الدرس الثاني والثلاثون: صلاة الفذ خلف الصف

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 8 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2216 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إذا دخل رجل المسجد وقد أقيمت الصلاة وامتلأ الصف اجتهد أن يدخل في الصف ، فإن لم يتيسر ذلك فإنه يدخل مع الإمام ويكون عن يمينه ، فإن لم يتمكن انتظر حتى يحضر من يصطف معه ، فإن لم يتيسر أحد صلَّى وحده بعد انتهاء صلاة الجماعة ، ولا يجذب أحداً ، وأما مصافة الصبيان فإن كانوا مميزين فمصافتهم صحيحة ، لما في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه أنه قال : " صففت أنا واليتيم وراءه والعجوز خلفنا " ، يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا زارهم في بيتهم ضحى ، وصلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمنفرد خلف الصف " .

يشرع أن يلي الإمام من المأمومين أولوا العلم والفضل ، وذوو الألباب والنهى لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " رواه مسلم ، والمعنى أن المشروع لأولي الأحلام والنهى أن يسابقوا إلى الصلاة حتى يكونوا خلف الإمام وليس معناه أنه يُترك لهم مكان حتى يحضروا ، وأولوا الأحلام والنهى قيل معناهما واحد ، والمراد بهما العقلاء وقيل أولوا الأحلام البالغون ، وأولوا النهى العقلاء ، ومعنى الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم من يصلي معه جماعة أن يكون البالغون العقلاء منهم خلفه في الصف الأول ، ليعقلوا عنه صلاته ، وليخلفوه في الإمامة إذا حدث به حدث في صلاته يقتضي ذلك ولينبهوه إذا سهى أو عرض له عارض في صلاته ليرجع إلى قولهم .

والسنة في صلاة الجماعة أن يقف المأموم بجانب الإمام عن يمينه متساويين ، إذا كانوا اثنين فقط لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " بِتُّ عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه " متفق عليه ، أما إذا كان قد صف عن يمينه شخص فلا بأس أن يصف الثاني عن يسار الإمام وصلاة الجميع صحيحة ، لكن السنة أن يصفا خلفه إذا تيسر ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر جابراً وجباراً لما صفا عن يمينه وشماله أن يصليا خلفه " أخرجه مسلم في صحيحه .

والسنة للصبيان إذا بلغوا سبعاً فأكثر أن يقفوا خلف الإمام كالبالغين ، لأنه إذا بلغ الذكر سبع سنوات فإنه تنعقد به الجماعة ويعدل الصف .

المغمى عليه بسبب التبنيج مثلاً لعملية جراحية أو نحوها له حكم من أغمي عليه لعلة في بدنه لا يسقط عنهما قضاء الصلاة إذا استيقظا كالنائم ، سواء استيقظا في وقتها ، أو بعد خروج وقتها .

السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً ، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً ، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر ، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر ، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة .

لا يجوز لمن نوى السفر أن يجمع العصر مع الظهر أو العشاء مع المغرب ما دام في منزله ولم يشرع في السفر ، بل تبدأ الرخصة في القصر والجمع إذا فارق عامر البلد .

إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ، ركوعاً وسجوداً واستقبال القبلة لقول الله تعالى " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱستَطَعتُمۡ " التغابن 16 ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " .

يرخص في الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم بأذان واحد وإقامة لكل منهما ، من أجل المطر الذي يبل الثياب ، ويحصل معه مشقة ، من تكرار الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء ، على الصحيح من قولي العلماء ، وكذا يجوز الجمع بينهما جمع تقديم للوحل الشديد ، على الصحيح من أقوال العلماء ، دفعاً للحرجة والمشقة ، قال الله تعالى " وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ " الحج 78 ، لفعل أبان بن عثمان رضي الله عنهما بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ، ومعه جماعة من كبار علماء التابعين ، ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً ، ذكر ذلك ابن قدامة في المغني ويرخص للمريض مرضاً شديداً أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما ، حسب ما يتيسر له ، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء دفعاً للحرج عنه ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع في حجة الوداع بين الظهر والعصر بعرفة جمع تقديم .

وإذا جمع المسافر بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء جمع تقديم ، ثم وصل إلى مقر إقامته قبل دخول وقت العصر أو بعده ، أو قبل دخول وقت العشاء أو بعده ، فإن صلاته صحيحة لكونه جمعها مع الأولى بمسوغ شرعي ، وهو السفر .

يجب على من أخرَّ صلاة المغرب إلى العشاء في السفر أن يبدأ بصلاة المغرب أولاً ، فإن دخل مع من يصلي العشاء ونواها عن صلاة المغرب وجلس في الركعة الثالثة فصلاته صحيحة .

إذا وصل المسافر إلى بلده وقد أخرَّ صلاة الظهر ، فإنه يصليها أولاً رباعية في وقتها بدون قصر ، ثم يصلي العصر مع الجماعة في وقتها .

صلاة الاستخارة وصفتها جاءت في الحديث الشريف الذي رواه الجماعة إلا مسلماً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال : عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال : عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به ، ويسمي حاجته " ، وإن حفظت الدعاء للاستخارة وقرأته من الكتاب فالأمر في ذلك واسع ، وعليك الاجتهاد في إحضار قلبك والخشوع لله ، والصدق في الدعاء ويشرع بعد ذلك أن تستشير من تثق به من أهل النصح والخبرة ، ومتى انشرح صدرك لأحد الأمرين فذلك هو علامة أن الله اختار لك ذلك الشيء ، ويكون دعاء الاستخارة بعد التسليم من صلاة الاستخارة .

صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " .

إقامة الجمعة واجبة على المسلمين في قراهم يوم الجمعة ويشترط في صحتها الجماعة ولم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها ، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر ، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانها ظهراً من أجل نقص العدد عن أربعين ، على الصحيح من أقوال العلماء .

إذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمَّن صلى العيد إلا الإمام ، فإنها لا تسقط عنه ، إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة وممن قال بذلك : الشعبي ، والنخعي ، والأوزاعي ، وهذا مذهب عمر وعثمان وعلي وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن الزبير ومن وافقهم من أهل العلم ، والأصل في ذلك ما روى إياس ابن أبي رملة الشامي قال : " شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم : هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنع ؟ قال : صلَّى العيد ثم رخَّص في الجمعة ، فقال : من شاء أن يصلي فليصل " رواه أبو داود ، والإمام أحمد ولفظه : " من شاء أن يجمع فليجمع " ، أما القول بوجوب الجمعة على البادية ، فلا أصل له في الشرع المطهر ، وكانت البوادي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول مكة والمدينة وغير ذلك من الجزيرة ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بصلاة الجمعة ، وإنما كانوا يصلون ظهراً ، ولأن طبيعة البادية التنقل والتفرق في الأرض بطلب الرعي والماء ، ومن رحمة الله سبحانه أن أسقط عنهم فرض الجمعة ، ولأن لهم شبه بالمسافرين ، والمسافر لا جمعة عليه ، وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم أسفاراً كثيرة لا تحصى ، ولم يُعلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام الجمعة في شيء من أسفاره ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه في حجة الوداع صلى يوم الجمعة ظهراً ، ولم يُصَلِّ جمعة ، وكان ذلك في يوم عرفة بمشهد الجم الغفير من المسلمين ، فعُلم بذلك عدم شرعية الجمعة للمسافرين وأمثالهم من البادية .

تصح في أصح قولي العلماء إمامة المسافر للمقيمين في الجمعة إذا كان أهلاً للإمامة .

ويُجمع بين الأحاديث في صلاة الجمعة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة بعد الزوال أكثر الأحيان ، ويصليها قبل الزوال قريباً منه أحياناً ، وعلى هذا فالأولى أن تُصَلَّى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وخروجاً من الخلاف ، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية ، وأن فيها سعة ، فمن صلى قبل الزوال قريباً منه فصلاته صحيحة ، إذ في تحديد أول وقت صلاة الجمعة خلاف بين العلماء ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن أول وقتها هو أول وقت الظهر وهو زوال الشمس ، فلا تجوز صلاتها قبل الزوال بكثير ولا قليل ، ولا تجزئ لقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : " كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتبع الفيء " رواه البخاري ومسلم ، ولقول أنس رضي الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس " رواه البخاري ، وقال جماعة : لا يجوز قبل السادسة أو الخامسة ، وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن أول وقتها هو أول وقت صلاة العيد ، أما الزوال فهو أول وقت وجوب السعي إليها ، واستدلوا لجواز صلاتها قبل الزوال بقول جابر رضي الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي - يعني الجمعة - ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس " رواه مسلم ، وعلى هذا فالأولى أن تُصَلَّى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وخروجاً من الخلاف .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

6 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر