الدرس 136: خيار التدليس

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 شعبان 1438هـ | عدد الزيارات: 3016 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

القسم الرابع من أقسام الخيار خيار التدليس

التدليس مأخوذ من الدُلسة وهي الظلمة ومعناه خيار الإخفاء لأن الذي يخفي الشيء مدلس

وله صورتان

الأولى أن يظهر الشيء على وجه أكمل مما كان عليه

الثانية أن يظهر الشيء على وجه كامل وفيه عيب

والفرق بينهما ظاهر فالأولى ليس في المبيع عيب ولكنه يظهره على وجه أجود وأكمل وفي الثانية فيه شيء ولكنه أخفاه وأظهره على وجه سليم

إذاً التدليس مأخوذ من الدُلسة وهي الظلمة فيثبت بما يزيد به الثمن

أمثلة التدليس فعل الصحابي عفا الله عنه حين وضع الطعام السليم فوق الطعام الذي أصابته السماء والحديث صحيح وقد أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعله هذا

ومنه أن يكون عند الإنسان بيت قديم فيليسه حتى يظهره وكأنه جديد والمخرج من ذلك أن يخبر المشتري بما فعل

ومنه أن يكون عنده سيارة مخدشة فيضربها صبغاً حتى يظن الظان أنه ليس فيها شيء والواجب عليه أن يخبر المشتري بذلك لأن الصبغة الجديدة عمرها أقل من القديمة لأنها تكون فوق القديمة فتتساقط بعد فترة

قوله (كتسويد شعر الجارية) أي عند بيعها بأن يكون عنده جارية يريد أن يبيعها وشعرها أبيض إما لآفة أو كبر فيسوده ليظن الظان أنها شابة صغيرة فهذا حرام وفيه الخيار

قوله (وتجعيده) أي جعله جعداً بأن يدهنه بدهن يجعله مموجاً لأنه إذا ظهر مجعداً دل ذلك على أنه قوي وضده السَّبِط اللين الذي لا يكون له تجعيد والأول أرغب عند الناس فإذا كان الشعر قوياً متجعداً فهو أرغب من أن يكون ليناً سهلاً مسترسلاً فهذا الرجل لما أراد أن يبيع الجارية جعد رأسها من أجل أن يزيد الثمن وهذا حرام لأنه غش

قوله (وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها) للبيع

هذان شيئان لكنهما شيء واحد في الواقع وذلك بأن يجمع ماء الرحى ثم يرسله عند عرضها للبيع

إذ هناك أرحية تدور على حسب جريان الماء فيجعل صاحب الرحى سداً ينحبس به الماء فإذا أراد بيعها فتح هذا السد ثم اندفع الماء بشدة وسرعة فتدور الرحى دوراناً سريعاً فيظن المشتري أن هذا هو وصفها وأنها جيدة وأن الماء يندفع بسرعة فيزيد الثمن فهذا من التدليس لأنه أظهر المبيع بمظهر مرغوب فيه وهو خال منه

وقد يقول قائل كيف يكون للرحى ماء وهي ستطحن الدقيق وهذا يقتضي أن يكون الدقيق عجيناً

نقول تجعل بكرة لها ريش يضرب فيها الماء فتدور وفي هذه البكرة سير متصل بالرحى البعيدة عن الماء وهذا السير هو الذي يدير هذه الرحى البعيدة فيظن الظان أن هذا هو ماؤها وأن هذه قوتها فيزيد في ثمنها

ومن الأمثلة أيضاً على التدليس

تصرية اللبن في ضرع بهيمة الأنعام أي جمع اللبن في ضرع البهيمة وهو محرم فإنه إذا جلبها في السوق ورآها المشتري ظن أن هذه عادتها وأن لبنها كثير فيزيد في ثمنها فإذا وقع هذا التدليس من البائع فإن هذه التصرية حرام فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر) رواه البخاري ومسلم

وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (هو بالخيار ثلاثة أيام) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسك وإن شاء رد وجعل الثلاثة لأجل أن يستقر اللبن لأنه ربما يستقر على هذه الكثرة فإن شاء أمسكها بلا أرش وإن شاء ردها مع صاع من تمر عوض عن اللبن الموجود حين العقد لأنه ملك للبائع أما اللبن الذي حدث بعد العقد فهو ملك للمشتري لأن نماء المبيع المنفصل للمشتري

وقدر النبي صلى الله عليه وسلم اللبن الذي بالضرع حين الشراء بصاع من تمر قطعاً للنزاع وقومه للأمة إلى يوم القيامة

وحدده صلى الله عليه وسلم بالتمر لأنه أقرب ما يكون شبهاً إلى اللبن ففي اللبن حلاوة وغذاء والتمر كذلك

وإذا فقد التمر فما يقوم مقامه يجزئ عنه

ولو أراد المشتري أن يرد اللبن الذي حلبه وقال للبائع أنا حلبت صاعاً من اللبن أو نصف صاع من اللبن وهو موجود الآن أرده عليك بعينه

فلا يجبر البائع على قبول اللبن لأنه باع اللبن متصلاً بالبهيمة وفصله المشتري فكان عرضة للحموضة والفساد والتمر جنس عينه الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نتعداه ويكفينا إتباع السنة
كما أن البائع لو أراد الحليب فقال أعطني الحليب الذي حلبته وهو عندك الآن لم تشربه ولم تتصرف فيه وقال المشتري أبداً أعطيك صاعاً من التمر فعلى البائع قبول قول المشتري

والخلاصة أن كل من طلب ما قدره النبي صلى الله عليه وسلم وعينه فهو المقبول

القسم الخامس من أقسام الخيار خيار العيب

وخيار مضاف والعيب مضاف إليه وهو من باب إضافة الشيء إلى سببه أي الخيار الذي سببه العيب

والعيب ضد السلامة فيقال هذا معيب وهذا سليم

والفرق بين خيار العيب وخيار التدليس أن العيب فوات كمال أما التدليس فهو إظهار محاسن والمبيع خالٍ منها

قول المؤلف (وهو ما يُنقص قيمة المبيع) فإذا كان هذا المبيع لولا هذا العيب لكان يساوي ألفاً وبالعيب يساوي ثمانمائة فهنا نقص قيمة المبيع

قال (ما يُنقص) وكلمة ما اسم موصول تفيد العموم

فقوله (ما يُنقص قيمة المبيع) هذا هو الضابط وما بعده فأمثلة

قوله (كمرضه) ولو كان المرض يسيراً لأنه من الجائز أن يتطور هذا المرض حتى يتدهور فإذا وجد في المبيع مرض ولو يسيراً حتى وإن كان لا ينقص القيمة إلا شيئاً يسيراً فله الخيار

قوله (وفقد عضو) مثل إن وجد أحد أصابعه مقطوعاً فهذا فقد عضو وظاهر كلامه رحمه الله ولو كان خَصاءً فإذا اشتراه على أنه فحل فتبين أنه خصي فهذا عيب لأنه فقد عضو حتى وإن زادت القيمة أما في الرقيق فالخصي أرغب عند الناس من الفحل لأنه أقل فتنة وشراً

وأما في البهائم فقد يكون الخصي أرفع قيمة من الفحل وقد يكون الفحل أرفع قيمة من الخصي فقد يشتري هذا الذكر من الضأن على أنه فحل من أجل أن يُنزيه على الشياه فإذا كان خصياً لم ينفع فتنقص قيمته وقد يشتريه للأكل على أنه فحل فيتبين أنه خصي والخصي في الأكل أرغب عند الناس من الفحل لأنه أطيب لحماً وأكثر قيمة وعلى كل حال الخصاء الصحيح أنه ليس بعيب مطلقاً وليس سلامة مطلقاً بل على حسب مقاصد المشترين إذا قصدوا فحلاً فتبين خصياً فهو عيب وإن كان الأمر بالعكس فليس بعيب

فإذا قال مشتري الرقيق أنا أريد أن يكون فحلاً لعله في يوم من الأيام يتزوج ويأتيه أولاد نقول وإذا تزوج وأتاه أولاد ما فائدتك منه لأنه إن تزوج بحرة فأولادها أحرار وإن تزوج بمملوكة فأولادها لسيدها فلن تستفيد من ذلك شيئاً

والخلاصة أن فقد عضو عيب إلا في الخصاء ففيه التفصيل السابق

قوله (أو سن) السن ليس عضو لأنه في حكم المنفصل سواء كان من الأسنان أو من الأضراس فإذا وجد في المبيع أنه فقد سناً واحداً أو أكثر فإنه عيب ولو أنه جعل بدل السن تركيبة فإنه عيب لأن المركب ليس كالأصلي

قوله (أو زيادتهما) فزيادة العضو عيب وزيادة السن عيب أيضاً لأن ذلك ينقص القيمة حتى وإن كان له يدان متساويتان من المرفق

وبناء على تقدم الطب يجوز قطع الإصبع الزائد لأن هذا إزالة عيب وليس من باب التجميل

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

28-08-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي