تفسير سورة الضحى

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 25 ربيع الثاني 1436هـ | عدد الزيارات: 2360 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة الضحى مكية وآياتها 11

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى وبالليل إذا سجى إذا سكن بالخلق واشتد ظلامه،

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ أي ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أحسن تربية، ويعليك درجة بعد درجة .
وَمَا قَلى أي ما أبغضك منذ أحبك، فإن نفي الضد دليل على ثبوت ضده، والنفي المحض لا يكون مدحًا، إلا إذا تضمن ثبوت كمال، فهذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم الماضية والحاضرة، أكمل حال وأتمها، محبة الله له واستمرارها، وترقيته في درج الكمال، ودوام اعتناء الله به .

وأما حاله المستقبلة، فقال وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى أي كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة .
فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درج المعالي ويمكن له الله دينه، وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله، حتى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب .

ثم بعد ذلك، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، وأنواع الإنعام، ولهذا قال وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى وهذا أمر لا يمكن التعبير عنه بغير هذه العبارة الجامعة الشاملة، وقد توجه الله أن جعله أفضل مخلوق .
ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله الخاصة فقال أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى أي وجدك لا أم لك، ولا أب، بل قد مات أبوه وهو حمل له ستة أشهر وماتت أمه وهي عائدة من المدينة بالأبواء وعمره صلى الله عليه وسلم ست سنوات وهو لا يدبر نفسه، فآواه الله، وكفله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده كفله الله عمه أبا طالب، حتى أيده بنصره وبالمؤمنين .

وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى الضلال يكون حساً ومعنى فالأول كمن تاه في طريق يسلكه والثاني كمن ترك الحق فلم يتبعه والمراد عدم التعليم أولاً ثم منحه من العلم مما لم يكن يعلم ووفقه لأحسن الأعمال والأخلاق .

وَوَجَدَكَ عَائِلًا أي فقيرًا فَأَغْنَى بما فتح الله عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها وخراجها .
فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، والذي أوصلك إلى الغنى، وآواك ونصرك وهداك، قابل نعمته بالشكران .

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ أي لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك،وكما آواك الله فآوه، وكما أكرمك فأكرمه ومن قهر اليتيم أخذ ماله وظلمه، "وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ" أي لا يصدر منك إلى السائل كلام يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر وشراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو رده بمعروف وإحسان .
وهذا يدخل فيه السائل للمال، والسائل للعلم، ولهذا فإن المعلم مأمورًا بحسن الخلق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده، وإكرامًا لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد .

وقدوتنا في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه رحيم شفيق على الجاهل حتى يتعلم كما في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، ، وقد أوردها البخاري في صحيحه " أنَّ أعْرَابِيًّا بَالَ في المَسْجِدِ، فَثَارَ إلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا به، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: دَعُوهُ، وأَهْرِيقُوا علَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ، أوْ سَجْلًا مِن مَاءٍ، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ. وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم فضل طلب العلم فقال :" من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ " رواه أبو داود وصححه الألباني .

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية وهي كل ما ينعم به العبد من مال وعافية وهداية ونصرة " فَحَدِّثْ " أي اثْنِ على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة .
وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن .

ومن نعم الله على محمد صلى الله عليه وسلم ما أفاضه الله عليه والتي من جملتها النعم المعدودة الموجودة منها والموعودة والمعنى إنك كنت يتيماً وضالاً وعائلاً، فآواك الله تعالى وهداك وأغناك فلا تنسَ حقوق نعمة الله عليك في هذه الثلاث وأحسن كما أحسن الله إليك فتعطف على اليتيم وترحم السائل .

اللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمه التي لا تعد ولا تحصى بأقوالنا وأفعالنا.

تم تفسير سورة الضحى ولله الحمد والمنة.

26 - 4 - 1436هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر