الدرس التاسع والعشرون: التشهد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 6 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1897 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجلس الإمام في التشهد الأول بمقدار ما يكفيه ذلك ، والأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قراءة التشهد ثم يقوم للثالثة ولا يشرع له الدعاء في التشهد الأول ، وإنما يشرع في التشهد الثاني بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة عقب التشهد في الركعة الأخيرة من كل صلاة أما الركعة الثانية من الصلاة الثلاثية أو الرباعية فيُسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشهادتين لعموم الأحاديث الآمرة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة وتوعد عليه ، ففي صحيح البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم " ، فاشتد قوله في ذلك حتى قال : " لينتهين أو لتخطفن أبصارهم " ، فهذا وعيد شديد يدل على التحريم ولكنه لا يبطل الصلاة ، وأما الحركة في الصلاة بأن يعبث بيده أو رجله أو لحيته أو ثوبه أو غير ذلك فمنهي عنه ، وإذا كثر الفعل الذي من غير جنس الصلاة عرفاً وتوالى أبطلها ، والإشارة باليد جائزة للحاجة لما في الصحيحين من حديث عائشة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما " لما صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في مرضٍ له فقاموا خلفه فأشار إليهم أن اجلسوا " .

وينظر المصلي في حال ركوعه إلى مكان سجوده أيضاً ، أما في حال التشهد فينظر إلى محل الإشارة ، وأما في حال سجوده فينظر إلى مقابل عينيه من الأرض ويكره تغميض عينه في الصلاة .

ولا يجوز للمسلم أن يصلي وهو يدافع البول أو الغائط لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان " أخرجه مسلم في صحيحه ، والحكمة في ذلك والله أعلم أن ذلك يمنع الخشوع في الصلاة ، لكن لو صلى وهو كذلك فإن صلاته صحيحة لكنها ناقصة غير كاملة للحديث المذكور ولا إعادة عليه ، وأما إذا دَخَلْتَ في الصلاة وأنت غير مدافع للأخبثين وإنما حصلت المدافعة أثناء الصلاة فإن الصلاة صحيحة ولا كراهة إذا لم تمنعك هذه المدافعة من إتمام الصلاة .

ورد النهي عن الالتفات في الصلاة وأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ، ففي صحيح البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " ، فعُلم من ذلك أن الالتفات مكروه في الصلاة وينقص ثوابها ، لكن لا تجب الإعادة على من التفت في صلاته لأنه قد ثبت في أحاديث أخرى ما يدل على جواز الالتفات إذا دعت إليه الحاجة ، فعُلم بذلك أنه لا يبطل الصلاة .

وإذا شرع رجل في صلاته ورأى أمامه ثعباناً أو عقرباً فإنه يقطع صلاته ويقتل الثعبان أو العقرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب " ، وإن أمكن قتلهما وهو في صلاته من دون عمل كثير عرفاً فلا بأس وصلاته صحيحة .

وإذا كان المصلي في صلاته وأشغله كثرة رنين الهاتف جاز له أن يرفع السماعة ولو تقدم قليلاً أو تأخر كذلك أو أخذ عن يمينه أو شماله بشرط أن يكون مستقبل القبلة وأن يقول سبحان الله تنبيهاً للمتكلم بالتليفون لما ثبت في الصحيحين :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت ابنته فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها " ، وفي رواية مسلم " وهو يؤم الناس في المسجد " ، ولما روى أحمد وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت والباب عليه مغلق فجئت فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه " ، ووصفت أن الباب في القبلة .

ومن عطس أو تثاءب في الصلاة يحمد الله للعطاس ، ولا يستعيذ بالله من الشيطان لتثاؤبه ، لعدم ورود ذلك ، ولا يجيب من شمَّته لعطاسه حال كونه في صلاته ولا يرد السلام على من سلَّم عليه وهو في الصلاة إلا بالإشارة ، لعموم ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الصلاة لشغلاً " ، ولما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قلت لبلال : " كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة ؟ قال : يشير بيده " رواه الخمسة .

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في النوازل ، يدعو على المعتدين من الكفار ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكافرين وأسرهم ، ثم ترك ذلك ولم يخص بالقنوت فرضاً دون فرض ، يدل على ذلك ما رواه أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم " قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه " أخرجه مسلم ، وفي لفظ " قنت شهراً حين قُتل القراء ، فما رأيت حزن حزناً قط أشد منه " رواه البخاري ، وما رواه البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت في صلاة المغرب والفجر " رواه مسلم ، وما رواه البخاري من طريق ابن عمر أنه " سمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول : اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله تعالى " لَيسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمرِ شَيءٌ " ، إلى قوله " فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ " آل عمران 128 ، وما رواه البخاري من طريق أبي هريرة قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال : سمع الله لمن حمده ، ثم قال قبل أن يسجد : " اللهم نجِّ عياش بن ربيعة ، اللهم نج سلمة بن هشام ، اللهم نج الوليد بن الوليد ، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " .

أما القنوت في الوتر فمستحب لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت " رواه الخمسة ، أما القنوت في الصبح وفي غيرها من الصلوات الخمس فلا يشرع بل هو بدعة إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة من عدو أو غرق أو وباء أو نحوها فإنه يشرع القنوت لرفع ذلك ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت في الصلوات يدعو على أحياء من العرب قتلوا بعض أصحابه رضي الله عنهم ، والأكثر أن ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بعد الركوع من الركعة الثانية ، أما اتخاذه دائماً في الصبح فهو بدعة ، فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خصَّ الصبح بالقنوت ولا أنه داوم عليه في صلاة الصبح وإنما الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النوازل بما يناسبها ، فقنت في صلاة الصبح وغيرها من الصلوات يدعو على رعل وذكوان وعصية لقتلهم القراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليعلموهم دينهم ، والسنة أن القنوت يكون بعد الركوع لمجيء الأحاديث الصحيحة بذلك ، هذا في قنوت الوتر أما القنوت في صلاة الصبح فإنه يشرع عند النوازل ، ويشرع التأمين على الدعاء في القنوت ، وعند الثناء على الله سبحانه يكفيه السكوت وإن قال سبحانك أو سبحانه فلا بأس .

الإشارة بالإصبع طول التشهد وتحريكها عند الدعاء وقبض ما يقبض من الأصابع يستمر إلى السلام .

يشرع للإمام والمأمومين عند التسليم من الصلاة إمالة العنق يميناً فشمالاً حتى يرى المأمومون صفحة وجه الإمام لكنه ليس بفرض بل سنة .

الصلاة إلى سترة سنة في الحضر والسفر ، في الفريضة والنافلة ، وفي المسجد وغيره لعموم حديث : " إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها " .

والسترة للمصلي سنة في حق الرجل والمرأة ولا يجوز لكل منهما المرور بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته سواء كان المصلي رجلاً أو امرأة ، وسواء كان المار امرأة أو رجلاً ، لكن إن كان المار امرأة قطعت صلاة مَنْ مرَّت بين يديه أو بينه وبين سترته إلا في المسجد الحرام ، فيعفى عن ذلك لعدم إمكان التحرز منه ، وقد قال سبحانه " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱستَطَعتُمۡ " التغابن 16 .

وتصح صلاة المرأة والرجل أمامها ، وكذلك صلاة الرجل والمرأة أمامه ، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة فإذا أراد أن يوتر أيقظني " متفق على صحته .

حاول أن تمنع المرور بينك وبين سترتك ، وإن غلبوك ومروا فلا شيء عليك لأن الصلاة لا يقطعها إلا المرأة البالغة والحمار والكلب ، إذا مروا بين المصلي وسترته ، أو قريباً إذا لم يكن له سترة في أقل من ثلاثة أذرع ، ويُسن له دنوه من سترته وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يبتدرون سواري المسجد ليصلوا إليها النافلة ، وذلك في الحضر في المسجد ، لكن لم يعرف عنهم أنهم كانوا ينصبون أمامهم ألواحاً من الخشب لتكون سترة في الصلاة بالمسجد ، بل كانوا يصلون إلى جدار المسجد وسواريه ، فينبغي عدم التكلف في ذلك ، والشريعة سمحة ، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه ، ولأن الأمر بالسترة للاستحباب لا للوجوب ، لما ثبت " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس بمنى إلى غير جدار " أخرجه البخاري ، ولم يُذكر في الحديث اتخاذه سترة ، ولما روى الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضاء وليس بين يديه شيء " أخرجه أحمد .

والإمام سترة لمن خلفه فالمرور بين الصفوف لا يقطع الصلاة ، وينبغي تركه إلا من حاجة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى ، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك أحد " .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

3 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر