الدرس الثالث والثلاثون: صلاة الجمعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 10 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1807 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

ينبغي الإنصات وعدم التشويش عند سماع الخطبة يوم الجمعة ، وإذا صلى الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي المستمع من غير رفع صوت .

جمهور العلماء على أن من فاتته صلاة الجمعة في الجماعة صلَّاها ظهراً ، فإن كان مسافراً سفراً تُقصر فيه الصلاة صلى ركعتين ينوي بهما الظهر .

دعاء الإمام في الخطبة للمسلمين مشروع ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، ولكن ينبغي للإمام ألا يلتزم دعاءً معيناً ، بل ينوع الدعاء بحسب الأحوال ، أما كثرته وقلته فعلى حسب دعاء الحاجة إلى ذلك ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الدعاء ثلاثاً في بعض الأحيان ، وربما كرره مرتين ، فالسنة في الخطيب أن يتحرى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ودعواته والأفضل إذا دعا الخطيب أن يعم بدعوته حكام المسلمين ورعيتهم ، وإذا خص إمام بلاده بالدعاء بالهداية والتوفيق فذلك حسن لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين إذا أجاب الله الدعاء ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات ، أما التلفظ بالتأمين على دعائه فلا بأس به لعموم الأدلة .

ومن السنة أن يسلم الخطيب على الجماعة إذا صعد على المنبر قبل أن يجلس ، والأصل في خطبة الجمعة تعليم الناس أمور دينهم ، ووعظهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وتوجيههم إلى ما فيه مصلحتهم في الدنيا والآخرة .

لا يجوز تشميت العاطس ولا رد السلام والإمام يخطب ، على الصحيح من أقوال العلماء ولا يجوز لمن دخل والإمام يخطب يوم الجمعة إذا كان يسمع الخطبة أن يبدأ بالسلام على من في المسجد ، وليس لمن في المسجد أن يرد عليه والإمام يخطب ، لكن إذا ردَّ عليه بالإشارة جاز ، ولا يجوز له أن يطلب من أحد أن يجلس ولا أن يطلب من المتكلم أن يسكت إذا كان يسمع الخطبة ، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت ، والإمام يخطب فقد لغوت " رواه البخاري ومسلم .

ولا يجوز الكلام أثناء أداء الخطيب لخطبة الجمعة ، إلا لمن يكلم الخطيب لأمر عارض ، ولا تجوز الصلاة كذلك إلا لداخل أثناء الخطبة يصلي ركعتين خفيفتين تحية للمسجد ، ثم يجلس يستمع ويشرع أن ينصح الخطيب أثناء خطبة الجمعة من يراه يؤذي الناس الموجودين بالمسجد ، وأن ينصح من يراه دخل المسجد وجلس ولم يصلِ ركعتين ، بأن يصلي تحية المسجد ، لثبوت السنة بذلك .

الرجل يكون منصتاً لخطبة الجمعة ، ثم يفاجأ بأحد المجاورين له في المسجد يمد يده للمصافحة والإمام يخطب فإنه يصافحه بيده ولا يتكلم ، ويرد عليه السلام بعد انتهاء الخطيب من الخطبة الأولى إذا سلم عليه والإمام يخطب الخطبة الأولى ، وإن سلم عليه في الخطبة الثانية يرد السلام بعد انتهاء الخطبة الثانية .

يصلي الحاضر لخطبة الجمعة على النبي صلى الله عليه وسلم سراً في نفسه عندما يأتي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من الخطيب في الخطبة ويجوز للإمام بعد نهاية الخطبة أن يقول أقم الصلاة وكذلك إذا قال الخطيب في نهاية الخطبة فاذكروا الله يذكركم يقول السامع لا إله إلا الله .

ليس لصلاة الجمعة سنة راتبة قبلها ، لكن يشرع التنفل بما شاء قبل دخول الإمام .

وردت الأدلة من السنة بالنهي عن التشبيك بين الأصابع في الصلاة أو إذا كان في انتظارها أو في الطريق إليها ، فمن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكنَّ فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج " ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : إسناده حسن وله شواهد تدل على صحته .

لم يثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية .

صلاة العيدين الفطر والأضحى كل منهما فرض كفاية ، وقال بعض أهل العلم أنهما فرض عين كالجمعة وليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها وتصليها في المصلى مع المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن بذلك ، ولا يمنع الأولاد من الحضور إلى مصلى العيد إذا كانوا أبناء سبع سنين فأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " ، ولا نعلم دعاءً خاصاً يشرع للمسلمين في صلاة العيد أو يومه ولكن يشرع للمسلمين التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد في ليلتي العيدين وصباح يومهما إلى انتهاء الخطبة من يوم عيد الفطر ، وإلى انتهاء أيام التشريق يوم عيد النحر ، كما شرع ذلك في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة لقوله سبحانه " وَلِتُكمِلُواْ ٱلعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمۡ " البقرة 185 .

إذا صلى المسلمون صلاة العيدين أو الاستسقاء خارج البلد في البرية فلا يشرع لمن أتى المصلى أن يصلي تطوعاً ، لا تحية المسجد ولا غيرها وذلك عملاً بما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم عيد الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها " ، وإن أقيمت صلاة العيدين أو الاستسقاء في أحد مساجد البلد فلا بأس بصلاة تحية المسجد عند الدخول ولا يتنفل في موضع صلاته غيرها .

ومن فاتته وأحبَّ قضاءها استحب له ذلك ، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها ، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا " ، وما رُوي عن أنس رضي الله عنه " أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما " ، ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين .

الصحيح أن التكبيرات في العيدين سبع في الأولى بتكبيرة الإحرام ، وخمس في الأخرى غير تكبيرة القيام لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، أما الأذكار بين التكبيرات فلا نعلم فيها سنة ثابتة ، وإنما ذلك مروي عن عبد الله بن مسعود ، وحذيفة وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم ، ورواه عنهم أبو بكر الأثرم ، حسب ما ذكره صاحب المغني رحمه الله .

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر ، وأمر بإعلان النكاح ، والاحتفال بمناسبة الزواج والانتقال بالعروس إلى دار زوجها من إعلان النكاح فكان مشروعاً إلا إذا كان فيه غناء منكر أو اختلاط نساء برجال ، أو ما أشبه ذلك من المحرمات .

قد يعرف وقت خسوف القمر وكسوف الشمس عن طريق حساب سير الكواكب ، ويعرف به كذلك كون ذلك كلياً أو جزئياً ولا غرابة في ذلك لأنه ليس من الأمور الغيبية بالنسبة لكل أحد ، بل غيبي بالنسبة لمن لا يعرف علم حساب سير الكواكب وليس بغيبي بالنسبة لمن يعرف ذلك العلم لكونه يستطيع أن يعرفه بسبب عادي ، وهو هذا العلم ، ولا ينافي ذلك كون الكسوف أو الخسوف آية من آيات الله تعالى التي يخوف بها عباده ليرجعوا إلى ربهم ، ويستقيموا على طاعته ، لكن لا يجوز تصديقهم ولا العمل بقولهم لأنهم قد يخطئون ، وإنما العمدة على رؤية الكسوف ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم " .

الصحيح أن من فاته الركوع الأول من صلاة الكسوف لا يعتد بهذه الركعة ، وعليه أن يقضي مكانها ركعة أخرى بركوعين لأن صلاة الكسوف عبادة ، والعبادات توقيفية ، فيقتصر فيها على ما ثبت من كيفيتها في الأحاديث الصحيحة .

إذا نسي التكبير الذي بعد تكبيرة الإحرام في صلاة الاستسقاء ، أو الأعياد حتى شرع في قراءة الفاتحة فالأفضل أنه يستمر في القراءة ، ولا يعود إلى التكبير لكونه سنة من غير خلاف ، فيما نعلم .

السنة في رفع اليدين في الاستسقاء أن يجعل بطون يديه إلى السماء وظهورهما إلى الأرض لما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سألتم الله تعالى فاسألوه ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورهما " رواه أبو داود وابن ماجه .

الحكمة في قلب الملابس في صلاة الاستسقاء ، ذكر كثير من الفقهاء أن الحكمة في ذلك والله أعلم هو التفاؤل بالتحول من حال الشدة إلى حال الرخاء .

المصائب من الأمراض والعاهات والأحزان سبب في حط خطايا وتكفير ذنوب المؤمن ، فقد ثبت في أحاديث كثيرة أنها تحط الخطايا ، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفَّر الله به سيئاته " أخرجه البخاري ومسلم ، ويقول المصاب عند المصيبة " إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ " البقرة 156 ، " اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها " .

التلقين بعد الموت غير مشروع بل بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاءه الراشدين ولا بقية الصحابة رضي الله عنهم والأحاديث الواردة في ذلك غير صحيحة ، وإنما التلقين المشروع هو تلقين المحتضر قبل موته كلمة التوحيد لا إله إلا الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله " أخرجه مسلم ، والمراد بالموتى هنا المحتضرون ، كما أوضح ذلك أهل العلم .

لا يجوز وطء القبور ولا الجلوس عليها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، ولما فيه من إهانتها ، ويأثم من فعله ، وينبغي الإنكار عليه ونصحه ، أما قطع الشجر فلا بأس به إذا دعت الحاجة إلى ذلك .

أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " وهذا محمول على من ترك مالاً يُقضى منه دينه ، أما من لا مال له يقضى منه فيرجى ألا يتناوله هذا الحديث لقوله سبحانه " لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَاۚ " البقرة 286 ، وقوله سبحانه " وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيسَرَةٖۚ " البقرة 280 ، كما لا يتناول من بيَّت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ومات ولم يتمكن من الأداء لما روى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

8 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر