الدرس السادس والعشرون : العدالة في المؤذن

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 4 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1928 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يشرع للمؤذن الذي يؤذن في غير مكرفون أن يلتفت يميناً وشمالاً عند الحيعلة مع ثبوت قدميه ، لأن ذلك ثبت من فعل مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرته صلى الله عليه وسلم ، ولأنه أبلغ في إسماع النداء للصلاة لمن بَعُدَ عن المسجد ، والتطويل في الأذان لا نعلم له أصلاً ، بل السنة أن يؤذن الأذان الشرعي بحيث يكون معتدلاً ، ويصح أذان المحدث حدثاً أصغر أو أكبر ، لكن الأفضل أن يكون متطهراً من الحدثين جميعاً .

متى تحقق طهارة أحد ملابسه وشك في نجاسته فإنه يبقى على الأصل وهو الطهارة ، واليقين لا يزول بالشك .

لا يجوز المكث للجنب في المسجد لأداء الأذان أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " ، أما الأذان فليس من شرطه الطهارة لكن إذا تطهر من الحدثين قبل الأذان فهو أفضل .

والمشروع أن يؤدى الأذان من المسجد أو قريب منه كما هو الثابت من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرج عليه خلفاؤه رضي الله عنهم والمسلمون بعدهم ولأنه إعلام بدخول وقت الصلاة ودعوة إلى أدائها في المسجد فلا ينبغي أن يعمل بعيداً عنه لكن إذا كان الأذان من المسجد أو قريب منه لا يسمعه غالب السكان فلا مانع من أدائه في مكان يسمع الأكثرية منهم مراعاة للمصلحة العامة

تشرع الإقامة قبل الصلاة ولو كان المصلي منفرداً ، لكن لو صليت بدون إقامة فإن صلاتك صحيحة ولا إعادة عليك ، والمشروع في الإقامة أن تكون جهراً فمن أقام للصلاة فليجهر بها سواء كان منفرداً أم غير منفرد .

إذا أقام أحد المصلين الصلاة غير المؤذن فذلك جائز والصلاة صحيحة ، إلا أن الأفضل أن يتولى الإقامة من تولى الأذان إذا تيسر ذلك .

لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت ، ومن أذن وتبين له أن أذانه وقع قبل دخول وقت الصلاة التي أذن لها وجب عليه أن يعيد الأذان بعد دخول الوقت ، إلا صلاة الفجر فإنه يؤذن لها الأذان الأول قبل دخول الوقت ، ثم يؤذن لها بعد دخول الوقت .

ليس على المرأة أن تؤذن على الصحيح من أقوال العلماء لأن ذلك لم يعهد إسناده إليها ولا توليها إياه زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .

وليس صوت المرأة عورة بإطلاق ، فإن النساء كنَّ يشتكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه عن شئون الإسلام ، ويفعلن ذلك مع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وولاة الأمور بعدهم ، ويسلمن على الأجانب ويردون السلام ، ولم ينكر ذلك عليهن أحد من أئمة الإسلام ، ولكن لا يجوز لها أن تتكسر في الكلام ولا تخضع في القول لقوله تعالى " يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيتُنَّۚ فَلَا تَخضَعنَ بِٱلقَوۡلِ فَيَطمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلنَ قَوۡلٗا مَّعرُوفٗا " الأحزاب 32 ، لأن ذلك يغري بها الرجال ويكون فتنة لهم كما دلَّت عليه الآية ، ولا يجب ولا يشرع للمرأة الأذان والإقامة ولو كانت بمفردها في المنزل .

تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان مباشرة ، لما روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشفاعة " .

الدعاء بعد الأذان وقبل الإقامة قد دلَّت السنة المطهرة على مشروعيته ، كما أن رفع اليدين أثناء الدعاء مشروع ، لكن على المسلم أن يدعو بينه وبين نفسه ولا يجهر بصوته .

السنة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم لأنها أذان ثان فتجاب كما يجاب الأذان ، ويقول المستمع عند قول المقيم ( حي على الصلاة ، حي على الفلاح ) لا حول ولا قوة إلا بالله ، ويقول عند قوله ( قد قامت الصلاة ) مثل قوله ، ولا يقول : أقامها الله وأدامها ، لأن الحديث في ذلك ضعيف ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول " ، وهذا يعم المؤذن والمقيم ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم ( لا إله إلا الله ) ويقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ .

دعاء العبد ربه وسؤاله إياه مشروع ومرغب فيه ، ورفع اليدين فيه ضراعة وابتهالاً إلى الله ثابت مشروع أيضاً ، أما مسح الوجه بالكفين عقب الدعاء فقد ورد فيه حديث ضعيف ، ولما كان الدعاء عبادة مشروعة ، ولم يثبت في مسح الوجه بالكفين عقبه سنة قولية أو عملية ، بل رُوي ذلك من طرق ضعيفة فالأولى تركه عملاً بالأحاديث الصحيحة التي لم يذكر فيها مسح الوجه .

الصلاة الوسطى الأقرب أنها صلاة العصر ، لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس " ، وفي رواية لمسلم : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " والله أعلم .

وقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل ويمتد الوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر الثاني .

ستر العورة واجب بإجماع المسلمين ، والمرأة كلها عورة ، والقبل والدبر من الرجل عورة بإجماع والصحيح من أقوال العلماء أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة ، لما رُوي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " رواه أبو داود وابن ماجه ، وما رُوي عن محمد بن جحش قال : " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال : يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة " رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه تعليقاً والحاكم في مستدركه ، وما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الفخذ عورة " رواه الترمذي وأحمد ، وهذه الأحاديث يشد بعضها بعضاً فتنهض للاحتجاج بها ، إذ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن فخذ الرجل عورة وقول الجمهور أحوط لما ذكره البخاري ، وعورة الرجل في الصلاة ما بين السرة والركبة فمن صلى وهو كاشف شيئاً منها أعاد الصلاة .

تغطية الرجل رأسه في الصلاة ليست من سننها وليست الصلاة بالكم القصير مكروهة للرجل والأحوط أن تصلي بما يستر كتفيك مع ستر العورة لحديث : " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء " فالمشروع للمصلي تغطية منكبيه في الصلاة .

إذا كانت المرأة تصلي بدون حجاب لجهلها بذلك فلا إعادة عليها المدة الماضية وعلى المرأة أن تصلي في ثوب يستر عورتها جميعاً لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " ، ولما روت أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار ؟ فقال : " إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها " أخرجه أبو داود وصحح الأئمة وقفه على أم سلمة ، والمرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها ، لكن إذا كان لديها أجنبي فإنها تسترهما .

لا يجوز الصلاة في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان أو طير ، ولا يجوز للمسلم لبسها في غير الصلاة ، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم في حق من علم الحكم الشرعي ، ولا يجوز كتابة اسم الله على الثوب ، وتصوير ما فيه روح من إنسان أو حيوان حرام بل من كبائر الذنوب سواء كانت الصور مجسمة أم ألوان في قماش أو ورق أو على جدار أم كانت نسيجاً بخيوط ملونة أم غير ذلك ، واقتناؤها والإبقاء عليها حرام والصلاة عليها مكروهة لا محرمة ، لأنها ممتهنة ، هذا إذا كان تصويرها لغير ضرورة أما إذا كان لضرورة كالتصوير لتابعية أو جواز سفر أو بطاقة شخصية أو نحو ذلك فيرخص فيه .

إمامة المحدث بغيره صحيحة إذا نسي الإمام الحدث ، ولا يجب على المأموم الإعادة إذا كان لم يعلم بذلك وإنما تجب الإعادة على الإمام .

إذا نزل منك نزيف أثناء الصلاة فاقطعها إلا أن يكون النزيف يسيراً عرفاً فضع عليه قطناً أو نحوه وأكمل صلاتك .

وإذا رأى المسلم في ثوبه أو بدنه نجاسة بعد ما فرغ من الصلاة فإنه لا يعيدها إذا كان لم يعلمها إلا بعد الصلاة ، أو كان ناسياً لها فلم يذكر إلا بعد الصلاة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام أخبره وهو في الصلاة أن في نعليه قذراً فخلعهما واستمر في صلاته عليه الصلاة والسلام

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

2 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر