الدرس التاسع والثلاثون: الصيام 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 13 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1776 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الاستمناء في رمضان وغيره حرام لا يجوز فعله لقوله تعالى " وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلعَادُونَ " المعارج 29 - 31 ، وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى الله ، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه

وكذا لا يجوز نكاح اليد ، وهذا يسمى العادة السرية ، ومن فعل ذلك في يوم من أيام رمضان فهو أشد إثماً وأعظم جرماً ممَّن فعله في غير رمضان ، وتجب عليه التوبة والاستغفار ويصوم يوماً عن اليوم الذي أفطره إذا كان قد نزل منه مني ، وأما من أقسم ألا يفعله ففعله فقد حنث في يمينه ، وعليه كفارة يمين واحدة ، ولو كرره لأنه يمين على شيء واحد ، أي لو قال والله والله والله لن يعود إلى هذا العمل ، والكفارة عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فمن لم يستطع صام ثلاثة أيام ، وقدر الإطعام خمسة أصواع من البر أو الأرز أو نحو ذلك من قوت البلد لكل مسكين نصف صاع ، ومقدار الكسوة لكل مسكين ثوب يستره في الصلاة ، وأما المرأة فإن كانت مطاوعة فحكمها حكم الرجل .

والاستمناء فيه من الضرر ويعزر فاعله ، ومن وقع منه ذلك في نهار رمضان وهو صائم فهو آثم إثماً آخر إن فعله عمداً لانتهاكه حرمة الصيام ، وعليه القضاء لأنه يشبه الإنزال بجماع دون الفرج ، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ، وكان أملككم لإربه " ، فمفهومه أنه إذا لم يملك إربه لا يجوز له التقبيل في رمضان وهو صائم ، ويفسد صومه بالإنزال عن شهوة ، ولا كفارة عليه ، وعليه القضاء والتوبة .

إذا اضطر رجل إلى مراجعة المستشفى في نهار رمضان ولما حضر إلى المستشفى أخذ منه دم ، فإذا كان الدم الذي أُخذ منه يسيراً عُرفاً فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم ، وإن كان ما أُخذ كثيراً عُرفاً فإنه يقضي ذلك اليوم خروجاً من الخلاف ، وأخذاً بالاحتياط براءة للذمة .

الرعاف لا يؤثر على صحة الصيام وكذا خروج الدم من اللثة عند السواك وكذا النزيف من الحلق لا يؤثر على الصيام وكذا بلع الصائم ريقه ولو تتابع .

من اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه من غير اختياره لم يفسد صومه لما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .

لا تأكل أو تشرب بعد الأذان الثاني أذان الفجر ما دمت تريد الصوم ، ولو كان صومك تطوعاً ، فإذا أكلت بعد هذا الأذان فسد صومك إلا إذا لم تعلم طلوع الفجر فالصوم صحيح لأن الأصل بقاء الليل فإذا سمع المؤذن وأكل أو شرب فصومه صحيح إذا لم يعلم بطلوع الفجر وإلا فسد صومه .

نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الحكم بوجوب الكفارة على أعرابي لكونه جامع زوجته عمداً في نهار رمضان وهو صائم فكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم بياناً لمناط الحكم ، ونصاً على علته ، واتفق الفقهاء على أن كونه أعرابياً وصف طردي لا مفهوم له ، ولا تأثير له في الحكم فتجب الكفارة بوطء التركي والأعجمي زوجته ، واتفقوا أيضاً على أن وصف الزوجة في الموطوءة طردي غير معتبر ، فتجب الكفارة بوطء الأمة وبالزنا ، واتفقوا أيضاً على أن مجيء الواطئ نادماً لا أثر له في وجوب الكفارة ، فلا اعتبار له أيضاً في مناط الحكم .

الجماع هو وحده المعتبر في وجوب الكفارة بإفساد الصوم به فقط لأن الأصل براءة الذمة من وجوب الكفارة حتى يثبت الموجب بدليل واضح .

والأصل في وجوب الكفارة على الرجل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : " بينما نحن جلوس عند النبي صلى اله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله : هلكت ، قال : ما لك ؟ قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم ، فقال صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ قال : لا ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فبينما نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال : أين السائل ؟ فقال : أنا ، فقال : خذه فتصدق به " متفق عليه .

وأما إيجاب الكفارة والقضاء على المرأة إذا كانت مطاوعة فلأنها في معنى الرجل ، وأما عدم إيجاب الكفارة عليها في حال الإكراه فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .

ومن جامع زوجته وهي حائض ، فعليه دينار أو نصفه لحديث ابن عباس " يتصدق بدينار أو نصفه " رواه أحمد والترمذي وأبو داود ، وقال : هكذا الرواية الصحيحة ، والمراد بدينار مثقال من الذهب مضروباً كان أو غيره ، أو قيمته من الفضة .

وهذه المرأة إن كانت مطاوعة فعليها الكفارة كالرجل ، وعليهما جميعاً التوبة إلى الله سبحانه من الجماع في الحيض .

ومن جامع زوجته ناسياً الصيام فليس عليه قضاء ولا كفارة لأنه معذور بالنسيان ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه " ، والجماع في معنى ذلك ، ومن جامع زوجته في نهار رمضان في يومين فعليه كفارتين وقضاء اليومين مع التوبة ، وإذا جامع زوجته في نهار رمضان مرات في يوم واحد فعليه كفارة واحدة إذا كان لم يُكَفِّر عن الأولى ، وعلى الزوجة الكفارة إذا كانت مطاوعة لزوجها ، أما المكرهة فلا شيء عليها ، ولا يجوز أن يدفع فلوساً عن الإطعام ولا يجزئه ذلك ، ولا يجوز دفعها إلى مسكين واحد ، ولا إلى جمعية البر أو غيرها لأنها قد لا توزعها على ستين مسكيناً ، والواجب على المؤمن أن يحرص على براءة ذمته من الكفارات وغيرها من الواجبات .

من شُفي من المرض وقدر على الصيام ثم مات ولم يصم شرع لوليه أن يصوم عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " متفق عليه ، والولي هو القريب كالأب والإبن والأخ وابن العم وغيره ، وإن اتصل مرضه حتى مات فلا قضاء عليه ولا فدية ، ولا على قريبه .

لا حرج في تذوق الإنسان للطعام في نهار الصيام عند الحاجة ، وصيامه صحيح إذا لم يتعمد ابتلاع شيء منه .

يجوز للمرأة أن تتناول ما يؤخر العادة عنها من أجل مناسبة حج أو عمرة أو صيام رمضان ، إذا لم يترتب عليها ضرر .

يجب على المرأة قضاء ما أفطرته من أيام رمضان ولو بدون علم زوجها ، ولا يشترط للصيام الواجب على المرأة إذن الزوج ، وأما الصيام غير الواجب فلا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه غير رمضان .

من صام تطوعاً قبل أن يقضي ما عليه من الصوم الواجب ثم قضى ما عليه أجزأه قضاؤه لكن ينبغي له أن يقضي ما عليه أولاً ثم يصوم تطوعاً بعد ذلك لأن الواجب أهم .

لا يجوز صيام التطوع بنيتين نية القضاء ونية السنة .

الأفضل لصيام التطوع الاثنين والخميس ، وأيام البيض ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ، وعشر ذي الحجة ، وخاصة يوم عرفة ، والعاشر من شهر محرم ، مع صيام يوم قبله أو يوم بعده ، وستة أيام من شوال .

من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه أيام من رمضان فصيامه صحيح ، والمشروع له أن لا يؤخر القضاء لأن نفسه بيد الله ولا يدري متى يأتيه الأجل ، ولو صام يوم عرفة عن بعض أيام رمضان لكان أولى من صيامه تطوعاً لأن الفرض مقدم على النافلة ، وهو أولى بالعناية .

لم يثبت فيما نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صام عشر ذي الحجة ، أي تسعة الأيام التي قبل العيد ، لكنه صلى الله عليه وسلم حثَّ على العمل الصالح فيها ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ، يعني أيام العشر ، قالوا : يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " رواه البخاري .

ويشرع للمسلم في يوم عاشوراء صيامه لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء ، فلما فُرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر ، ويجوز صيام يوم عاشوراء يوماً واحداً فقط ، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده ، وهي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني مع العاشر .

يحرم صوم يومي العيدين لما في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال " هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الذي تأكلون فيه من نسككم " أخرجه مالك في الموطأ .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

11 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر