الدرس 133 باب الخيار 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 8 شعبان 1438هـ | عدد الزيارات: 1292 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مما مضى عرفنا أن البيع من العقود اللازمة والعقود ثلاثة أقسام

الأول لازمة من الطرفين

الثاني جائزة منهما

الثالث لازمة من أحدهما دون الآخر

فاللازمة من الطرفين لا يمكن فسخها إلا برضاهما أو بسبب شرعي آخر مثل البيع والإجارة

والجائزة من الطرفين يجوز فسخها برضاهما أو بغير رضاهما كالوكالة

والجائزة من طرف واحد كالرهن فهو جائز من قبل المرتهن لازم من قبل الراهن لأن الراهن لا يمكنه أن يفسخ الرهن أما المرتهن فله أن يفسخه

مسألة ذكرها العلماء

إذا تولى واحد طرفي العقد فمتى يكون الخيار

مثاله وكلتك أن تشتري لي كتاباً ووكلك آخر أن تبيعه له فقلت اشتريت الكتاب من فلان لفلان فهنا تولى الوكيل طرفي العقد فإذا تولي طرفي العقد فيه الخيار ويكون المدار على مفارقة هذا الرجل للمكان الذي أمضى فيه البيع فإذا قال الوكيل اشتريت هذا الكتاب من فلان لفلان ثم قام ومشى فالآن لزم البيع

قوله (الثاني) أي من أقسام الخيار

قوله (أن يشترطاه في العقد)

قول المؤلف (في العقد) يقتضي أنه لا يصح شرطه قبل العقد

فلو اتفقا على الشرط قبل العقد ما صح لأنه إضافة شرط قبل وجود السبب والسبب هو العقد ولا خيار بدون عقد والشيء قبل وجود سببه ملغى ولا عبرة به

والصحيح أنه يصح قبل العقد لأن العقد مبني على اتفاق سابق وأنتم تجوزون في باب النكاح لو اشترط الزوج على الزوجة شرطاً أو الزوجة على الزوج شرطاً قبل العقد فإنه يصح وكذلك في شروط البيع السابقة إذا شرطت قبل العقد

قول المؤلف (مدة معلومة ولو طويلة) أي أنه لا بد أن تكون المدة معلومة بأن يقول إلى دخول شهر رمضان مثلاً أو سنة لو قال إلى وقت الحصاد والجذاذ فمذهب الإمام أحمد أنه لا يصح لأن الحصاد يختلف فمن الناس من يحصد مبكراً ومنهم من يحصد متأخراً وكذلك الجذاذ ـ جذاذ النخيل ـ يختلف فلا يصح لأنه غير معلوم

والصحيح أنه ما دمنا حددنا الشهر أو السنة أو الحصاد أو الجذاذ فلا إشكال في ذلك ولو كانت المدة طويلة لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أجاز للمتعاقدين إسقاط خيار المجلس وفي إسقاط خيار المجلس تنقيص للمدة التي يكون العقد فيها جائزاً ولا فرق بين الزيادة والنقص

قوله (وابتداؤها من العقد) أي ابتداء مدة الخيار من العقد لأنها شرطت في العقد

لكن لو شرط الخيار بعد العقد بساعة وهما في مكان البيع فتبتدئ المدة من حين الشرط لا من العقد كما قال المؤلف

قول المؤلف (وإذا مضت مدته) أي مدة خيار الشرط

قوله (أو قطعاه بطل) أي في أثناء المدة اتفقا على إلغاء الخيار فإن ذلك صحيح لأن الحق لهما مثل أن يقول اشتريت منك هذا الشيء ولي الخيار لمدة شهر وفي أثناء الشهر قالا نريد إلغاء هذا الشرط حتى يكون لنا التصرف الكامل فلا بأس

مثال آخر بعتُ هذا البيت على رجل بمائة ألف والخيار لمدة شهر وبعد مضي نصف الشهر جاء إلي المشتري وقال نريد أن نقطع الخيار حتى أتصرف بما شئت وأنت أيضاً تتصرف في الثمن فوافق البائع فإنه يكون ملغى ويبطل ووجه ذلك أن الحق لهما فإذا أسقطاه سقط ولا محذور في إسقاطه فإن مات أحدهما فإن الخيار يكون لورثته لأن المبيع انتقل بحقوقه إلى ورثته فيكون الخيار لهم

قوله (ويثبت في البيع والصلح بمعناه) سبق أن خيار المجلس يثبت في البيع ويثبت أيضاً في الصلح بمعناه وقد سبق أيضاً معنى الصلح بمعناه وهو الصلح على إقرار مثل أن يقر له بعين أو بدَين ثم يصالحه على بعضه أو على عين أخرى أو ما أشبه ذلك فهذا صلح بمعنى البيع

قوله (والإجارة في الذمة) الإجارة في الذمة مثل أن يؤجره على خياطة ثوب فيقول خط لي هذا الثوب بعشرة ريالات فهذه إجارة على عمل في الذمة فقال لي الخيار لمدة يومين فالشرط صحيح لأنه لا محظور فيه إذ أن هذه إجارة على عمل والعمل يثبت في الذمة

قوله (أو على مدة لا تلي العقد) إذا كان على مدة بأن قال أجرتك هذا البيت بعشرة آلاف ريال سنة من الآن فإن كانت تلي العقد فإن خيار الشرط فيها لا يصح وإن كانت لا تلي العقد فإنه يصح على قول المؤلف والصحيح أنه يصح ولو كانت تليه

مثال الإجارة على عمل قال آجرتك على أن تحمل لي الحطب إلى بيتي قال لا بأس وتم العقد على أن له الخيار لمدة يوم أو يومين فيصح الشرط لأنه على عمل وليس فيه ضرر ولا تفوت منفعة وليس فيها محظور إطلاقاً

مثال على المدة قال أجرتك هذا البيت لمدة سنة بعشرة آلاف ريال وابتداء المدة من العقد قال لا بأس لكن لي الخيار لمدة خمسة أيام فهذا لا يصح الشرط على قول المؤلف، والصحيح أنه يصح

مثال آخر قال أجرتك بيتي هذا لمدة سنة بعشرة آلاف ريال على أن تبتدئ المدة في أول يوم من رمضان والخيار بيننا إلى خمس وعشرين من شهر شعبان ونحن الآن في الليلة التاسعة فيجوز لأن ابتداء مدة الإيجار بعد انتهاء مدة خيار الشرط وليس فيها ضرر

ولا يصح خيار الشرط في إجارة تبتدئ من العقد لأن ذلك يؤدي إلى أحد أمرين إما تعطيل المنافع أو استيفاؤها في مدة الخيار وكلاهما لا يجوز والصحيح أنه يجوز اشتراط الخيار ولو على مدة تلي العقد ولو في خيار لا ينتهي إلا بعد بدء المدة

مثال ذلك قال أجرتك بيتي مدة سنة بعشرة آلاف ريال ابتداء من اليوم قال نعم لكن لي الخيار لمدة شهر فعلى كلام المؤلف وهو مذهب أحمد لا يصح لأن المدة تلي العقد وعلى القول الراجح يصح فالعقد تم وسكن المستأجر وبعد مضي عشرين يوماً فسخ الإجارة فنقول لا بأس وعليك أجرة المثل في المدة التي سكنتها فالآن لم يفت شيء لا على المستأجر ولا على المؤجر وإنما قلنا على المستأجر أجرة المثل وليس عليه القسط من الأجرة لأن العقد بعد فسخه رُفع من أصله وتبين أنه لا عقد والإنسان إذا استوفى منافع من غيره فعليه أجرة مثله وهذا القول هو الصحيح في هذه المسألة لأنه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ولا يضيع لأحدهما حقاً وكل منهما رضي بهذا الشرط لأنه في الحقيقة سوف يعطي صاحب البيت حقه وسوف يستوفي المستأجر حقه أيضاً فليس فيه غرر

وهذا قد تدعو الحاجة إليه فقد تدعو الحاجة إلى أن يستأجر هذا البيت لمدة سنة بكذا وكذا ويقول ولي الخيار لمدة شهر لأن بيتي الآن يعمر وربما ينتهي قبل الشهر فالصواب أنه يصح خيار الشرط ولو على مدة تلي العقد أو على مدة تبتدئ قبل انتهاء وقت خيار الشرط وإذا فسخ من له الخيار فإن المدة التي سكنها تقدر عليه بأجرة المثل

وسكت المؤلف عن أشياء مرت في خيار المجلس ولم يذكرها مثل الصرف فذكر أن خيار الشرط يثبت في البيع ولم يذكر أنه يثبت في الصرف لأنه يشترط في الصرف التقابض قبل التفرق لئلا يبقى لكل منهما علقة فيما تصرف فيه فشرط الخيار ينافي ذلك فلهذا لا يصح خيار الشرط فيما قبضه قبل التفرق شرط لصحته

ولكن الصحيح ثبوته في الصرف ونقول اقبضا قبل التفرق ويبقى بأيديكما على حسب ما اشترطتما فإما أن تمضيا البيع وإما أن تفسخاه لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم (المسلمون على شروطهم) علقه البخاري بصيغة الجزم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

08-08-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر