الدرس 171: باب الحوَالة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 13 رجب 1439هـ | عدد الزيارات: 1528 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

قوله باب الحوَالة :الحوالة معناها التحول أي تحول الحق من ذمة إلى ذمة وهو عبارة عن انتقال الحق من فلان إلى فلان .

مثاله :- عندى لزيد ألف ريال وعند عمرو لي ألف ريال ،فجاء لي زيد يطالبني بحقه الذي علي فقلت له ؛أحلتك به على عمرو فانتقل الحق من ذمتي إلى ذمة عمرو .

فالحوَالة من حسن القضاء والاقتضاء لأن المحال إذا قبل فقد يسر الأمر على المحيل ،ولأن المحيل أيضاً إذا أحال صاحب الدين بدينه فهذا من التيسير لأن المحل قد يكون معسراً فيحيله على موسر .

فالحوَالة من الإحسان والمعروف إذا كان فيها تسهيل وتيسير على المكلف .

وحكم الحوَالة الجواز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أحيل بدينه على مليء فليحتل)أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .

والشرط الأول من شروط الحوَالة أنها لا تصح إلا على دين مستقر على ما ذكره المؤلف فلا بد من استقرار المحال عليه بحيث يكون الدين المحال عليه مستقراً .

أي ثابتاً ثبوتاً ليس فيه نسخ أو عرضة لنسخ كثمن المبيع والأجرة بعد تمام المدة والقرض وعزم الجنايات وما أشبهها .

فاشترط أن يكون الدين مستقراً احترازاً من الدين غير المستقر كدين الكتابة للتحرير من الرق .

مثاله :- إنسان كاتب عبده بخمسة آلاف فصار على العبد دين حيث اشترى نفسه من سيده بخمسة آلاف ريال فلا يملك السيد أن يحيل على الدين الذي في ذمة المكاتب لأنه غير مستقر ،فإذا كان هذا السيد عليه خمسة آلاف وأراد أن يحيل صاحب الدين على دين الكتابة فقد تحصل وقد لا تحصل فيكون هذا الذي تحول إما سالماً وإما غارماً ،فهو لا يدري هل يغرم أو يحصل على حقه لأن العبد قد يعجز عن تسليم المال المكاتب عليه فلابد من أن يكون المحال عليه مستقراً ،كذلك مهر المرأة غير مستقر على الزوج فإذا أحالت المرأة به على الزوج صارت الحوَالة غير صحيحة لأنه غير مستقر فيجوز أن يجد فيها عيباً فيفسخ النكاح ويأخذ المهر كاملاً ويجوز أن يطلقها فتستحق نصف المهر ويجوز أن يدخل بها فتستحق المهر كاملاً ،إذاً المهر غير مستقر .

قوله : ولا يعتبر استقرار المحال به :

أي أن المحال به لا يشترط استقراره وهو الدين الذي على المحيل والمحال عليه هو الدين الذي على الشخص المحال عليه فلو أن المكاتب أحال سيده بدينه على من في ذمته دين مستقر للمكاتب فإن الحوَالة صحيحة لأنه لا يشترط استقرار المحال به .

ومثل لو أحال الزوج زوجته بمهرها قبل الدخول على شخص يطلبه فيجوز مثال ذلك :

تزوجتُ امرأة بخمسين ألف ريال وأطلب رجلاً بخمسين ألف ريال فأحلتها بخمسين ألف على الرجل الذي أطلبه فهذا يجوز لأن طلبي على فلان مستقر لكن طلب المرأة علي غير مستقر لكنه لا يضر لأن استقرار المحال به ليس شرط .

فالشرط أن يكون على دين مستقر ،فإن كانت على عين فتوكل ،وإن كانت على دين غير مستقر لم تصح .

الشرط الثاني على قول المؤلف اتفاق الدينين أي المحال به والمحال عليه.

جنساً ووصفاً ووقتاً وقدراً.

أي اتفاقهما في أربعة أمور .

الأمر الاول : الجنس بأن يحيل ألف صاع بر في ذمته على من له في ذمته ألف صاع بر ،فإن أحاله بألف صاع بر على ألف صاع شعير فإنه لا يصح لاختلاف الجنس وأيضاً لو أحاله بمئة دينار على مئة درهم فلا يصح لاختلاف الجنس.

الأمر الثاني : الوصف بأن يكون كل منهما جيداً أو رديئاً أو وسطاً وظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح أن يحيل جيد على رديء ولا رديئاً على جيد والصواب لا محظور من ذلك فإذا أحال بجيد على رديء وقبل المحال الرديء عن الجيد فما المانع ما دام الجنس واحداً والقدر واحداً فليس فيه ربا ولا غرر.

فالذي أحيل بالجيد على رديء باختياره مراده خدمة الفقير أو المماطل كما لو أوفاه جيداً عن رديء.

الأمر الثالث :الوقت وذلك فيما إذا كان الدَّينان مؤجلين فلابد من اتفاق الدينين في الأجل فلا يحيل ما يحل بعد شهر على ما يحل بعد شهرين أو ما يحل بعد شهرين على ما يحل بعد شهر وذلك لعدم الاتفاق في الوقت

والصحيح أنه جائز فما الذي يمنع إذا أحلت عشرة دراهم تحل بعد شهر على عشرة دراهم لا تحل إلا بعد شهرين ورضى المحال .

فليس في ذلك ضرر.

وليس هذا تشبيه بيع الدراهم بالدراهم إلى أجل بل هو استيفاء لأنه لو عجل المؤجل وأجل المعجل فلا بأس به.

إذاً لا يشترط اتفاقهما في الوقت .

الأمر الرابع :القدر يشترط اتفاق الدَّينين قدراً فلا يحيل بتسعة على سبعة لأن هذا يشبه البيع والبيع مع التفاضل لا يجوز ،فلو أسقط عنه اثنين وأحاله على فلان بسبعة فهذا يجوز لأنه لما أسقط الإثنين صار الذي عنده سبعة فإذا أحاله بها على من يطلبه سبعة تساوياً.

أما بسبعة على تسعة فلا بأس.

ولهذا قال المؤلف :ولا يؤثر الفاضل :ويبقى الفاضل لصاحبه.

فإن قال أحلتك بسبعة على تسعة ليقبض كل التسعة فهذا لا يجوز لأنه صار معاوضة والمعاوضة بين جنسين ربو بين ،لابد أن يكون أحدهما مساوياً للآخر إذا كان الجنس واحداً.

والخلاصة أن الحوَالة من باب الاستيفاء فإذا انقلبت إلى معاوضة صار لابد من مراعاة شروط البيع ،أما هذه الشروط التي ذكرها المؤلف فكما سبق أن بعضها فيه نظر .

قوله :وإذا صحت نقلت الحق إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحيل :تصح الحوَالة بتمام الشروط وانتفاء الموانع لأن كل شيء من عبادة أو معاملة لا يصح إلا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه ،فإذا صحت نقلت الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحيل براءة تامة .

ويشترط في كل عقد أن يكون العاقد جائز التصرف وكل عقد أيضاً لابد أن يكون من المالك للعقد أو من يقوم مقامه فهذان الشرطان يصطحبان في كل عقد في البيوع والأوقاف والرهون والهبات والأنكحة وغيرها .

ولو فرض أن المحال عليه أعسر فلا يرجع المحال على المحيل لأن الحق انتقل وبرئ المحيل .

والدليل على قوله أنه إذا صحت نقلت الحق إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحيل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أحيل بدينه على مليء فليحتل)أخرجه البخاري ومسلم.

أي يتحول من المحيل إلى المحال عليه .

فلو كان رجل عليه مئة ألف وأحال بها على شخص وتمت الشروط ثم إن المحال عليه افتقر فإن المحال لا يملك الرجوع إلى المحيل لأن الحوَالة تمت ،وإذا تمت فإنها تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه .

قوله :ويعتبر رضاه :هذا هو الشرط الثالث من شروط صحة الحوَالة والدليل على ذلك أن الله تعالى قال (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم )النساء :29

فالرضا لابد منه في جميع العقود حتى عقد النكاح فيما إذا كانت بكراً.

وبالله التوفيق .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

12/7/1439 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر