تفسير سورة الحجرات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 4 شهر رمضان 1438هـ | عدد الزيارات: 1454 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة الحجرات مدنية وآياتها 18

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 1 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ( 2 ) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ( 3 )

هذه آداب ، أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام، فقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) ، أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور .

قال ابن عباس ( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .

( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) أي فيما أمركم به، ( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ) أي لأقوالكم ( عَلِيمٌ ) بنياتكم .

وقوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) هذا أدب ثان أدب الله به المؤمنين ألا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته وقد روي أنها نـزلت في الشيخين أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما .

روى البخاري عن ابن أبي مُلَيْكَة قال : كاد الخيِّران أن يهلكا، أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر - قال نافع لا أحفظ اسمه- فقال أبو بكر لعمرما أردت إلا خلافي قال ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنـزل الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) الآية، قال ابن الزبير : فما كان عمر يُسمعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر رضي الله عنه .

وروى مسلم عن أنس بن مالك قال لما نـزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) إلى آخر الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته، قال أنا من أهل النار واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أشتكى؟ فقال سعد إنه لجاري، وما علمت له بشكوى قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت أُنـزلَت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل، هو من أهل الجنة .

وقد روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كُنْتُ قَائِمًا في المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بهِمَا، قَالَ: مَن أنْتُما - أوْ مِن أيْنَ أنْتُمَا؟ - قَالَا: مِن أهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لو كُنْتُما مِن أهْلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أصْوَاتَكُما في مَسْجِدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

وقال العلماء يكره رفع الصوت عند قبره، كما كان يكره في حياته؛ لأنه محترم حيا وفي قبره، صلوات الله وسلامه عليه ، دائما ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم؛ ولهذا قال ( وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) .

وقوله ( أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب الله لغضبه، فيحبط الله عمل من أغضبه وهو لا يدري، كما جاء في البخاري إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بَالا يرفعه بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلقي لها بالا يَهْوِي بها في نار جهنم .

ثم ندب الله عز وجل ، إلى خفض الصوت عنده، وحَثّ على ذلك، وأرشد إليه، ورغَّب فيه، فقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) أي أخلصها وجعلها أهلا ومحلا (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) ثواب جزيل .

إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ 4

ثم إنه تعالى ذَمّ الذين ينادونه من وراء الحجرات، وهي بيوت نسائه بصوت مرتفع ، كما يصنع أجلاف الأعراب، فقال ( أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ليس لهم من العقل ما يحملهم على حسن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره.

وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)

ثم أرشد إلى الأدب في ذلك فقال ( وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ) أي لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والآخرة .

ثم قال داعيا لهم إلى التوبة والإنابة (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ( 6 ) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ( 7 ) فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 8

يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاطَ له، لئلا يحكم بقوله فيكون - في نفس الأمر- كاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر، لأننا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق .

وقوله ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ) أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظِّموه ووقروه، وتأدبوا معه، وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم، وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتمّ من رأيكم لأنفسكم

ثم بَيَّن تعالى أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال ( لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ ) أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحَرَجكم .

وقوله ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) أي حببه إلى نفوسكم وحسنه في قلوبكم .

( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) أي وبغض إليكم الكفر والفسوق، وهي الذنوب الكبار والعصيان وهي جميع المعاصي وهذا تدريج لكمال النعمة .

وقوله ( أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) أي المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون، الذين قد آتاهم الله رشدهم

روى الإمام أحمد عن ابن رِفاعة الزُرقي، عن أبيه قال لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استووا حتى أثني على ربي، عز وجل فصاروا خلفه صفوفًا، فقال اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مُضل لمن هديت ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك اللهم، إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول اللهم إني أسألك النعيم يوم العَيْلَة، والأمن يوم الخوف اللهم إنى عائذ بك من شر ما أعطيتنا، ومن شر ما منعتنا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين اللهم، توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين اللهم، قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب، إله الحق. صححه أحمد شاكر

ثم قال ( فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ) أي هذا العطاء الذي منحكموه هو فضل منه عليكم ونعمة من لدنه، ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) أي عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية، حكيم في أقواله وأفعاله، وشرعه وقدره .

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( 9 ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 10

يقول تعالى آمرًا بالإصلاح بين المسلمين الباغين بعضهم على بعض ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) ، فسماهم مؤمنين مع الاقتتال وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم وهكذا ثبت في صحيح البخاري عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي، فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كما قال، صلوات الله وسلامه عليه، أصلح الله به بين أهل الشام وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة .

وقوله ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) أي حتى ترجع إلى أمر الله وتسمع للحق وتطيعه، كما ثبت في صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " انصر أخاك ظالما أو مظلوما قلت يا رسول الله، هذه نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره " .

وقوله: (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي:اعدلوا بينهما فيما كان أصاب بعضهم لبعض، بالقسط، وهو العدل، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) .

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما ولوا.» رواه مسلم

وقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) أي:الجميع إخوة في الدين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه » أخرجه البخاري ومسلم ، وفي صحيح مسلم: « والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » وفي سنن أبي داود وصححه الألباني: «إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك:آمين، ولك بمثله» ، وفي صحيح مسلم أيضاً: « مثل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى » وفي صحيح البخاري: « المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا "وشبَّك بين أصابعه

وقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) يعني:الفئتين المقتتلتين، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي:في جميع أموركم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)

ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الكِبْر بطر الحق وغمط الناس » والمراد من ذلك:احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له؛ ولهذا قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء .

وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي:لا يطعن بعضكم على بعض والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، ولهذا قال: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) .

وقوله: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) أي:لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها

روى الإمام أحمد عن أبي جَبِيرة بن الضحاك قال:فينا نـزلت في بني سلمة:(وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) قال:قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دُعِيَ أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا:يا رسول الله، إنه يغضب من هذا فنـزلت: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح

وقوله: (بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ) أي:بئس الصفة والاسم الفسوق وهو:التنابز بالألقاب، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون، بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه، (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) أي:من هذا (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)

يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا .

وروى مالك عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا » رواه مسلم

وقوله : (وَلا تَجَسَّسُوا) أي:على بعضكم بعضا والتجسس غالبا يطلق في الشر، ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير.

وقوله: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فيه نهي عن الغيبة، وقد فسرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال : :أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ قيلَ أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ "

والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنصيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم ، فيما روته أم المؤمنين عائشة ،رضى الله عنها ، لما استأذن رجل فاجرعلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» أخرجه البخاري، وكقوله لفاطمة بنت قيس حين خطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد : « أما معاوية فرجل ترب ، وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء ، ولكن أسامة بن زيد » أخرجه مسلم ، وكذا ما جرى مجرى ذلك ثم بقيتها على التحريم الشديد، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ؛ ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت، كما قال تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) أي:كما تكرهون هذا طبعا، فاكرهوا ذاك شرعا؛ فإن عقوبته أشد من هذا وهذا من التنفير عنها والتحذير منها، كما قال، عليه الصلاة والسلام، في العائد في هبته: «ليسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ، الذي يَعُودُ في هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَرْجِعُ في قَيْئِهِ " أخرجه البخاري ، وثبت في صحيح مسلم أنه قال في خطبة حجة الوداع: « إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا »

وقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي:فيما أمركم به ونهاكم عنه، فراقبوه في ذلك واخشوا منه، (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) أي:تواب على من تاب إليه، رحيم بمن رجع إليه، واعتمد عليه .

قال الجمهور من العلماء:طريق المغتاب للناس في توبته أن يُقلع عن ذلك، ويعزم على ألا يعود ولا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه، فطريقه إذًا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته، فتكون تلك بتلك، كما روى الإمام أحمد عن معاذ بن أنس الجُهَنِيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من حمى مؤمنا من منافق يعيبه ، بعث الله إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد شينه، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال » صححه الألباني

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)

يقول تعالى مخبرًا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة، وجعل منها زوجها، وهما آدم وحواء، وجعلهم شعوبا، وهي أعم من القبائل، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك .

فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضًا، منبها على تساويهم في البشرية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) أي:ليحصل التعارف بينهم، كلٌ يرجع إلى قبيلته .

وقوله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) أي:إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

روى البخاري عن أبي هريرة قال:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:من أكرم الناس ؟ قال: « أتقاهم» قالوا:ليس عن هذا نسألك قال: « فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله » قالوا:ليس عن هذا نسألك قال: « فعن معادن العرب تسألوني؟ الناس معادن ، خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقِهُوا"

وروى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) أي:عليم بكم، خبير بأموركم، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، ويفضل من يشاء على من يشاء، وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله

قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)

يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد: (قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) وقد استفيد من هذه الآية الكريمة:أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل، عليه السلام، حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقى من الأعم إلى الأخص، ثم للأخص منه .

روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص قال:أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْطَى رَهْطًا وسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا هو أعْجَبُهُمْ إلَيَّ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ ما لكَ عن فُلَانٍ فَوَاللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقالَ: أوْ مُسْلِمًا فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعْلَمُ منه، فَعُدْتُ لِمَقالتِي، فَقُلتُ: ما لكَ عن فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقالَ: أوْ مُسْلِمًا. ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعْلَمُ منه فَعُدْتُ لِمَقالتِي، وعَادَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قالَ: يا سَعْدُ إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وغَيْرُهُ أحَبُّ إلَيَّ منه، خَشْيَةَ أنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ في النَّارِ.» أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري

فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلم والمؤمن، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام ودل ذلك أيضاَ على أن ذاك الرجل كان مسلما وليس منافقًا؛ لأنه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك .

وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا، كما ذكر المنافقون في سورة براءة وإنما قيل لهؤلاء تأديبًا: (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي:لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد .

ثم قال: (وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ) أي:لا ينقصكم من أجوركم شيئا .

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي:لمن تاب إليه وأناب

وقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) أي:إنما المؤمنون الكُمَّل (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) أي:لم يشكوا ولا تزلزلوا، بل ثبتوا على حال واحدة، وهي التصديق المحض، (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي:وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه، (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي:في قولهم إذا قالوا: « إنهم مؤمنون » ، لا كبعض الأعراب الذين ليس معهم من الدين إلا الكلمة الظاهرة .

وقوله: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) أي:أتخبرونه بما في ضمائركم، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) أي:لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .

ثم قال تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) ، يعني:الأعراب الذين يمنون بإسلامهم، يقول الله ردًا عليهم: (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) ، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم، ولله المنة عليكم فيه، (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي:في دعواكم ذلك.

ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، وبصره بأعمال المخلوقات فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) أي الأمور الخفية فيها التي تخفى على الخلق كالذي في لُجج البحار وما جنه الليل أو واراه النهار .

يعلم قطرات الأمطار وحبات الرمال ومكنونات الصدور وخبايا الأمور (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) يحصي عليكم أعمالكم ويوفيكم إياها، ويجازيكم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة وحكمته البالغة .

تم تفسير سورة الحجرات ولله الحمد والمنة

1 - 9 - 1438هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر