تفسير سورة ق

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 25 شعبان 1438هـ | عدد الزيارات: 1642 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة ق مكية وآياتها 45

هذه السورة هي أول حزب المفصل

وفي صحيح مسلم أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: ما كانَ يَقْرَأُ به رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في الأضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقالَ: كانَ يَقْرَأُ فِيهِما بـ {ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ}، وَ{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ}.

وروى الإمام مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن نعمان قالت : لقد كان تَنُّوُرنا وتَنُّورُرسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس .

والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد والجمع لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعاد والقيامة والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ( 1 ) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ( 3 ) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)

(ق) حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله (ص، ن، الم، حم، طس) ونحو ذلك قاله مجاهد وغيره .

يقسم تعالى بالقرآن المجيد أي الكريم العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، هذا القرآن، الذي قد احتوى على علوم الأولين والآخرين، الذي حوى من الفصاحة أكملها، ومن الألفاظ أجزلها، ومن المعاني أعمها وأحسنها، وهذا موجب لكمال اتباعه، وسرعة الانقياد له، وشكر الله على المنة به .

ولكن أكثر الناس، لا يقدر نعم الله قدرها، ولهذا قال تعالى ( بَلْ عَجِبُوا ) أي تعجب المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، ( أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ منهم ) أي من إرسال رسول إليهم من البشر ينذرهم ما يضرهم، ويأمرهم بما ينفعهم، وهو من جنسهم، يمكنهم التلقي عنه .

( فَقَالَ الْكَافِرُونَ ) الذين حملهم كفرهم وتكذيبهم

( هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ) أي مستغرب

ثم قال مخبراً عنهم في عجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه ( أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ) أي يقولون أءذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب (ذلك رجع بعيد) أي بعيد الوقوع ومعنى هذا أنهم يعتقدون استحالته وعدم امكانه قال الله تعالى راداً عليهم (قد علمنا من تنقص الأرض منهم) أي ما تأكل من أجسادهم في البلاء نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان؟ وأين ذهبت؟ وإلى أين صارت؟ (وعندنا كتاب حفيظ) أي حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة

ثم بين تعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال

بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ( 5 )

أي ( بَلْ ) كلامهم الذي صدر منهم، إنما هو عناد وتكذيب للحق الذي هو أعلى أنواع الصدق وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل ( لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ) المريج المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله فهم لا يثبتون على شيء، ولا يستقر لهم قرار، فتارة يقولون عنك إنك ساحر، وتارة مجنون، وتارة شاعر، كل قال فيه، ما اقتضاه رأيه الفاسد، وهكذا، كل من كذب بالحق، فإنه في أمر مختلط، لا يدرى له وجهة ولا قرار، فترى أموره متناقضة مؤتفكة كما أن من اتبع الحق وصدق به، قد استقام أمره، واعتدل سبيله، وصدق فعله .

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ( 6 ) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( 7 ) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ( 8 ) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ( 9 ) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ( 10 ) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ 11

يقول تعالى منبهاً للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ) مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، (وزيناها) مزينة بالمصابيح في غاية الحسن والملاحة، (وما لها من فروج) لا ترى فيها شقوق، ولا فتوق ولا صدوع قد جعلها الله سقفًا لأهل الأرض .

( والأرض مَدَدْنَاهَا ) وسعناها وفرشناها، حتى أمكن السكون فيها والاستقرار، (وألقينا فيها رواسي) أرساها بالجبال، لتستقر ولا تميل بأهلها وتضطرب ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) من جميع الزروع والثمار والنبات، التي تسر ناظرها، وتعجب مبصرها، وتقر عين رامقها وقوله (بهيج) أي حسن نضر ( تَبْصِرَةً ) أي ومشاهدة خلق السموات والأرض وما جعل فيهما من الآيات العظيمة تبصرة ودلالة، ( وَذِكْرَى ) يتذكر بها، ما ينفع في الدين والدنيا، ويتذكر بها ما أخبر الله به، وأخبرت به رسله، وليس ذلك لكل أحد، بل ( لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) إلى الله مقبل عليه بالحب والخوف والرجاء، وإجابة داعيه، وقوله تعالى (ونزلنا من السماء ماء مباركاً) أي نافعاً (فأنبتنا به جنات) أي حدائق من بساتين ونحوها (وحب الحصيد) وهو الزرع الذي يراد لحبه وادخاره (والنخل باسقات) أي طوالاً شاهقات (لها طلع نضيد) أي متراكب بعضه فوق بعض (رزقاً للعباد) أي للخلق ( وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ )وهي الأرض التي كانت هامدة فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسنها وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك كذلك يحي الله الموتى وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث .

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( 12 ) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ( 13 ) وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ( 14 ) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ( 15 )

يقول تعالى متهدداً لكفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من المكذبين قبلهم من النقمات والعذاب الأليم في الدنيا كقوم نوح وما عذبهم الله به من الغرق العام لجميع أهل الأرض وأصحاب الرس وهي بئر بأذربيجان كما قال ابن عباس رسوا فيها نبيهم أي دفنوه فيها كما قال عكرمة .

وثمود كذبوا صالحًا وعاد كذبوا « هودًا » وفرعون كذب موسى وإخوان لوط كذبوا « لوطًا » وأصحاب الأيكة كذبوا « شعيبًا » وقوم تُبع وهم سبأ حيث أهلكم الله وخرب بلادهم وشردهم في البلاد وفرقهم شذر مذر لإنكارهم للمعاد وكذلك هاهنا شبههم بأولئك وقد كانوا عرباً من قحطان كما أن هؤلاء عرب من عدنان وقد كانت حمير وهم سبأ كلما ملك فيهم رجل سموه تُبعا، كما يقال كسرى لمن ملك الفرس وقيصر لمن ملك الروم وفرعون لمن ملك مصر كافرا والنجاشي لمن ملك الحبشة وغير ذلك من أعلام الأجناس .

فهؤلاء كلهم كذبوا الرسل، الذين أرسلهم الله إليهم، فحق عليهم وعيد الله وعقوبته

ثم استدل تعالى بالخلق الأول - وهو المنشأ الأول - على الخلق الآخر، وهو النشأة الآخرة

فكما أنه الذي أوجدهم بعد العدم، كذلك يعيدهم بعد موتهم وصيرورتهم إلى الرفات والرَمم، فقال ( أَفَعَيِينَا ) أي أفعجزنا وضعفت قدرتنا ( بِالْخَلْقِ الأوَّلِ ) ؟ ليس الأمر كذلك، فلم نعجز ونعي عن ذلك، وليسوا في شك من ذلك، وإنما هم في لبس من خلق جديد هذا الذي شكوا فيه، والتبس عليهم أمره، مع أنه لا محل للبس فيه، لأن الإعادة، أهون من الابتداء .

وفي صحيح البخاري يقول الله تعالى " كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، وشَتَمَنِي، ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، فأمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَزَعَمَ أنِّي لا أقْدِرُ أنْ أُعِيدَهُ كما كانَ، وأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ، فَقَوْلُهُ لي ولَدٌ، فَسُبْحانِي أنْ أتَّخِذَ صاحِبَةً أوْ ولَدًا

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)

يخبر تعالى، أنه المتفرد بخلق جنس الإنسان، ذكورهم وإناثهم، وأنه يعلم أحواله، وما يسره، ويوسوس في صدره من خير وشر وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أوحدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم )، (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو العرق المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه، المطلع على ضميره وباطنه، القريب منه في جميع أحواله، فيستحي منه أن يراه، حيث نهاه، أو يفقده، حيث أمره، وكذلك ينبغي له أن يجعل الملائكة الكرام الكاتبين منه على بال، فيحذر أن يفعل أو يقول ما يكتب عنه، مما لا يرضي رب العالمين، ولهذا قال ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ أي يتلقيان عن العبد أعماله كلها، واحد عَنِ الْيَمِينِ يكتب الحسنات و الآخر (عن الشِّمَالِ ) يكتب السيئات، وكل منهما ( قَعِيدٌ ) بذلك متهيئ لعمله الذي أعد له، ملازم له .

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ) خير أو شر ( إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أي مراقب له، حاضر لحاله .

وقال ابن عباس (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقى سائره .

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُل نفس معها سائق وشهيد (21)لقد كنت في غفلة منهذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)

قوله : ( وَجَاءَتْ سكرة الموت بالحق ) أي شدة الموت وغمرته بالحق الذي لا مرد له ولا مناص (ذلك ماكنت منه تحيد ) أي تهرب وتروغ

( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ) أي نفخ في القرن نفخة البعث الثانية في ذلك اليوم الذي يلحق الظالمين ما وعدهم الله به من العقاب، والمؤمنين ما وعدهم به من الثواب .

( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ ) يسوقها إلى موقف القيامة، فلا يمكنها أن تتأخر عنه، ( وَشَهِيدٌ ) يشهد عليها بأعمالها، خيرها وشرها، وهذا يدل على اعتناء الله بالعباد، وحفظه لأعمالهم، ومجازاته لهم بالعدل، فهذا الأمر، مما يجب أن يجعله العبد منه على بال، ولكن أكثر الناس غافلون، ولهذا قال ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ) أي يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام، توبيخًا، ولومًا وتعنيفًا أي لقد كنت مكذبًا بهذا، تاركًا للعمل له فالآن ( كشفنا عَنْكَ غِطَاءَكَ ) الذي غطى قلبك، فكثر نومك، واستمر إعراضك فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي قوي لأن كل واحد يوم القيامة يكون مستبصراً حتى الكفار في الدنيا يكون يوم القيامة على الاستقامة لكن لا ينفعهم ذلك .

وهذا خطاب من الله للعبد، فإنه في الدنيا، في غفلة عما خلق له، لكنه يوم القيامة، ينتبه ويزول عنه وسنه، ولكنه في وقت لا يمكنه أن يتدارك الفارط، ولا يستدرك الفائت، وهذا كله تخويف من الله للعباد، وترهيب، بذكر ما يكون على المكذبين، في ذلك اليوم العظيم .

وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ( 23 ) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ( 24 ) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ( 25 ) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ( 26 ) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ( 27 ) قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ( 28 ) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ( 29 )

يقول تعالى ( وَقَالَ قَرِينُهُ ) أي قرين هذا المكذب المعرض، من الملائكة، الذين وكلهم الله على حفظه، وحفظ أعماله، فيحضره يوم القيامة ويحضر أعماله ويقول ( هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ) المخاطبة مع السائق والشهيد فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب فلما أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم وبئس المصير .

( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) أي كثير الكفر والتكذيب بالحق

( مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ) أي لا يؤدي ما عليه من حقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة

( مُعْتَدٍ ) أي فيما ينفقه ويصرفه ويتجاوز فيه الحد مُرِيبٍ أي شاك في أمره مريب لمن نظر في أمره ( الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) أي عبد معه غيره، ممن لا يملك لنفسه نفعًا، ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة، ولا نشورًا، فَأَلْقِيَاهُ أيها الملكان القرينان ( فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ) الذي هو معظمها وأشدها وأشنعها .

وقد ورد في الحديث عن الترمذي وصححه الألباني أن عنقاً من النار يبرز للخلائق فينادي بصوت يُسمع الخلائق إني وُكلت بثلاثة بكل جبار عنيد ومن جعل مع الله إلهاً آخر وبالمصورين ثم تنطوي عليهم .

وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يخرج عنق من النار يتكلم يقول وُكلت اليوم بثلاثة بكل جبار ومن جعل مع الله إلهاً آخر ومن قتل نفساً بغير نفس فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم . صححه الألباني

( قَالَ قَرِينُهُ ) هو الشيطان الذي وُكل به رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ أي يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول (ربنا ما أطغيته) أي ما أضللته (ولكن كان في ضلال بعيد) لم يكن لي عليه سلطان، ولا حجة ولا برهان، ولكن كان في ضلال بعيد، فهو الذي ضل وأبعد عن الحق باختياره .

( قال لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ) يقول الرب عز وجل للإنسي وقرينه من الجن وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق فيقول الإنسي يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ويقول الشيطان (ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد) أي عن منهج الحق فيقول الرب عز وجل لهما (لا تختصموا لدي) أي عندي ( وقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ) أي جاءتكم رسلي بالآيات البينات، والحجج الواضحات، والبراهين الساطعات، فقامت عليكم حجتي، وانقطعت حجتكم، وقدمتم علي بما أسلفتم من الأعمال التي وجب جزاؤها .

( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ) أي قد قضيت ما أنا قاض

( وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ) أي لست أعذب أحداً بذنب أحد فلا أعذب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه .

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ( 30 ) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ( 31 ) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ( 32 ) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ( 33 ) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ 34 لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ( 35 )

يقول تعالى، مخوفًا لعباده يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وذلك من كثرة ما ألقي فيها، ( وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) أي لا تزال تطلب الزيادة، من المجرمين العاصين، غضبًا لربها، وغيظًا على الكافرين

وقد وعدها الله ملأها، كما قال تعالى لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حتى يضع رب العزة فيها قدمه الكريمة المنزهة عن التشبيه، فينزوي بعضها على بعض، وتقول قط قط، قد اكتفيت وامتلأت .

روى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يلقى في النار وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فتقول قط قط " .

وروى البخاري عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم قال الله عز وجل للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحد منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا " .

( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ للمتقين ) أي أدنيت وقربت، وإنما قربت لأجل المتقين لربهم، التاركين للشرك، صغيره وكبيره ، الممتثلين لأوامر ربهم، المنقادين له (غير بعيد) وذلك يوم القيامة وليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب، ويقال لهم على وجه التهنئة ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ) أي هذه الجنة وما فيها، مما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، هي لكل أواب أي رجاع إلى الله تائب مقلع .

( حَفِيظٍ ) أي يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه

( مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ ) أي خافه على وجه المعرفة بربه، والرجاء لرحمته ولازم على خشية الله (بالغيب) أي من يخاف الله في سره حيث لا يراه أحد إلا الله كقوله صلى الله عليه وسلم (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) رواه البخاري، وهذه هي الخشية الحقيقية، وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم، فقد تكون رياء وسمعة، فلا تدل على الخشية، وإنما الخشية النافعة، خشية الله في الغيب والشهادة .

( وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) أي ولقي الله يوم القيامة بقلب سليم منيب إليه خاضع لديه، ويقال لهؤلاء الأتقياء الأبرار ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ) أي دخولا مقرونًا بالسلامة من العذاب، فلا انقطاع لنعيمهم، ولا كدر ولا تنغيص، ( ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ) الذي لا زوال له ولا موت، ولا شيء من المكدرات .

( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ) أي مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملاذ طلبوا احضر لهم،.

وقوله (ولدينا مَزِيدٌ) وهو النظر إلى وجهه الكريم .

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ( 36 ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ( 37 )

يقول تعالى مخوفًا للمشركين المكذبين للرسول (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي أمما كثيرة هم أشد من هؤلاء بطشًا أي قوة وآثارًا في الأرض .

ولهذا قال ( فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) أي بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة، وغرسوا الأشجار، وأجروا الأنهار، وزرعوا، وعمروا، ودمروا، فلما كذبوا رسل الله، وجحدوا آيات الله، أخذهم الله بالعقاب الأليم، والعذاب الشديد، فـ ( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) أي لا مفر لهم من عذاب الله، حين نزل بهم، ولا منقذ، فلم تغن عنهم قوتهم، ولا أموالهم، ولا أولادهم .

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى) إن في هلاك القرون الماضية لعبرة (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) أي قلب عظيم حي، ذكي، زكي، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله، تذكر بها، وانتفع، فارتفع (أو ألقى السمع) وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها، استماعًا يسترشد به، (وهو شَهِيدٌ) أي حاضر، فهذا له أيضا ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى .

وأما المعرض، الذي لم يلق سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئًا، لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته .

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ( 38 ) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ( 39 ) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ( 40 )

وهذا إخبار منه تعالى عن قدرته العظيمة، ومشيئته النافذة، التي أوجد بها أعظم المخلوقات ( السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) وقد روى مسلم في صحيحه

خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَومَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَومَ الأحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَومَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَومَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَومَ الأرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَومَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عليه السَّلَامُ العَصْرِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ، في آخِرِ الخَلْقِ، في آخِرِ سَاعَةٍ مِن سَاعَاتِ الجُمُعَةِ، فِيما بيْنَ العَصْرِ إلى اللَّيْلِ.

قال قتادة: قالت اليهود عليهم لعائن الله خلق الله السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت وهم يسمونه الراحة فأنزل الله تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه (وما مسنا من لغوب) من غير تعب، ولا نصب، ولا لغوب، ولا إعياء، فالذي أوجدها - على كبرها وعظمتها- قادر على إحياء الموتى، من باب أولى وأحرى .

( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) من الذم لك والتكذيب بما جئت به (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) كانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر وقيام الليل كان واجباً علي النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولاً ثم نسخ في حق الأمة وجوبه ثم بعد ذلك نسخ الله ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات ولكن منهن صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب .

وقوله (ومن الليل فسبحه) أي فصل له (وأدبار السجود) : هو التسبيح بعد الصلاة ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: جاء الفقراء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضلٌ من أموال يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون، قال:" ألا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدركم أحدٌ بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم، إلا من عمل مثله، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين "

وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ( 41 ) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ( 42 ) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ( 43 ) يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ( 44 ) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ( 45 )

أي ( وَاسْتَمِعْ ) بقلبك نداء المنادي وهو إسرافيل عليه السلام، حين ينفخ في الصور النفخة الثانية ( مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ) من الخلق .

( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ ) أي كل الخلائق يسمعون تلك الصيحة المهولة ( بالحق ) الذي لا شك فيه ولا امتراء .

( ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) من القبور، الذي انفرد به القادر على كل شيء، ولهذا قال ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ ) أي عن الأموات .

( سِرَاعًا ) أي يسرعون لإجابة الداعي لهم، إلى موقف القيامة، ( ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ) أي هين على الله يسير لا تعب فيه ولا كلفة .

( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ) نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) أي مسلط عليهم ، ولهذا قال (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) والتذكير، هو تذكير ما تقرر في العقول والفطر، من محبة الخير وإيثاره، وفعله، ومن بغض الشر ومجانبته، وإنما يتذكر بالتذكير، من يخاف وعيد الله، وأما من لم يخف الوعيد، ولم يؤمن به، فهذا فائدة تذكيره، إقامة الحجة عليه، لئلا يقول مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ .

تم تفسير سورة ق ولله الحمد والفضل والمنة

25 - 8 - 1438هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر