الدرس الرابع والعشرون : صفة الوضوء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 3 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2115 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

صفة الوضوء الشرعي هي أن يفرغ الشخص من الإناء على كفيه ثلاث مرات ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيتمضمض ويستنثر ثلاث مرات ثم يغسل وجهه ثلاث مرات ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات وإن غسل مرتين مرتين أو مرة مرة أجزأ ذلك ثم يقول بعد الوضوء أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين .

والوضوء عبادة ، والعبادات توقيفية لا تُعلم إلا من قِبَلِ الشرع ، وعلى المسلم أن يعمل بما ثبت شرعاً ، فمن زاد على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدد الغسلات أو المسحات التي لكل عضو من أعضاء الوضوء أو تجاوز الحد الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في غسل عضو أو مسح عضو فقد أساء بغلوه وزيادته على ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ووضوءه صحيح ، لكن من كمال وضوئه ترك الزيادة على ما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء والواجب على المتوضئ تعميم الماء على جميع العضو الواجب غسله فإذا لم تكف الغرفة زاد حتى يتم غسل العضو كله ، ويصح الوضوء والغسل ولو بقي شيء من الفضلات بين الأسنان لكن إزالتها أفضل ، ولا يشرع مسح الرقبة في الوضوء .

ليس عدم تجفيف اليدين أو مسح الماء عنهما بعد الوضوء أو قبل الأكل أو بعده سنة بل الأمر في كل ذلك واسع إن شاء مسح وإن شاء ترك .

لا ينبغي النتر بعد البول ، وإذا حدث أن خرج منه قطرات بول بعد الوضوء فيجب عليه أن يعيد الوضوء ويغسل موضع النجاسة .

يجوز المسح على الشراب إذا كان صفيقاً أي لا ترى البشرة معه ويكون ساتراً للمفروض ومدة المسح للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، وتبدأ مدة المسح من المسح بعد الحدث ، والأصل في ذلك ما رواه مسلم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة " .

يجوز المسح على الجوارب إذا لبسهما على طهارة ولم تتسع الثقوب عرفاً أو تزيد الشفافية حتى تكون الرجلان في حكم العاريتين يرى ما وراءها من حمرة أو سواد ، والمسح يكفي ويغني عن التيمم ، ووضوءك صحيح إذا مسحت على اللصقة أو مر الماء عليها .

لا نعلم دليلاً شرعياً يدل على أن خروج الدم من غير الفرج من نواقض الوضوء والأصل أنه ليس ناقض والعبادات مبناها على التوقيف فلا يجوز لأحد أن يقول هذه العبادة مشروعة إلا بدليل ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى نقض الوضوء بخروج الدم الكثير عرفاً من غير الفرج ، فإذا توضأ من خرج منه ذلك احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو حسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .

النوم المستغرق مظنة لنقض الوضوء فمن نام نوماً مستغرقاً في المسجد أو غيره وجب عليه إعادة وضوئه ، سواء كان قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً ، وسواء كان في يده سبحة أم لا ، أما إن كان غير مستغرق ، كالنعاس الذي لا يفقد معه الشعور فلا تجب عليه إعادة الوضوء ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر صلاة العشاء بعض الأحيان حتى كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون .

حكم مسح الذكر ، الراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة قول الجمهور ، وهو نقض وضوء من مسَّ ذكره لأن حديث " ما هو إلا بضعة منك " ضعيف لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة الدالة على أن من مس ذكره فعليه الوضوء والأصل أن الأمر للوجوب ، وعلى تقدير عدم ضعفه فهو منسوخ بحديث " من مسَّ ذكره فليتوضأ " وكذا لمس العورة بدون حائل ينقض الوضوء سواء كان الملموس صغيراً أو كبيراً لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مس فرجه فليتوضأ " ، وفرج الممسوس مثل فرج الماس ، فإذا مسست أحد فرجيك بدون حائل انتقض الوضوء ولو بغير شهوة ، أما إن كان المس من وراء حائل فإنه لا ينتقض الوضوء .

إذا مسَّ الرجل المرأة مباشرة ففيه خلاف بين أهل العلم ، هل ينتقض وضوءه أم لا والأرجح أنه لا ينقض الوضوء سواء كان مسه إياها بشهوة أو بدونها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ولم يتوضأ ولأن هذا مما تعم به البلوى فلو كان ناقضاً لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما قوله سبحانه في سورة النساء والمائدة " أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ " فالمراد به الجماع في أصح قولي العلماء ، فالصحيح من أقوال العلماء أن لمس المرأة أو مصافحتها لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كانت أجنبية أم زوجة أم محرماً ، لأن الأصل استصحاب الوضوء حتى يثبت من الشرع ما يدل على نقضه ولم يثبت ذلك في حديث صحيح ، أما عن الاغتسال من الجنابة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع بعض زوجاته ليلاً ، ثم لا يغتسل ليلاً أحياناً فيصبح جنباً ثم يغتسل لصلاة الصبح ، والقبلة لا تنقض الوضوء على الصحيح من أقوال العلماء ولو وجد لذة إذا لم ينزل ولا تفسد الصوم .

صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في حكم تشريح الجثث رقم (47) وتاريخ 20 / 8 / 1396 هـ ، ملخصه : أن التشريح لغرض التحقق من دعوى جنائية أو للتحقق من أمراض وبائية فإن المجلس يرى أن في إجازتها تحقيقاً لمصالح كثيرة لهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين ، أما التشريح للغرض التعليمي فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة إلا أنه نظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتاً كعنايتها بكرامته حياً وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كسر عظم الميت ككسره حياً " ، ونظراً إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة ، فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر .

من أكل لحم جزور لزمه الوضوء للصلاة فريضة كانت الصلاة أم نافلة لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الوضوء من لحوم الإبل قال " نعم " ، ولمَّا سئل عن الوضوء من لحوم الغنم قال " إن شئت " رواه مسلم ، وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله في حكمة ذلك : إن الإبل معروفة بالحقد الشديد ، وإضمار الكيد لمن آذاها والحرص على الانتقام منه ولو طالت المدة ، وذكر أن الإنسان يكسب طبعه مما يتغذى به فشرع الوضوء لمن أكل لحم جزور لإزالة ما قد ينشأ عنه من الحقد والضغينة والواجب التسليم في الأحكام الشرعية كلها لله ، وإن لم تعرف الحكمة .

شرب الدخان حرام ، وعلى من ابتلي بشربه أن ينظف فمه عند ذهابه للمسجد ، إزالةً لرائحته الخبيثة ، وحرصاً على دفع ضررها وأذاها عن المصلين .

النجاسة من غير الدم والقيح والصديد لا يُعفى عن كثيرها ولا قليلها ، أما الدم والقيح والصديد فيُعفى عن اليسير منها إذا كان خروجاً من غير الفرج ، لأن في الاحتراز من قليلها مشقة وحرج وقد قال تعالى " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " الحج 78 ، وقال " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " البقرة 185 .

إذا كان من بال على الفرشة ونحوها غلاماً لم يأكل الطعام كفى في تطهيرها رش الماء عليها حتى يعم موضع النجاسة منها ، ولا يجب غسلها ولا عصرها ، وإن كان قد أكل الطعام أو كان جارية سواء أكلت الطعام أم لا ، فلابد لتطهيرها من الغسل ، ويكفي صب الماء على موضع النجاسة ، ولا يجب نزع الفرشة ولا عصرها كالنجاسة على الأرض ، لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه " أن أعرابيا بال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بوله دلو من الماء " وأخرج أبو داود وابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام " .

الأصل في الأشياء الطهارة فلا يحكم على شيء أو محل بأنه نجس إلا بدليل يدل على أن هذا الشيء نجس وأن هذه النجاسة المنصوص عليها موجودة في هذا المحل ، وإذا لم يتحقق هذان الأمران فإن المسلم يصلي وتكون صلاته صحيحة .

دم مأكول اللحم مثل الشاة والبقرة إذا كان مسفوحاً فهو نجس ، وما بقي في عروق الذبيحة ولحمها فهو طاهر .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر