديده بقص جوانبه أو حلقه أو نتفه للزينة كما يفعله بعض النساء اليوم فحرام لما فيه من تغيير خلق الله ومتابعة الشيطان في تغريره بالإنسان وأمره بتغيير خلق الله ، قال الله تعالى " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا * إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا " النساء 116 - 119 ، وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال " لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات لخلق الله " .

قص النساء الشعر من فوق الجبهة إذا كان الغرض منه التشبه بنساء الكافرين والملحدين فهي حرام لأن التشبه بغير المسلمين حرام لقوله صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " ، وأما إذا لم يكن القصد منها التشبه وإنما هي عادة من العادات المستحدثة بين النساء فإذا كان فيها ما يعتبر زينة يمكن أن تتزين بها لزوجها وتظهر بها أمام أترابها في مظهر يرفع من قدرها عندهن فلا يظهر لنا بأس بها .

جمع المرأة شعرها في أعلى رأسها لا يجوز لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في قوله : " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤسهن مثل أسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من كذا وكذا " رواه مسلم ، وكذا جمع المرأة شعرها أو لفه حول رأسها حتى يصير كعمامة الرجل لا يجوز لما فيه من التشبه بالرجال ، وأما جمعه وجعله قرناً واحداً أو أكثر وسدله على الظهر مضفوراً وغير مضفور فلا حرج فيه ما دام مستوراً عمن لا يحل لهم ، وعمل الرأس فرقة من الجنب فيه تشبه بنساء الكفار وقد ثبت تحريم التشبه بالكفار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

يجوز للرجل أن يكتحل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك عند النوم ، وينبغي لكل من الزوجين أن يتجمل للآخر بما يحببه فيه ويقوي العلاقة بينهما لكن في حدود ما أباحته شريعة الإسلام دون ما حرمته ، ولبس ما يسمى بالباروكة بدأ في غير المسلمات واشتهرن بلبسه والتزين به حتى صار من سمتهن ، فلبس المرأة إياها وتزينها بها ولو لزوجها فيه تشبه بالكافرات ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ولأنه في حكم وصل الشعر بل أشد منه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعن فاعله ، كما لا يجوز للرجل أن يلبس الشعر المسمى بالباروكة للزينة .

حديث " لعن الله الواصلة والمستوصلة " أخرجه البخاري ومسلم ، ومعناه وصل شعر المرأة بشعر مستعار من غيرها فالمستوصلة طالبة للوصل والواصلة هي التي تفعله لها ، ومن حِكَمِ النهي عنه أنه زينة مزورة قد تستعمل للغش في الزواج وغيره .

النمص : هو الأخذ من شعر الحاجبين وهو لا يجوز فلا يجوز حلق الحواجب ولا تخفيفها لأن ذلك هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته أو طلبت فعله ، ويجوز نتف الشعر الذي بين الحاجبين لأنه ليس من الحاجبين كما يجوز أخذ الشعر الذي في الصدر .

يحرم الوشم في جميع البدن سواء كان وشماً كاملاً أم غير كامل لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة " والوشم يكون في الخد والشفة وغيرهما من الجسم بأن يغير لونها بزرقة أو خضرة أو سواد .

غسل اليدين إلى الإبطين في الوضوء غلو في الدين وكذلك غسل الرجلين في الوضوء إلى الركبتين ، والمشروع غسل اليدين مع المرفقين والرجلين مع الكعبين ، ويتوضأ المسلم حسبما يتيسر له قاعداً أو قائماً وله أن يشرب قائماً وقاعداً والأفضل أن يشرب قاعداً وهكذا له البول قائماً إذا دعت الحاجة إليه ولم ير عورته أحد ولم يخش من عود رشاش البول عليه ، والبول جالس أفضل لأنه هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء عند غسل الأعضاء أو مسحها ، وما ذكر من الأدعية في ذلك مبتدع لا أصل له ، وإنما المعروف شرعاً التسمية أوله والنطق بالشهادتين بعده وقول " اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " بعد الشهادتين .

يجب غسل ظاهر اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحته ولكن يشرع تخليلها ، قال النووي رحمه الله تعالى : لا خلاف في وجوب غسل اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحته اتفاقاً ، وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وقال ابن رشد : هذا أمر لا أعلم فيه خلافاً انتهى ، وأما اللحية الخفيفة التي تبين منها البشرة فإنه يجب غسل باطنها وظاهرها .

الأفضل أن يقدم المتوضئ المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه لعمل النبي صلى الله عليه وسلم ولإجماع العلماء على استحباب تقديمها على غسل الوجه فإن قدم غسل الوجه عليهما فوضوءه صحيح ، ويصح الوضوء بدون إدخال إصبعه في فمه عند المضمصة .

الاستنشاق واجب في الوضوء لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بقوله " من توضأ فليستنثر " رواه البخاري ومسلم ، وقوله " من توضأ فليستنشق " ومن لم يستنشق فوضوءه غير صحيح .

يجب المسح على الرأس في الوضوء مرة واحدة ومن توضأ ونسي المسح وجب عليه إعادة الوضوء إذا طال الفصل لأن الموالاة واجبة فإن ذكر في الحال مسح الرأس وأعاد غسل الرجلين .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر