الدرس الرابع والثلاثون: سداد الدين عن الميت

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 10 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2668 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يلزمكم تعجيل سداد دين البنك العقاري ولا مانع من تأجيل ذلك إلى وقته ولا يضر والدكم ذلك إن شاء الله لأن المسلمين على شروطهم ، ويعتبر ما لم يُسدد من هذا القرض ديناً يسدد من تركته كسائر الديون في وقتها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقضى عنه " أخرجه أحمد

هناك آثار وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ثواب المرأة التي توفيت وهي حبلى منها ما رواه الإمام مالك في الموطأ وأحمد في المسند وأبو داود وابن ماجه والنسائي في سننهم وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن جابر بن عتيك قال : قال صلى الله عليه وسلم : " الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله : المقتول في سبيل الله شهيد ، والمطعون شهيد ، والغريق شهيد ، والمبطون شهيد ، وصاحب الحريق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجمع شهيد " وقال النووي : حديث صحيح ، ومعنى قوله " والمرأة بجمع " بضم الجيم وكسرها التي تموت بالولادة ، يعني ماتت مع شيء مجموع فيها منفصل عنها .

إذا حضرت المسلم الوفاة وجه إلى القبلة حتى إذا تيقنت وفاته غمضت عيناه ودعي له ولا يذكر عنده إلا الخير ، لما روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين المقربين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه " ، ويُشد لحياه لئلا يبقى فمه مفتوحاً بعد أن يبرد وتنزع ثيابه عنه ويغطى بثوب يستره جميعه ويستحب الإسراع بتجهيزه لئلا يتغير ثم يجرد لتغسيله ويستر من سرته إلى ركبته حين تغسيله ولا يحضر إلا من يعين في غسله ويشرع الإسراع في قضاء دينه إبراءً لذمته وتنفيذ وصيته لينتفع بثوابها ويكفن في ثلاثة أثواب بيض ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويدعى له بالمغفرة بعد دفنه .

تشييعه إلى المقبرة مع السكوت لا مع ذكر وقراءة قرآن عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والقرون الأولى التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير .

اذا تبين موت المسلم شرع لمن حوله تغميض عينيه وشد لحيته وتسجيته والإسراع في تجهيزه ابتداءً بغسله الغسل الشرعي فيغسل يديه ثم ينجيه ثم يوضئه وضوء الصلاة ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه من صابون أو أشنان ثم يفيض الماء على شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة ، وإن لم ينق زاد إلى خمس أو سبع ويجعل في الأخيرة كافوراً إن تيسر ويجعل الطيب بعد في مغابنه ومواضع سجوده وإن طيبه كله فحسن وإن اكتفى بغسلة واحدة جاز ذلك والمرأة يضفر رأسها ثلاثة قرون وتجعل من ورائها ، ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة يدرج فيها إدراجاً ، ويجوز أن يكفن في قميص وإزار ولفافة أو لفافة فقط ، والمرأة تكفن في خمسة أثواب في درع ومقنعة وإزار ولفافتين وإن كفنت في لفافة واحدة جاز ، ويصلى عليه الصلاة الشرعية يكبر ويقرأ الفاتحة ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر ويدعو للميت وإن جاء بنص الدعاء المأثور فهو حسن ومنه : " اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته فأحيه على الإسلام ومن توفيته فتوفَّه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأدخله الجنة وقه فتنة القبر وعذاب النار " ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه ، ولا يجوز أن يتبع بأنوار ولا أن ترفع الأصوات معه بدعوات ولا تهليلات ، ويوضع في لحد إن أمكن وإلا قص شق وبعد تسوية قبره يستحب أن يقف الحاضرون عليه ويستغفرون له ويدعون له بالثبات ، ولا يجوز أن يؤخر إلا في حدود حاجة تجهيزه أو انتظار حضور أقاربه أو جيرانه إذا لم يطل ذلك عرفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أسرعوا بالجنازة " الحديث ، ولا يجوز أن يقام له مأتم سرادقات ونحوها بما يسمى بمراسم العزاء ، ويصلي على قبره من لم يحضر الصلاة عليه إذا كان في المدينة التي هو فيها إلى حدود شهرين فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد وقد مضى على دفنها شهر ، ولا يجوز دفن المسلم في مقابر النصارى ولا غيرهم من الكفرة كاليهود والشيوعيين وعباد الأوثان .

والميت الذي مات ودفن ويوجد به أسنان ذهب ليس عليه إساءة في ذلك فإن قدر على نزعها قبل الدفن ولم يترتب على نزعها ضرر عليه فإنها تنزع ، فإن دفن ولم تنزع فلا ينبش لنزعها ، قال أحمد في الميت تكون أسنان مربوطة بذهب : إن قدر على نزعه من غير أن تسقط بعض أسنانه نزعه وإن خاف سقوط بعضها تركه ، ويشرع تغسيل المسلم المنتحر والصلاة عليه وهكذا غيره من العصاة مع الدعاء لهم بالعفو والمغفرة .

الجنازة إذا كانت محمولة على السيارة فالأمر في ذلك واسع ، فقد دلت السنة على أن المشيعين للميت يكونون أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله غير أنه من الأفضل أن يكون المشاة أمامه والركبان خلفه لما ورد في ذلك من الأحاديث .

لا يكشف وجه الميت في القبر سواء كان رجلاً أو امرأة لعدم الدليل على ذلك ، ولا نعلم ما يدل على مشروعية وضع شيء من طينة القبر بعد خلطه بالماء عند رأس الميت بل تحري ذلك بدعة .

لا يجوز للرجل أن يغسل غير زوجته من الإناث سواء كنَّ محارم أم أجنبيات إلا الطفلة الصغيرة التي ماتت دون سبع سنوات فله أن يغسلها وإن ماتت امرأة بين رجال فقط ليس فيهم زوج لها ولا امرأة يممت بالنية عن الوضوء والغسل جميعاً تغليباً لجانب المحافظة على عورتها ، ويجوز للرجل أن يغسل زوجته ، كما يجوز للزوجة أن تغسل زوجها والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : " ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك " رواه أحمد ، وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها وأوصت فاطمة رضي الله عنها أن يغسلها علي رضي الله عنه ، وليس للمرأة أن تغسل من بلغ سبعاً من الذكور سواء كان ابنها أو غيره ، وليس للرجل أن يغسل من بلغت سبعا من الإناث سواء كانت ابنته أو غيرها .

مجرد مس جسد الميت لا ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل إلا إذا مس الفرج من غير حائل فإنه ينتقض وضوء الماس بذلك .

الشهيد في المعركة خاصة فإنه لا يغسل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغسل شهداء المعركة ولم يصل عليهم .

من قُتل دون ماله أو نفسه أو عرضه فهو شهيد من حيث الفضل والأجر ولكنه ليس له حكم شهيد المعركة فيغسل ويكفن ويصلى عليه كما ثبت في سنن أبي داود عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قُتل دون دينه فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد " وصححه الترمذي ، وقد قُتل عمر رضي الله عنه مظلوماً وغسله الصحابة رضي الله عنهم وصلوا عليه وهكذا عثمان وعلي رضي الله عنهما قد قُتلا مظلومين وغُسِّلا وصلى عليهما الصحابة رضي الله عنهم .

نرجو أن يكون من مات في الحادث شهيداً لأنه يشبه المسلم الذي يموت بالهدم وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد .

الأطفال في الدنيا يعاملون معاملة آبائهم وأمهاتهم فمن كان أبواه مسلمين أو كان أحدهما مسلماً عومل معاملة المسلمين في الغسل والكفن والصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين وفي إرث أقاربه المسلمين منه ، وإن كان أبواه كافرين عومل معاملة الكافرين أما حكمهم بالنسبة للآخرة فإن كان آباؤهم كفاراً فأمرهم إلى الله العليم الحكيم العدل الرؤوف الرحيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أولاد المشركين قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " ، سبحانه لا يظلم مثقال ذرة وهو اللطيف الخبير وإن كان أبواه أو أحدهما مسلماً فهو من أهل الجنة بفضل الله تعالى .

إذا سقط الجنين وقد أتمَّ أربعة أشهر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه على الصحيح من أقوال العلماء لعموم ما رواه أبو داود والترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السقط يصلى عليه " ، كما يسن أن يُعق عنه كما يُفعل بالكبير من المسلمين ويدفن في مقابر المسلمين ويُسمَّى ، أما إذا لم يتم أربعة أشهر فلا ، لأنه لم ينفخ فيه الروح .

تجوز صلاة الجنازة على الميت الغائب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع النجاشي وليس ذلك خاصاً به ، فإن أصحابه رضي الله عنهم صلوا معه على النجاشي والأصل عدم الخصوصية لكن ينبغي أن يكون ذلك خاصاً بمن له شأن في الإسلام لا في حق كل أحد .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

8 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر