الدرس الثالث والستون : المرأة وبعض أحكامها

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 6 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 2113 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم المرأة والرفع من شأنها وإحلالها المكان اللائق بها رعاية لها وحفظاً لكرامتها فأوجبت على وليها وزوجها الإنفاق عليها وحسن كفالتها ورعاية أمرها ومعاشرتها المعاشرة الحسنة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " .

وأعطى الإسلام للمرأة ما يناسبها من جميع الحقوق والتصرفات الشرعية " وَلَهُنَّ مِثلُ ٱلَّذِي عَلَيهِنَّ بِٱلمَعرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " البقرة 228 ، من مختلف أنواع المعاملات من البيع والشراء والصلح والوكالة والعارية والوديعة وغيرها ، وأوجب عليها ما يناسبها من العبادات والتكاليف مثل ما على الرجل من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها من العبادات الشرعية .

ولكن الشريعة جعلت للمرأة في الميراث نصف ما للرجل لأنها ليست مكلفة بالنفقة على نفسها ولا بيتها ولا أولادها وإنما المكلف بذلك الرجل ، كما أن الرجل تعتريه النوائب في الضيافة والعقل والصلح على الأموال ونحو ذلك ، كما إن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد في بعض المواضع لأن المرأة يعتريها النسيان أكثر بسبب ما ركب في جبلتها بما يعتريها من العادة الشهرية والحمل والوضع وتربية الأولاد كل ذلك قد يشغل بالها وينسيها ما كانت تذكره .

ولذلك دلت الأدلة الشرعية على أن تتحمل أختها معها الشهادة ليكون ذلك أضبط لها وأحكم لأدائها على أن هناك من الأمور الخاصة بالنساء ما يكفي فيها شهادة المرأة الواحدة كمعرفة الرضاع وعيوب النكاح ونحوها .

والمرأة مساوية للرجل في الأجر والإثابة على الإيمان والعمل الصالح وبالاستمتاع بالحياة الطيبة في الدار الدنيا والأجر العظيم في الدار الآخرة ، قال تعالى " مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجزِيَنَّهُمۡ أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُواْ يَعمَلُونَ " النحل 97 ، فبذلك يعرف أن المرأة لها حقوق وعليها واجبات كما إن الرجل له حقوق وعليه واجبات وهناك أمور تناسب الرجال جعلها الله سبحانه منوطة بالرجال ، كما أن هناك أموراً تلائم المرأة جعلها الله منوطة بالنساء .

والمرأة خُلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها فإن أراد الزوج إقامتها على الجادة وعدم اعوجاجها أدى إلى الشقاق والفراق وهو كسرها ، وإن صبر على سوء حالها وضعف عقلها ونحو ذلك من عوجها دام الأمر واستمرت العشرة .

دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء لعموم حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلَّغه أن فارساً ولوا أمرهم امرأة قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري ، فإن كلاً من كلمة قوم وكلمة امرأة نكرة وقعت في سياق النفي فتعم ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن وضعف فكرهن وقوة عاطفتهن فتطغى على تفكيرهن ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها فيضطر إلى الأسفار في الولايات والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها رجالاً ونساءً في السلم والحرب ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة وما يتعلق بها من أحكام شُرعت لحماية عرضها والحفاظ عليها من التبذل الممقوت .

ويشهد لذلك أيضاً إجماع الأمة في عصر الخلفاء الراشدين وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير إجماعاً عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى المرأة ، وقد كان منهن المثقفات في علوم الدين اللائي يُرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة وما يتصل بها من المناصب والزعامات العامة .

ويشهد كذلك أيضاً ما دلت عليه التجربة فيما وقع قديماً قبل هذه الأمة مع قلته ووجود الملجئ الداعي إليه من تولي بلقيس الملك باليمن فإنها ضعفت نفسها وانهارت أعصابها حينما وصلها كتاب نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام رغم أن قومها قد بيَّنوا لها أنهم أولو قوة وأولو بأس شديد وأنهم على استعداد لحرب من تحدثه نفسه بمناوأتهم والاعتداء على دولتهم دفاعاً عنها وحفظاً على ملكها وأن يردوا كيده في نحره فلم يُذهب ذلك ما بنفسها من اضطراب وخور خوفاً على ملكها أن يُسلب وعلى عزها ومجدها أن يذهب وجبنت عن الجهاد وحماية ملكها ورد العدوان على بلادها بقوة السلاح ورأت أن ترسل إلى سليمان بهدية عسى أن يرضى ويكف عن الهجوم على بلادها ويحقق السلم والسلام لملكها ولبلادها ولكنَّ نبي الله سليمان عليه السلام رجل الإصلاح والهداية وشدة البأس وقوة السلطان لم ينخدع بهدية المال بل قال ما قصَّه الله عنه في القرآن " بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفرَحُونَ " النمل 36 ، ثم أمر سليمان عليه السلام بإحضار عرشها فأُحضر ، فلما جاءت قيل لها " أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ " النمل 42 ، وقيل لها " ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتهُ حَسِبَتهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفسِي وَأَسلَمتُ مَعَ سُلَيمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ " النمل 44 ، فأنت ترى من هذه القصة ما أصاب بلقيس من ذعر وخوف حينما جاءها كتاب سليمان عليه السلام وفيه تهديد وإنذار وأمر بالاستسلام فجبنت عن مواجهته في ميدان مع أن قومها أعلنوا إليها أنهم أولو قوة وبأس شديد ومع أن شأن الملوك الأنفة والتعالي والغيرة على الملك والحرص عليه ولجأت إلى طريق المخادعة بالمال شأن الضعفاء عسى أن تسلم ويسلم لها ملكها ، أضف إلى ذلك ما أصابها من دهشة جعلتها تشك في عرشها ومن إعجاب بالغ بملك سليمان عليه السلام ملكت عليها مجامع قلبها شأنها في ذلك شأن أخواتها من النساء اللاتي يتأثرن بالمظاهر لقوة عاطفتهن فخضعت لسليمان عليه السلام وانقادت لدعوته وأسلمت وجهها معه لله رب العالمين .

لا يجوز للرجل النظر للمرأة أكثر من نظر الفجأة إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك كما في حالة الإنقاذ من غرق أو حريق أو هدم أو نحو ذلك أو في حالة كشف طبي أو علاج مرض إذا لم يتيسر أن يقوم بذلك أحد من النساء ، ويحرم النظر إلى المرأة الأجنبية عمداً لقوله تعالى " قُل لِّلمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبصَٰرِهِمۡ " النور 30 .

فالنظر إلى النساء الأجنبيات محرم والواجب غض البصر وهكذا الخلوة بالأجنبية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم " فنوصيك بالحذر من النظر إلى النساء أو الخلوة بأحد منهن ففيه الفتنة ، ويجر إلى فعل الفاحشة وقد قال الله تعالى " قُل لِّلمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبصَٰرِهِمۡ وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ " النور 30 ، وإذا كان ذلك في رمضان فالإثم أشد لأنه يؤثر على الصيام لكنه لا يبطله إلا إذا كرره وخرج منه مني فإنه يقضي ذلك اليوم مع التوبة إلى الله ، والنظر إلى صورة المرأة في الجرائد وغيرها وسيلة إلى التلذذ بها ومعرفة ذات الصورة ومعرفة جمالها وهذا قد يكون وسيلة إلى الحصول عليها فيحرم لأن الوسائل لها حكم الغايات ، ويحرم على المرأة أن تكشف وجهها وأن تبتسم للرجل الأجنبي لما يفضي إليه ذلك من الشر .

يحرم على الرجل ملامسة المرأة الأجنبية لما يفضي إليه ذلك من الفتنة والفساد وقد جاء من التشديد في ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " قال المنذري : رواه الطبراني في الكبير والبيهقي ورجاله ثقات رجال الصحيح ، فلا يجوز للرجل أن يمس يد امرأة لا تحل له لما في ذلك من الفتنة والأصل في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مسَّت يده يد امرأة قط ، كما ثبت في صحيح البخاري وفي بعضها قوله صلى الله عليه وسلم " إني لا أصافح النساء " ، هذا هديه صلى الله عليه وسلم ولأمته فيه أسوة حسنة .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

5 - 12 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر