الدرس 152: باب بيع الأصول والثمار 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 19 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1517 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

من باع نخلاً تشقق طلعه فلبائع مبقى إلى الجذاذ إلا أن يشترطه مشتر

هذا بيع النخل وليس بيع الأرض، فإذا باع نخلاً أي: النخلة نفسها تشقق طلعها يعني انفرج؛ وذلك لأن النخلة أول ما تظهر ثمرتها تكون مغطاة بالكُفُورَّى ، ثم إذا نمى هذا العذق، داخله انشق وانفرج، فإذا باع نخلاً تشقق طلعه، فالطلع هنا يكون للبائع إلا إذا اشترطه المبتاع، وإن لم يتشقق فهو للمشتري؛ لأنه تبع للنخلة، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) متفق عليه، غير أن الدليل غير مطابق للمدلول، لأن المؤلف رحمه الله علق الحكم بالتشقق سواء أبَّره البائع أم لا

والتأبير التلقيح، وهو أن يؤخذ من طلع الفحل لقاح يوضع في طلع النخلة، فإذا وضع صلحت الثمرة وإن لم يوضع فسدت

لكن الحديث قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (من باع نخلاً بعد أن تؤبر) فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على ما حكم به المؤلف رحمه الله والصواب أن الحكم معلق بالتأبير لما يلي

أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم علقه به، وليس لنا أن نتجاوز ما حده الرسول صلى الله عليه وسلم

ثانياً: أن البائع إذا أبره فقد عمل فيه عملاً يصلحه وتعلقت نفسه به، بخلاف ما إذا لم يؤبره فإنه لم يصنع شيئاً فيه

وعلى هذا فإنه إذا باع نخلاً تشقق طلعه قبل أن يؤبره فالثمر للمشتري، وإن أبره فهو للبائع

وقوله (إلا أن يشترطه مشتر) فإن اشترطه المشتري يكون له، والدليل على ذلك

أولاً: عموم قول الله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) المائدة: 1

ثانياً: قول الله تبارك وتعالى (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) الإسراء: 34، والشرط الذي التزمه الإنسان هو عهد على نفسه

ثالثاً: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح

وهذا لا يحرم حلالاً ولا يحلل حراماً

والأولى أن يشترط المشتري أن تكون الثمرة له؛ ليسلم من تردد البائع على الثمرة

قوله (وكذلك شجر العنب والتوت والرمان وغيره) يعني: وشجر غيره

قوله (وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح، وما خرج من أكمامه كالورد والقطن)

كل هذا يكون للبائع، إذا كان قد ظهر؛ لأنه يشبه النخل المؤبر على القول الراجح

قوله (وما قبل ذلك والورق فلمشتر) ما كان قبل التشقق أو قبل التأبير، وكذلك ما ظهر من العنب وما ظهر من نوره، أي: الزهر، وما أشبه ذلك، فإنه للمشتري على القول الراجح

قوله (ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه) أي ثمرٍ لا يباع حتى يصلح، فلنمثل بالنخل: فلا يجوز أن تبيع ثمرة النخلة حتى يبدو صلاحها، ويجوز أن تبيع النخلة قبل بدو صلاح ثمرها

كلامه الأخير في الثمر أنه لا يجوز أن يباع قبل بدو صلاحه، وصلاحه أن يحمر أو يصفر، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري) أخرجه البخاري ومسلم

وسئل أنس رضي الله عنه: ما بدو الصلاح، قال: أن تحمارَّ أو تصفارَّ) وهذا دليل أثري، وهناك دليل نظري، وهو أنها إذا بيعت قبل بدو صلاحها فإنها لا تصلح للأكل وتكون عرضة للآفات والفساد، وإذا حصل هذا صار نزاع بين البائع والمشتري، والشريعة تقطع كل شيء يكون سبباً للنزاع والبغضاء والفرقة

فلو أن إنساناً باع ثمرة نخلة خضراء ليس فيها تلوين فالبيع فاسد؛ لأن النهي وقع على عقد البيع، وكل نهي وقع على عمل سواء كان عبادة أو معاملة فإنه يقتضي الفساد، ففي هذه الحال البيع فاسد، والثمر للبائع، والثمن للمشتري

مسألة: إن بدا في النخلة صلاح حبة واحدة فهل يجوز البيع

الجواب: نعم يجوز؛ لأنه بدا الصلاح، ويجوز أخذ الحبة التي بدا صلاحها، والبيع بعد أخذها وكذلك يجوز البيع بعد أخذ الملونة

مسألة: إذا بدا صلاح ثمرة النخلة فبيعت. فهل تباع جارتها التي لم يبد صلاحها من نوعها

الجواب: إن باع هذه النخلة التي بدا صلاحها على فلان، ثم باع جارتها عليه أو على غيره بعقد آخر جديد فهذا لا يجوز؛ لأن العقد عقدان في هذه الصورة، أما لو باعهما جميعاً وهما من نوع واحد فالبيع صحيح

وإذا كانت من نوع آخر فالبيع غير صحيح، فمثلاً عندنا نخل خلاص وإلى جانبه سلاطين، فباع خلاصة بدا صلاحها وسلطانة لم يبد صلاحها فهذا لا يجوز؛ لأنهما نوعان مختلفان، فإذا باع خلاصة بدا صلاحها وخلاصة أخرى لم يبد صلاحها صفقة واحدة فهذا يجوز؛ لأنهما من نوع واحد فكأنهما نخلة واحدة

وقوله (ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه) لا نافية، والنفي هنا للتحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري. أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما

قوله (ولا زرع قبل اشتداد حبه) الزرع يشترى لأجل الحب الذي في السنبل، والحب الذي في السنبل يكون ليناً، حتى يتم نموه وحينئذ يشتد ويقوى، ويكون جوف الحبة من السنبلة أبيض، فلا يباع الزرع قبل أن يشتد حبه؛ لأنه ربما يحصل فيه الفساد؛ لأن المشتري سوف يبقيه حتى ينضج ويصلح للأكل، فربما يعتريه الفساد في أوان نموه، وحينئذ يقع النزاع والخصومة، وربما يُقصر البائع في سقيه فيحصل نزاع بينه وبين المشتري، فقطعاً لهذا النزاع نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه. أخرجه البخاري ومسلم

قوله (ولا يباع زرع قبل اشتداد حبه) هذا ما لم يُبع للعلف، فإن بيع للعلف فإنه لا يشترط أن يشتد حبه، بل مجرد ما يبلغ الحصاد يباع

قوله (ولا رطبة وبقل ولا قثاء ونحوه كباذنجان دون الأصل إلا بشرط القطع في الحال) أي: لا تباع الرطبة وهي المعروفة عندنا بالبرسيم دون أصله إلا بشرط القطع في الحال؛ لأنه لو بيع دون أصله بدون شرط القطع في الحال، فإنه إذا تأخر سوف ينمو، وهذا النماء الذي حصل بعد بيعه يكون للبائع وهو مجهول، فيؤدي إلى أن تكون الصفقة مجهولة؛ لأننا لا ندري مقدار نموه فيما بين البيع وجذه؛ ولهذا لا يباع البرسيم إلا أن يشترط على المشتري أن يقطعه في الحال، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله

ولكن الصحيح أنه لا يشترط ذلك، إذا كان قطعه في وقت يقطع مثله؛ لأن تأخير الحصاد لمدة يوم أو يومين أو أسبوع عند الناس لا يعتبر جهالة ولا يوجب نزاعاً، والأصل في البيع الحل والصحة حتى يقوم دليل على المنع، وهذا هو الذي عليه العمل

والناس اليوم إذا تم تنامي الرطبة يعني البرسيم باعوها، مع أنه ربما يتأخر الحصاد إلى أسبوع، إذ قد يتعذر حصادها في يوم أو يومين لسعة الأرض المزروعة

وقوله (ونحوه كباذنجان دون الأصل) خرج به ما لو باعه مع أصله فإن البيع صحيح، إذا باع البقول مثل الفاصوليا و البازلاء والحمص والعدس وما أشبه ذلك، مع الأصل فهو جائز، فلو أن إنساناً عنده أرض كلها بطيخ، فجاء إنسان يريد أن يشتري هذا البطيخ، واشتراه بأصله كان ذلك جائزاً، وما نما بعد البيع فهو للمشتري؛ لأن الفرع يتبع الأصل ولا عكس

وقوله (إلا بشرط القطع في الحال) فإذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها واشترط المشتري أن يجزها في الحال، كان ذلك جائزاً؛ لأن المشتري لا يريد أن يبقيها حتى يبدو صلاحها، ولكن يشترط في هذه الحال أن تكون الثمرة مما ينتفع به إذا قطعت في الحال، وإلا فالبيع فاسد مثل الثمر الأخضر من النخلة يقطع في الحال للبهائم أو للطيور، أو يجرى عليه التجارب، أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز

اللهم الهمنا الصواب في أقوالنا وأفعالنا وأن تكون خالصة صواباً

ووفقنا للعمل بما يرضيك وبارك لنا في أوقاتنا وسددنا وأعنا

ووفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضى واحفظهم بحفظك واحفظ لنا بلادنا ومقدساتنا واصرف عنا كيد الكائدين وحسد الحاسدين

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

19-02-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة