الدرس الخامس والثمانون : الطلاق 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 24 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2138 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

قوله لزوجته إنك للطلاق اليوم وإلا بكرة ليس طلاقاً وإنما هو تهديد ووعيد بأنه على استعداد لتطليقها قريباً ، وأما قوله علي الحرام فيلزمه فيه كفارة يمين إذا لم يحقق ما هددها به من الطلاق قريباً وذلك بإطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله يعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك أو يكسو عشرة مساكين أو يعتق رقبة فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام والأفضل أن تكون متتابعات ، قال تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلمُعتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلاً طَيِّباًۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ * لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغوِ فِيٓ أَيمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيمَٰنَۖ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطعِمُونَ أَهلِيكُمۡ أَوۡ كِسوَتُهُمۡ أَوۡ تَحرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفتُمۡۚ وَٱحفَظُوٓاْ أَيمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشكُرُونَ " المائدة 87 - 89 ، وعليه أن يتقي الله ولا يحرم على نفسه شيئاً مما أحل الله له وليتب إلى الله مما فرط منه ويستغفره فإن الله غفور رحيم .

الحِنث العظيم الذي في القرآن الكريم في سورة الواقعة آية 46 " وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلحِنثِ ٱلعَظِيمِ " هو الكفر بالله وجعل الأوثان والأنداد أرباباً من دون الله ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : الحنث العظيم الشرك ، وكذا مجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم رحمهم الله تعالى وليس من أيمان الطلاق .

الطلاق قبل العقد لا يقع لأنه لا يصح إلا من زوج ، والخاطب الذي لم يعقد النكاح ليس زوجاً فلا يصح طلاقه ولا يقع لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا طلاق إلا بعد نكاح " ، وهذا الكلام الذي حصل بينك وبين عمك لا يثبت به النكاح فإن من شرط صحة النكاح رضا المخطوبة بالنطق أو بالسكوت إن كانت بكراً وحضور شاهدين يشهدان على الإيجاب والقبول .

تعليق الطلاق قبل النكاح لا يقع على الصحيح من قولي العلماء لما روى الترمذي وحسنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا طلاق قبل نكاح " ، ولا يعتبر مجرد نية الطلاق طلاقاً بل الذي يُعتبر اللفظ الدال على ذلك وما في معناه من الكتابة ونحوها ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " رواه البخاري ، فإذا نويت الطلاق وذهبت إلى المحكمة لتطلق وخرجت من المحكمة دون تسجيله أو النطق به فلا يقع بذلك طلاق ، وكذا إذا طلق الرجل زوجته وهو نائم فإن طلاقه لا يقع لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " رُفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المعتوه حتى يعقل " رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه .

طلق زوجته طلقة واحدة ولما بلغه قول القاضي أن ورقة الطلاق غير شرعية طلقها طلقة ثانية ظناً منه أن الأولى لا تقع ، فالطلقة الأولى تقع وأما الثانية فإنه لا يعتبر وقوعها لأنها صدرت من الزوج ظناً منه أن الطلقة الأولى غير معتبرة فالطلقة الثانية بُنيت على أمر يظن تحققه فتبين خلاف ما ظن .

وإذا كتبت توكيل طلاق لرجل يطلق زوجتك وتراجعت ومزقت ورقة التوكيل قبل أن ترسلها فإنه لا يقع عليك بذلك طلاق ، وهكذا لو أرسلت الوكالة للوكيل ثم رجعت في ذلك قبل أن يطلق الوكيل لم يقع طلاق .

وإذا قال إذا أنجبت زوجتي أنثى طلقتها فأنجبت أنثى فهذا وعد من الزوج بالطلاق لا طلاق ، وعلى هذا لا يقع الطلاق بمجرد ولادة زوجته أنثى بل يتوقف على تنفيذه وعده بتطليقها ، ولكن لا ينبغي للزوج أن يصدر منه مثل هذا القول فإن الله تعالى هو الذي يهب الذرية ذكوراً أو إناثاً وليس ذلك إليه أو إلى زوجته كما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، قال تعالى " لِّلَّهِ مُلكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرۡضِۚ يَخلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكرَاناً وَإِنَٰثاًۖ وَيَجعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ " الشورى 49 ، 50 ، ولأن هذا القول يشبه أمر الجاهلية في كراهية الإناث ولا ينبغي لمسلم أن يتشبه بأمر الجاهلية وكم من امرأة في الدنيا خير من رجل .

مسألة : قال خال الزوجة للزوج خذ امرأتك أو طلقها فقال : الله يرزقها الحقوني خذوا ورقتها على اعتقاد مني أنهم سيسمحون عن الحق الذي عندي لزوجتي وعن نفقة ابنتي ؟

والجواب : قوله الله يرزقها الحقوني خذوا ورقتها من ألفاظ الكناية وألفاظ الكناية لا يقع بها الطلاق إلا إذا قصد الطلاق بها أو وجدت قرائن تدل على قصد الطلاق وإرادته ، وحيث إنه قال الله يرزقها الحقوني خذوا ورقتها بعد طلب الطلاق منه فتعتبر هذه الكناية طلاقاً .

إذا كنت نويت بعبارة ما أبغاك الطلاق فإنها تقع عليك طلقة واحدة ولك مراجعتها ما دامت في العدة .

من حلف بالطلاق أو الحرام ألا يذبح له صاحبه خشية التكلف ثم ذبح فعليه أن يكفر كفارة يمين عن حلفه .

حلف زوجتك بحياة أولادها يمين غير منعقدة لأنها من الحلف بغير الله تعالى وهذا لا يجوز بل هو شرك أصغر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه أبو داود والترمذي ، وثبت عنه أيضاً أنه قال : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " متفق عليه .

إذا أوصى الميت أن يُدفن في بلد أو في موضع معين فإنه لا يلزمك العمل بذلك ويُدفن مع المسلمين في أي مكان تيسر والحمد لله .

إذا طلق الرجل زوجته وبانت منه بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً يحصل به وطء لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت " جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب ، فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وذوق العسيلة كناية عن الجماع .

إذا قلت لزوجتك علي الحرام ألا أجامعك إلا بعد سنة من تاريخ الزعل فقد ارتكبت إثماً بتحريمك ما أحل الله لك وعليك أن تتوب إلى الله والاستغفار وعليك أن تجامعها أثناء هذه السنة ، وإذا جامعتها عليك كفارة يمين .

مسألة : إني آليت من امرأتي بأن قلت لها والله لا أجامعك إلا بعد أربعة أشهر ثم جامعتها قبل أربعة أشهر ؟

والجواب : عليك كفارة يمين ، فلا يجوز للمسلم أن يحلف على ترك وطء زوجته فإن فعل ذلك ضُربت له مدة أربعة أشهر فإن رجع عن إيلائه ووطئها فقد فاء وإن أبى الفيئة فرق بينهما الحاكم الشرعي لقوله تعالى " لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ * وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ " البقرة 226 ، 227 .

من هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر ، فإن كان ذلك لنشوزها أي لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها فإنه يهجرها في المضجع ما شاء تأديباً لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها ، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فلم يدخل عليهن شهراً ، أما في الكلام فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : " ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " أخرجه البخاري ومسلم ، أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر إضراراً بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها فإنه تُضرب له مدة الإيلاء فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع إن لم تكن في حيض أو نفاس فإنه يؤمر بالطلاق فإن أبى الرجوع لزوجته وأبى الطلاق طلق عليه القاضي أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

24 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر