الدرس السابع والعشرون : الطهارة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 5 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1869 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجوز أن يصلي على سطح دورة المياه ولا حرج إن شاء الله ولا كراهية في ذلك لأن السطح لا يتبع الأصل في مثل هذا ، وهذا هو الصحيح من قولي العلماء في هذه المسألة ، كما صرح بذلك أبو محمد ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه المغني .

قال صلى الله عليه وسلم : " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " صححه الحاكم في المستدرك ففي هذا الحديث بيان أن كلاً من المقبرة والحمام ليس موضعا للصلاة .

من السنة أن يصلي الرجل بنعليه إذا كانتا طاهرتين ، والأصل ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سلمة سعيد بن زيد قال : سألت أنساً أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ؟ قال : " نعم " ، وما رواه أبو داود عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم " ، لكن إذا كانت النعال زنوبة أو غيرها فيها شيء من الأوساخ والرطوبة التي تؤذي المصلين وتوسخ الفرش فينبغي لصاحبها أن يحملها في يديه حتى يضعها في مكان مناسب لا يحصل به أذى لأحد .

المسجد لغة موضع السجود ، وشرعاً كل ما أُعد ليؤدي فيه المسلمون الصلوات الخمس جماعة ، وقد يُطلق على ما هو أعم من هذا فيدخل فيه ما يتخذه الإنسان في بيته ليصلي النافلة أو ليصلي فيه الفريضة عند وجود مانع شرعي يمنعه من أدائها جماعة في المسجد الذي يقيم الناس فيه الجماعة ، ومن ذلك ما رواه البخاري وغيره عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " أخرجه أحمد .

حدود المسجد الذي أُعد ليصلي فيه المسلمون الصلوات الخمس جماعة هي ما أحاط به من بناء أو أخشاب أو جريد أو قصب أو نحو ذلك ، وهذا هو الذي يعطي حكم المسجد من منع الحائض والنفساء والجنب ونحوهم من المكوث فيه ، ويجوز لمن جاء إلى المسجد وقد ضاق بالمصلين أن يصلي خارج المسجد الجمعة وغيرها من الفرائض والنوافل في أقرب مكان إلى المسجد من الطريق المجاور له ما دام يضبط صلاته بصلاة إمامه للحاجة إلى ذلك بشرط ألا يكون أمام الإمام ، لكن لا يكون لها حكم المسجد والله أعلم .

فضل الصلاة في مكة ، في المسألة خلاف بين أهل العلم والأرجح أن المضاعفة للثواب تعم الحرم كله لأنه كله يطلق عليه المسجد الحرام في القرآن والسنة ، أما السيئات فلا تضاعف عدداً لا في الحرم ولا غيره وإنما تضاعف من جهة الكيفية وذلك باختلاف شدة الإثم وعظم الجريمة بسبب الزمان والمكان في رمضان والحرم الشريف والمدينة المنورة وأشباه ذلك لقول الله تعالى " مَن جَآءَ بِٱلحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشرُ أَمثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجزَىٰٓ إِلَّا مِثلَهَا وَهُمۡ لَا يُظلَمُونَ " الأنعام 160 .

المراد بالذي أُسس على التقوى في الآية الكريمة من سورة التوبة المسجد النبوي على الصحيح من قولي العلماء ، وقيل مسجد قباء ، وكلاهما أُسس على التقوى .

لا نعلم دليلاً يدل أن المسجد الأقصى حرم مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ، نعم ثبتت شرعية شد الرحال إليه وفضل الصلاة فيه ، والذي يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى " رواه البخاري ومسلم ، وأما الدليل على فضل الصلاة فيه فما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وصلاة في مسجدي بألف صلاة ، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة " أخرجه البيهقي .

وقد اختلف في مَنْ بنى المسجد الأقصى ، فقيل نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهو أشبه ، وقيل سليمان ، والصحيح أن بناء سليمان تجديد لا تأسيس لأن بينه وبين إبراهيم أزمان كثيرة أكثر من أربعين كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله ، وقد روى مسلم في صحيحه أن أبا ذر رضي الله تعالى عنه قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في أرض أولاً ؟ قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنة ، وأينما أدركت الصلاة فصل فهو مسجد " ، وأخرج النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالاً ثلاثة سأل الله حكماً يصادف حكمه فأوتيه ، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه " أخرجه أحمد والنسائي .

يجوز لك إنفاق المال المتبقي عندك من عمارة المسجد الذي أشرفت عليه في مسجد آخر إذا كان المسجد الأول ليس بحاجة إليه ، ولا حرج من بناء القبب في المساجد إذا كانت لغرض الإضاءة والتهوية .

إذا كان القبر قد دفن بعد بناء المسجد وجب إخراج الميت من المسجد ودفنه في المقبرة العامة ، وإذا كان المسجد مبنياً على القبر وجب هدم المسجد .

لا ينبغي أن يتولى الكفار تعمير المساجد حيث يوجد من يقوم بذلك من المسلمين ، وأن لا يُستقدموا لهذا الغرض أو غيره تنفيذاً لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يجتمع في الجزيرة العربية دينان .

لا يجوز الخروج من المسجد بعد سماع الأذان لغير الوضوء وقضاء الحاجة وما تدعو إليه الضرورة حتى يصلي لحديث أبي هريرة أنه " رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم ، والذي في الحجرة التي في داخل المسجد حكمه حكم من في المسجد لكونها تابعة له في الأحكام .

ليس للنساء زيارة القبور لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره لأن رسول الله لعن زائرات القبور ولم يستثن قبره صلى الله عليه وسلم ولا غيره .

يحرم على المسلمين أن يمكنوا أي كافر من دخول المسجد الحرام وما حوله من الحرم كله لقوله تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلمُشرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقرَبُواْ ٱلمَسجِدَ ٱلحَرَامَ بَعدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ " التوبة 28 ، أما غيره من المساجد فيجوز لمصلحة شرعية أو لحاجة تدعو إلى ذلك لسماع ما قد يدعوه للدخول في الإسلام ، أو حاجته إلى الشرب من ماء في المسجد أو نحو ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال الحنفي في المسجد قبل أن يسلم ، وأنزل وفد ثقيف ووفد نصارى نجران قبل أن يسلموا في المسجد لما في ذلك من الفوائد الكثيرة ، وهي سماعهم خطب النبي صلى الله عليه وسلم ومواعظه ، ومشاهدتهم المصلين والقراء ، وغير ذلك من الفوائد العظيمة التي تحصل لمن لازم المسجد .

أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حكم السؤال في المسجد بما نصه : أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدا بتخطيه رقاب الناس ، ولا غير تخطيه ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ، ولم يجهر جهراً يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب ، أو وهم يستمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز والله أعلم .

الجرائد كغيرها من الكتب ، تجوز قراءتها في المسجد ، ولكن إذا كانت تحمل تصاوير لذوات الأرواح فلا تجوز قراءتها أو استعمالها في المسجد ولا غيره إلا بعد طمس رؤوس الصور بسترها بحبر ونحوه .

لا يجوز التصفيق إلا للنساء في الصلاة إذا ناب الإمام شيء في صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال وتصفق النساء " ، ولأن تصفيق الرجال من عمل أهل الجاهلية ، كما في قوله سبحانه " وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلبَيتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصدِيَةٗۚ " الأنفال 35 ، وقد فسر أهل العلم المكاء بالتصفيق ، والتصدية بالصفير .

إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى ثم تبين أن تحريه كان خطأ فصلاته صحيحة ، ولا حرج في الذهاب إلى المسجد راكباً سيارته والمشي أفضل إذا تيسر له ذلك .

لا ينبغي للرجل أن يأخذ مكاناً في المسجد لا يجلس في المكان إلا هو ، والمشروع في داخل المسجد أن يجلس حيث انتهى الصف .

يشرع للمصلي أن يستاك قبل أن يحرم بالصلاة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " رواه مسلم .

المشروع المسارعة إلى الصف الأول لقوله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " رواه البخاري ومسلم .

لا حرج في القيام للصلاة أول الإقامة أو أثناءها والأمر في ذلك واسع ، والواجب على المأموم عند الدخول في الصلاة والإمام راكع تكبيرة واحدة وهي تكبيرة التحريم يكبرها وهو واقف ، وتدخل تكبيرة الركوع في التكبيرة الأولى ، وإذا كبر تكبيرتين واحدة للدخول في الصلاة والثانية للركوع فحسن .

الصحيح من أقوال العلماء أن البسملة تقرأ قبل الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلوات سراً سواء كانت الصلاة سرية أم جهرية ، لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " رواه أحمد .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

3 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر