الدرس الحادي والثلاثون: الصلاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 8 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1904 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يُشرع للمسلم والمسلمة أن يصلي قبل صلاة العصر أربع ركعات يسلم من كل ركعتين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله امرءاً صلى أربعاً قبل العصر " رواه أحمد ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " رواه أحمد ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " بين كل أذانين صلاة " ، ويستحب أن يقوم بعد الأذان ويصلي ركعتين أو أربعاً للحديثين المذكورين .

وصلاة ركعتين بعد المغرب سنة للأحاديث الواردة في ذلك ، منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الصبح " ، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر " ، أما أحاديث من صلى ست ركعات بعد المغرب فهو غير صحيح .

ولا تشرع صلاة الرواتب في السفر إلا ركعتي الفجر وصلاة الوتر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليهما حضراً وسفراً .

ولا تنوب صلاة العيد أو الاستسقاء عن صلاة الضحى ويمتد وقت صلاة الضحى من بعد طلوع الشمس وارتفاعها مقدار رمح إلى استواء الشمس في كبد السماء ، ففي ما بين ذلك كله وقت لصلاة الضحى .

وسجود التلاوة سُنَّة ، ولم يرد نص في السلام منها ، فليس على من سجدها سلام منها ، وليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة كـالأعراف والنجم واقرأ وهو في الصلاة أن يقرأ قرآناً بعدها وقبل الركوع ، وإن قرأ فلا بأس ، ويقول في سجوده للتلاوة ما يقوله في سجوده للصلاة ويكبر من سجد سجود التلاوة في الخفض ، لما رواه أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن ، فإذا مرَّ بالسجدة كبَّر وسجد وسجدنا " ، ولا يكبر في الرفع من السجود لعدم ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، ولأن سجود التلاوة عبادة ، والعبادات توقيفية ، يُقتصر فيها على ما ورد ، والذي ورد التكبير في الخفض لسجود التلاوة لا للرفع منه ، إلا إذا كان سجود التلاوة وهو في الصلاة فيكبر للخفض والرفع لعموم الأحاديث الصحيحة الواردة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يكبر في كل خفض ورفع ولا يتشهد عقب سجود التلاوة ولا يسلم منه ، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ولا يشترط الطهارة ولا التوجه إلى القبلة في سجود التلاوة إذ لا دليل على اشتراط ذلك لكن متى تيسر استقبال القبلة حين السجود فعل وأن يكون على طهارة فهو أولى خروجاً من خلاف العلماء ، الحالات التي تباح فيها للمرأة القراءة يُشرع لها سجود التلاوة إذا مرت بسجدة تلاوة ، أو استمعت لها .

وسجود الشكر وسجود التلاوة لا يشترط لهما الطهارة والأولى للمرأة إذا مرت بآية سجدة أن تسجد وهي مخمرة رأسها وإن سجدت للتلاوة بدون خمار فنرجو ألا حرج ، لأن سجود التلاوة ليس له حكم الصلاة ، وإنما هو خضوع لله سبحانه وتقرب إليه مثل بقية الأذكار وأفعال الخير ولا شيء على من مرَّ أمام ساجد سجود التلاوة ويجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة .

الركعتان المشروعتان قبل صلاة الفجر إذا أدَّاهما في المسجد كفتا عن تحية المسجد ، أما إن صلَّاهما في البيت فإنه يُشرع له إذا أتى إلى المسجد أن يصلي تحية المسجد إذا كانت الصلاة لم تقم .

إذا دخلت المسجد وكان يؤذن للصلاة فالأفضل أن تجيب الأذان أولاً ، ثم تصلي تحية المسجد للجمع بين الفضيلتين ، والأمر في ذلك واسع .

الراجح من أقوال العلماء أن ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الطواف وركعتي الوضوء والصلاة على الميت تستحب مطلقاً في أوقات النهي وغيرها ، ولا حرج في تركها ، جمعاً بين الأدلة ، فأدلة النهي محمولة على من يفعل ذلك ابتداءً ، وأدلة الجواز للسبب الطارئ ، كما نوَّه عن ذلك شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وغيرهما من المحققين .

لا يصلي من دخل المصلى لصلاة العيد ركعتين تحية قبل أن يجلس لأن صلاة التحية بالمصلى مخالف لما كان عليه العمل من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .

صلاة الجماعة واجبة ، ويأثم من تركها بغير عذر ، وإذا أطلقت فالمراد بها جماعة المسجد ومن صلى الفرائض الخمس أو واحدة منها في بيته بلا عذر فليس بكافر ، ولكنه أثم لتركه واجباً وهو الصلاة مع الجماعة بالمسجد لقول الله تعالى " وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنهُم مَّعَكَ وَليَأۡخُذُوٓاْ أَسلِحَتَهُمۡۖ " النساء 102 ، فأمر سبحانه بالصلاة جماعة في أحرج الأوقات وأشدها خوفاً .

وصلاة الاثنين فما فوقهما جماعة ، لكن كلما زاد العدد زاد الفضل ، ومن أدَّى الصلاة المفروضة في جماعة فقد عمل الواجب وأُجر عليه ، وزادت صلاته خمساً أو سبعاً وعشرين درجة عمَّا لو صلاها منفرداً .

يجب على عمال الشركة أن يصلوا مع جماعة أحد المساجد القريبة من مبنى الشركة ، وإذا سمعتَ المؤذن من مسافة تقدر بـ 800 متر فعليك أن تحضر إلى هذا المسجد تصلي فيه مع الجماعة ، أو أي مسجد آخر أيسر لك منه ، ومن ترك صلاة الجماعة يُنصح فإن لم يقبل شرع هجره .

إذا أقيمت الصلاة وشخص يؤدي تحية المسجد فإنه يقطع تلك الصلاة ولا يحتاج الأمر في الخروج منها إلى تسليم .

من كبَّر تكبيرة الإحرام حال رفع الإمام من الركوع لا يعتد بهذه الركعة ، وكذلك من كبر تكبيرة الإحرام ثم كبر تكبيرة الركوع وركع حال رفع الإمام من الركوع لا يعتد بهذه الركعة ، لأنه فاته الاشتراك مع الإمام في الركوع بقدر يكفي للاعتداد بهذه الركعة وعليه أن يأتي بركعة بدلها بعد سلام الإمام ، ومن كبر تكبيرة الإحرام ثم أدرك الإمام وهو راكع فركع معه قدراً يحقق الطمأنينة اعتد بهذه الركعة عند جمهور العلماء لحديث : " إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة " رواه ابن خزيمة ، فمن دخل والإمام راكع ثم ركع معه قبل أن يرفع فقد أدرك الركعة ، والأصل في ذلك حديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه " انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصاً ولا تعد " رواه البخاري .

لا يعتبر من أدرك مع الإمام التشهد الأخير من الصلاة مدركاً للجماعة ، لكن له ثواب بقدر ما أدرك مع الإمام من الصلاة وإنما يعتبر مدركاً للجماعة من أدرك مع الإمام ركعة على الأقل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " ، والأفضل له أن يدخل مع الإمام لعموم حديث : " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا " ، والصحيح من قولي العلماء أنما أدركه المأموم مع الإمام يعتبر أول صلاته لأن أكثر روايات الحديث الواردة في ذلك بلفظ " فأتموا " وما ورد من لفظ " فاقضوا " فهو بمعنى أتموا ، لأن الروايات يفسر بعضها بعضاً ، ولقوله سبحانه " فَإِذَا قَضَيتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ " البقرة 200 ، أي أتممتم ، ولأن ذلك هو مقتضى قواعد الشريعة ، لأن القول بجعل ما أدركه آخر صلاته يُفضي إلى أن يقدم آخر صلاته على أولها .

يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي في المساجد ، وليس لزوجها إذا استأذنته أن يمنعها من ذلك ما دامت مستترة ولا يبدو من بدنها شيء مما يحرم نظر الأجانب إليه ، لما روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن " ، وفي رواية : " لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم ، فقال بلال وهو ابن لعبد الله بن عمر : والله لنمنعهن ، فقال له عبد الله : أقول لك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت لنمنعهن " رواهما مسلم .

إذا أمَّ رجل امرأة ولو زوجته فإنها تقف خلفه لما روى أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم زاره في بيته فصلى بهم ضحى فكان أنس عن يمينه والمرأة خلفهم " ، وفي رواية " قمت أنا واليتيم خلفه وأم سليم خلفنا " رواه البخاري ومسلم .

يؤذن للمرأة أن تأتي إلى المساجد لصلاة الجمعة ولأداء سائر الصلوات في الجماعة ، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من ذلك وصلاتها في بيتها أفضل وعليها أن تراعي في ذلك آداب الإسلام .

إن المرأة يجب عليها ستر جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه والكفين لكن إذا صلت وبحضرتها رجال أجانب يرونها وجب عليها ستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان .

تصح إمامة الصبي الذي يعقل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " ، ولما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن سلمة الجرمي قال : قدم أبي من عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكثركم قرآناً ، قال : فنظروا فلم يجدوا أحداً أكثر مني قرآناً فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين " رواه الإمام أحمد .

يجوز للمرأة أن تؤم النساء وتقف وسطهن ، وإذا كانت المأمومة واحدة وقفت عن يمين من تؤمها ولا تصح إمامة المرأة للرجال لأن الإمامة في الصلاة من العبادات والعبادات ، مبنية على التوقيف .

السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام ، فإن وقفوا قدامه لم تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " ، والأفضل أن يكون في الجانب الأيمن من الصف ، سواء قرب من الإمام أو بعد لعموم حديث : " إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف " رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان .

الأصل ألا يصلي أحد إماماً بالناس في مسجد له إمام راتب إلا بإذنه لأنه بمنزلة صاحب البيت ، وهو أحق بالإمامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمنَّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه " رواه مسلم ، فإن تأخر عن وقته المعتاد حضوره فيه جاز أن يتقدم غيره للصلاة بالناس دفعاً للحرج ، فإذا حضر الإمام الراتب فله أن يتقدم للإمامة وله أن يصلي مأموماً وما فعله هذا الإمام من تأخير من تقدم وكبَّر بالناس فمن حقه والرسول صلى الله عليه وسلم تأخر مرة في السفر حين ذهب ليقضي حاجته فجاء عبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يتأخر فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن يستمر وصلى مأموماً وراء عبد الرحمن ومرة تأخر وتقدم أبي بكر ثم تأخر وتقدم صلى الله عليه وسلم .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

6 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر