الدرس الثامن والثلاثون: الصيام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1935 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من أفطر أياماً من رمضان تهاوناً لا استحلالاً لذلك فقد ارتكب إثماً عظيماً وذنباً كبيراً بانتهاكه رمضان ، فإن صيامه ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ " البقرة 183 ، وعليه أن يصوم قضاء عن الأيام التي أفطرها ، وإن وقع منه جماع في نهار يوم من الأيام التي أفطرها فعليه كفارة عن ذلك اليوم مع قضائه ، وإن كان الجماع في يومين فعليه كفارتين وهكذا مع القضاء ، والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو ذرة أو نحو ذلك مما تطعمه وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويؤدي الصوم الذي فرض الله عليه والعزم الصادق على ألا يفطر في رمضان مرة أخرى وعليه إطعام مسكين عن كل يوم من الأيام التي أفطرها لتأخيره القضاء إلى ما بعد رمضان آخر .

من ترك الصوم جحداً لوجوبه فهو كافر إجماعاً ومن تركه كسلاً وتهاوناً فلا يكفر لكنه على خطر كبير بتركه ركن من أركان الإسلام مجمع على وجوبه ويستحق العقوبة والتأديب من ولي الأمر بما يردعه وأمثاله ، بل ذهب بعض أهل العلم إلى تكفيره وعليه قضاء ما تركه مع التوبة إلى الله تعالى ، والأصح أنه لا يكفر وتصح صلاته ومن ترك الزكاة المفروضة جحداً لوجوبها كفر ولا تصح صلاته ، ومن تركها عمداً تساهلاً وبخلاً فلا يكفر وتصح صلاته وهكذا الحج من تركه جحداً لوجوبه مطلقاً ، أما من تركه مع الاستطاعة تساهلاً لم يكفر وتصح صلاته .

الحيض من علامات بلوغ النساء ، فإذا جاءها وهي في التاسعة من عمرها فأكثر لزمها الصيام فإذا استطاعت الصيام وجب عليها أداؤه في وقته وإذا عجزت أو نالها منه مشقة شديدة أفطرت ووجب عليها قضاء ما أفطرته من الأيام عند القدرة على ذلك .

يجوز أن تستعمل المرأة أدوية في رمضان لمنع الحيض إذا قرر أهل الخبرة الأمناء من الدكاترة ومن في حكمهم أن ذلك لا يضرها ، ولا يؤثر على جهاز حملها ، وخير لها أن تكف عن ذلك .

إذا لم تقض المرأة صوم رمضان بسبب الحيض جهلاً منها فعليها التوبة إلى الله من ذلك لأنها لم تسأل أهل العلم وعليها مع ذلك القضاء ، وتكفر عن كل يوم تركته بإطعام مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد إذا استطاعت الإطعام فإن كانت لا تستطيع الإطعام سقط عنها وكفاها قضاء الصوم وهذه الكفارة إذا جاءها رمضان الآخر ولم تقض .

إذا كان الطهر حصل قبل طلوع الفجر ثم صامت فصيامها صحيح ولا أثر للصفرة بعد رؤية الطهر لقول أم عطية رضي الله عنها : " كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً " أخرجه البخاري .

من عجز عن صوم رمضان لكبر سن كالشيخ الكبير والمرأة العجوز أو شقَّ عليه الصوم مشقة شديدة رُخِّص له في الفطر ، ووجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ، نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك مما يطعمه أهله ، وكذا المريض الذي عجز عن الصوم أو شق عليه مشقة شديدة ولا يرجى برؤه لقوله تعالى " لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَاۚ " البقرة 286 ، وقوله " وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ " الحج 87 ، وقوله " وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسكِينٖۖ " البقرة 184 ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : " نزلت رخصة في الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكيناً " ، والمريض الذي يعجز عن الصوم أو يشق عليه مشقة شديدة ولا يرجى برؤه حكمه حكم الشيخ الكبير الذي لا يقوى على الصوم .

أما الحامل التي تخاف ضرراً على نفسها أو على حملها من الصوم ، والمرضع التي تخشى ضرراً على نفسها أو رضيعها من الصوم ، فعليهما فقط أن يقضيا ما أفطرتا فيه من الأيام كالمريض الذي يرجى برؤه إذا أفطر .

إذا أوصى الطبيب المسلم الثقة أن الصيام يضر بالمريض فإنه يفطر ويكفر عن كل يوم من أيام رمضان بإطعام مسكين نصف صاع من بر أو أرز أو تمر ونحوها من طعام البلد ، ولا يجوز إخراج الكفارة نقوداً وذلك إذا أوصى الطبيب بعدم الصيام البتة .

إن كنت عرفت بالتجربة أن الصيام يزيد مرضك أو يؤخر برؤك منه أو أخبرك طبيب مسلم مأمون حاذق بأن الصيام يضرك فأفطر ، وعليك القضاء بعد الشفاء .

يجوز الإفطار للمسافر في رمضان وقصر الصلاة الرباعية ، وذلك أفضل من الصيام والإتمام ، لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : " ليس من البر الصيام في السفر " أخرجه البخاري ومسلم ، فمن كان مسافراً سفراً تقصر الصلاة في مثله رُخِّص له في الفطر في رمضان ، سواء كان سفره لعمرة أو لصلة رحم أو لصديق أو لطلب علم أو تجارة أو نحو ذلك من الأسفار المباحة لقوله تعالى " وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ " البقرة 185 ، إذ رخص بعض العلماء في قصر الصلاة الرباعية ، والفطر في نهار رمضان في كل ما يسمى سفراً ، وحدد جمهور العلماء المسافة بثمانين كيلو متر تقريباً ، ومن صام في السفر الذي يشرع فيه الإفطار ، فصيامه صحيح للأدلة الدالة على ذلك ، ولا حرج عليه إلا إذا أضرَّ به الصوم ، فإنه يتأكد عليه الإفطار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس من البر الصوم في السفر " .

وإذا سافرت سفراً تُقصر فيه الصلاة ثم أقمت أثناءه ثلاثة أيام بنية الإقامة شُرع لك أن تفطر وأن تقصر الصلاة الرباعية مدة الأيام الثلاثة التي أقمتها لأن إقامة هذه المدة لا تقطع حكم السفر ولو كانت إقامتك إياها بنية حين بدأتها ، لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة في حجة الوداع أربعة أيام واستمر في قصره الصلاة ، ولك أن تصوم إن شئت وعليك أن تصلي مع الناس الفريضة أربعاً ولا تصل منفرداً .

يجوز للمسافر سفر قصر أن يفطر في سفره سواء كان ماشياً أو راكباً وسواء كان ركوبه بالسيارة أو الطائرة وغيرهما وسواء تعب في سفره تعباً لا يتحمل معه الصوم أم لم يتعب ، اعتراه جوع أو عطش أم لم يصبه شيء من ذلك لأن الشرع أطلق الرخصة للمسافر سفر قصر في الفطر وقصر الصلاة ونحوهما من رخص السفر ولم يقيد ذلك بنوع من المركوب ولا بخشية التعب أو الجوع أو العطش ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون معه في غزوه في شهر رمضان فمنهم من يصوم ومنهم من يفطر ولم يعب بعضهم على بعض ، لكن يتأكد على المسافر الفطر في شهر رمضان إذا شقَّ عليه الصوم لشدة حر أو وعورة مسلك أو بُعد شقة وتتابع سير مثلاً ، فعن أنس رضي الله عنه قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فصام بعض وأفطر بعض ، فتحزم المفطرون وعملوا ، وضعف الصائمون عن بعض العمل ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم بالأجر " .

إذا أسقطت الحمل في الشهر الثالث من حملها فلا يعتبر دم نفاس لأن ما نزل منها من الحمل إنما هو علقة لا يتبين فيها خلق آدمي ، وعلى ذلك يصح صومها وتصح صلاتها وهي ترى الدم في الفرج ما دامت تتوضأ لكل صلاة .

إذا كان الجنين الذي وضعته فيه خلق إنسان كاليد والرجل ونحوهما فإنها تجلس مدة النفاس حتى تطهر أو تكمل أربعين يوماً ثم تغتسل وتصلي وتقضي اليوم الذي وضعت فيه وما بعده من أيام الصيام الواجبة عليها ، ولا إطعام عليها إن قضت الصيام قبل دخول رمضان الآخر ، فإن طهرت قبل تمام الأربعين اغتسلت وصلت وصامت لزوال المانع من ذلك ، فإن لم يكن فيه شيء من خلق الإنسان فإن صومها صحيح ، ويعتبر الدم دم فساد تصلي وتصوم معه وتتوضأ لكل صلاة حتى تأتيها العادة المعروفة .

حدوث النزيف للحامل لا يؤثر على الصيام فهو كالاستحاضة والصيام صحيح .

لا حرج في تناول الإبر بنسلين في نهار رمضان ويُستحسن أن يجعل تناول الإبر ليلاً إن تيسر ذلك فهو أحوط .

استعمال قطرة العين في نهار رمضان يجوز ولا تفسد الصوم على الصحيح من قولي العلماء .

لا حرج في التطعيم ضد الحمى المخية الشوكية في نهار رمضان وإن تيسر أن يكون التطعيم في الليل فهو أحوط .

لا حرج في أخذ أبرة مريض السكر في نهار الصيام وإن تيسر أخذه ليلاً بدون مشقة فهو أولى .

يجوز التداوي بالحقن في العضل والوريد للصائم في نهار رمضان ، ولا يجوز للصائم تعاطي حقن التغذية في نهار رمضان لأنه في حكم تناول الطعام والشراب فتعاطي تلك الحقن يعتبر حيلة على الإفطار في رمضان وإن تيسر تعاطي الحقن في العضل والوريد ليلاً فهو أولى .

من اكتحل في نهار رمضان وهو صائم لا يفسد صومه إلا أن يرى أثره في حلقه فالأحوط له القضاء والأولى ألا يكتحل نهاراً حال الصوم .

إذا تقيأ عمداً فسد صومه ، وإن غلبه القيء فلا يفسد صومه ، وكذلك لا يفسد ببلعه ما دام غير متعمد لقوله صلى الله عليه وسلم : " من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء " رواه أحمد .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

10 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر