الدرس السابع والعشرون: الحديث 17 الأمر بإحسان الذبح والقتل

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 13 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 2299 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ" رواه مسلم

أهمية الحديث

هذا الحديث قاعدة من قواعد الدين الهامة ويتضمن إتقان جميع تعاليم الإسلام لأن الإحسان يكون في الفعل ويكون بإيقاعه على مقتضى الشرع والفعل إما أن يتعلق بمعاش الإنسان وسياسته في أهله وإخوانه وباقي الناس أو بمعاده وهو الإيمان الذي هو عمل القلب والإسلام الذي هو عمل الجوارح فمن أحسن في معاشه ومعاده وأتى به تاماً سديداً فقد فاز فوزاً عظيماً وكان من السعداء في الدارين بإذنه تعالى

لغة الحديث

كتب بمعنى أوجب

الإحسان مصدر أحسن إذا أتى بالحسن وهو ما حسنه الشرع ويكون بإتقان العمل

القتله بكسر القاف هي الهيئة والحالة

والذبحة بكسر الذال ويضم وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث (فأحسنوا الذبح) بغير هاء وهو بالفتح مصدر وبالهاء والكسر الهيئة والحالة

(وليحد): بضم الياء وكسر الحاء وتشديد الدال يقال أحد السكين وحدها واستحدها

(شفرته): السكين وما يذبح بها وشفرتها حدها يعني حكها حتى تكون قوية القطع أي يحكها بالمبرد أو بالحجر أو بغيرهما حتى تكون حادة يحصل بها الذبح بسرعة

الشرح

قوله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانُ عَلَى كُلِّ شَيء) أي أوجب الإحسان في كل شيء، ولم يقل: إلى كل شيء، بل قال: على كل شيء، يعني أن الإحسان ليس خاصاً بشيء معين من الحياة بل هو في جميع الحياة، ثم ضرب أمثلة فقال (فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ) والفرق بينهما: أن المقتول لايحل بالقتل كما لو أراد إنسان أن يقتل كلباً مؤذياً، فنقول: أحسن القتلة وكذا إذا أراد أن يقتل ثعباناً فنقول: أحسن القتلة، وإذا ذبح فنقول: أحسن الذبحة، وهذا فيما يؤكل، أي يحسن الذبحة بكل ما يكون فيه الإحسان، ولهذا قال: وَليُحدّ أحدكم شَفْرَته

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ) اللام للأمر، أي وليرح ذبيحته عند الذبح بحيث يمر السكين بقوة وسرعة

من فوائد الحديث

أولاً: أوجب الله الإحسان على كل شيء ويشمل الإحسان إلى شخص تدله الطريق وإطعام الطعام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إضافة إلى ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من القتل والذبح فهو أمثلة منه صلى الله عليه وسلم

ثانياً: الحث على الإحسان في كل شيء لأن الله كتب ذلك أي أوجبه فالإحسان مصدر إذا أتى بالحسن وهو ما حسنه الشرع ويكون بإتقان العمل قال تعالى:" إن الله يأمر بالعدل والإحسان. وقال: وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".

ثالثاً: إذا قتلت شيئاً يباح قتله فأحسن القتله مثل كلب مؤذي وأردت قتله بالرصاص أبو برض رأسه أبو بإسقائه السم أو بالصعق الكهربائي فاختر الأخير وهو الأسهل إذ لا يحس المقتول بأي ألم وتخرج روحه بسرعة من غير أن يشعر

يستثنى من ذلك القصاص، ففي القصاص يُفعل بالجاني كما فُعِل بالمقتول، ودليل ذلك قصة اليهودي الذي رضّ رأس الجارية، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رأسه بين حجرين. أخرجه البخاري ومسلم

وأما قتل الأعداء في المعركة جهاداً في سبيل الله فأسهل وجوه قتل الكافر كان ضربه بالسيف على العنق قال الله تعالى:" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب." ووقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة وهي قطع أجزاء من الجسد سواء كان ذلك قبل الموت أو بعده، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة.

رابعاً: النهي عن التحريق بالنار روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل." ويشمل الحيوانات والهوام ففي مسند الإمام أحمد وأبي داود والنسائي عن عبد الله بن مسعود قال:" كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فممرنا بقربة نمل قد أحرقت فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله عز وجل".

خامساً النهي عن صبر البهائم وهو أن تحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت ففي البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما:" أنه مر بقوم نصبوا دجاجة يرمونها فقال ابن عمر من فعل هذا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا".

سادساً: أن الله عز وجل له الأمر وإليه الحكم، لقوله صلى الله عليه وسلم :" إن الله كتب الإحسان". وكتابة الله تعالى نوعان

الأول: كتابة قدرية ولابد من وقوعها، مثل المرض والفقر والموت ومثل قول الله تعالى: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. الانبياء:105، فهذه كتابة قدرية

الثانية: كتابة شرعية: قد تقع من بني آدم وقد لا تقع مثل بر الوالدين ومثل قول الله تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم. فهذه كتابة شرعية أي كره القتال فقد يقاتل وقد لا يقاتل وقول الله تعالى: يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام. فقد يصوم وقد لا يصوم

سابعاً: وجوب إحسان القتلة وهو اتباع الشرع فيها سواء كانت أصعب أو أسهل، ومثال الأصعب رجم الزاني الثيب

ثامناً: أن نحسن الذبحة، بأن نذبحها على الوجه المشروع، والذبح لابد فيه من شروط

الأول: أهلية الذابح بأن يكون مسلما أو كتابيا، فإن كان وثنيا لم تحل ذبيحته وكذا المرتد وتارك الصلاة والدليل على أن ذبيحة الكتابي حلال قول الله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: طعامهم: ما ذبحوه ذكره البخاري تعليقاً والكتابي هو اليهودي أو النصراني

الثاني: أن تكون الآلة مما يباح الذبح بها، وهي كل ما أنهر الدم من حديد أو فضة أو ذهب أو حصى أو قصب، أي شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل. أخرجه البخاري ومسلم، ويستثنى من ذلك السن والظفر علل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة أي سكاكين الحبشة

فجميع العظام لا تحل التذكية بها لأن العظم إن كان من ميتة فلا يصح أن يذكي به لأن التذكية تطهير والميتة نجسة وإن كان العظم من طاهر كعظم شاة مذكاة فلا تحل التذكية به لأن عظم المذكاة طعام الجن والتذكية به يفسده على الجن لأنه سوف يتلوث بالدم النجس.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجن الذين وفدوا عليه:" لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما." أخرجه مسلم

أما الظفر: فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه مدى الحبشة، أي سكاكينها، ونحن منهيون أن نتشبه بالأعاجم، والحبشة أعاجم حيث دخلت عليهم العربية بعد الفتوحات الإسلامية و لو وجدنا سكاكين لا يستعملها إلا الحبشة فتحل لأن أظفار الحبشة متصلة بالبدن، وجعلها مدى يستلزم أن لا تقص ولا تقلم، وهذا خلاف الفطرة

الثالث: إنهار الدم أي إسالته، ويكون إنهار الدم بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم، وهذان العرقان متصلان بالقلب فإذا قطعا انهار الدم بكثرة وغزارة، ثم ماتت الذبيحة بسرعة، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل. فاشترط إنهار الدم بقطع الودجين وقطع الحلقوم والمريء مع الودجين أولى وأطهر وأذكى ولو أقتصر على قطع الحلقوم والمرئ فحرام، ولايشترط أن يكون قطع الحلقوم من نصف الرقبة أو من أسفلها أو من أعلاها.

الرابع: ذكر اسم الله عليها عند الذبح (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ويشترط في ذبيحة الكتابي ما يشترط في ذبيحة المسلم من وجوب ذكر اسم الله ولا نسأله، أسميت وكيف ذبحت أو ذبحت بالصعق أو بالتذكية حتى لا يعد تنطعاً وتعمقاً ولا يشترط استقبال القبلة عند الذبح بل ليس سنة والنبي صلى الله عليه وسلم نحر بمنى عام حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنة ولم يذكر أنه وجهها وذبح الأضحية قرب مصلى العيد ولم يذكر أنه وجهها لكن تدخل في عموم كل عبادة ينبغي أن يستقبل بها القبلة

تاسعاً: وجوب حد الشفرة، لأن ذلك أسهل للذبيحة ولا يحدها أمامها ويأثم بعدم حد الشفرة

عاشراً: وجوب إراحة الذبيحة وذلك بسرعة الذبح ويجعل قوائمها الأربعة مطلقة فهذا أريح للذبيحة وأشد إفراغاً للدم لأنه مع الحركة والاضطراب يخرج الدم ولا يجوز كسر عنقها قبل الموت

الحادي عشر: إذا أراد الإنسان أن يؤدب أهله، أو ولده فليؤدب بإحسان ولهذا قال العلماء في كتاب الجنايات: لو أنه ضرب ولده ضربا أسرف فيه ومات ضمنه، أما إذا أدبه تأديبا عاديا بدون عنف ثم مات فلا ضمان

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/3/13 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر