الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
سورة الشرح مكية وآياتها 8
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب
ذكر تعالى ثلاث مسائل : شرح الصدر ، ووضع الوزر ، ورفع الذكر وهي وإن كانت مصدرة بالاستفهام فهو استفهام تقريري لتقدير الاثبات، فقوله تعالى" ألم نشرح " بمعنى شرحنا على المبدأ المعروف من أن نفي النفي إثبات، وذلك لأن همزة الاستفهام وهي فيها معنى النفي دخلت على لم وهي للنفي فترافعا فبقي الفعل مثبتا
فتقرر بذلك أنه تعالى يعدد عليه نعمه العظمى، فيقول تعالى ممتنًا على رسوله أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أي نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقًا حرجًا، لا يكاد ينقاد لخير، ولا تكاد تجده منبسطًا .
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ أي ذنبك ، والوضع يكون للحط والتخفيف
الَّذِي أَنْقَضَ أي أثقل ظَهْرَكَ
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ أي أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة وبعدهما، وفي الخطب، وفي التشهد الأول في الصلاة وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعقبه الدعاء كما في التشهد الأخير ، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته .
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم " وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا "صححه الألباني .
وتعريف " العسر " في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير " اليسر " يدل على تكراره، فلن يغلب عسرٌ يسرين .
وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإنه في آخره التيسير ملازم له .
ثم أمر الله رسوله أصلًا، والمؤمنين تبعًا، بشكره والقيام بواجب نعمه، فقال فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ أي إذا تفرغت من أشغالك ولم يبق في قلبك ما يعوقه ، فاجتهد في العبادة والدعاء " وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ " أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عباداتك .
ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين .
اللهم اجعل رغبتنا فيك لا في سواك وتعلقنا فيما عندك لا فيما عند غيرك وأن تلهمنا الإخلاص والصواب فيما نقول ونفعل .
تم تفسير سورة الشرح ولله الحمد والمنة
23 - 4 - 1436هـ