الدرس الرابع والستون : الحجاب

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 8 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 1856 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز للمرأة المسنة العجوز ولا غيرها من النساء مصافحة الرجل الأجنبي عنها لقوله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء " رواه مالك وابن ماجه وأحمد والنسائي ، وهذا يعم الكبيرة والصغيرة لخوف الفتنة .

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلو رجل بامرأة إلا مع الزوج أو المحرم " أي لا يحل لرجل أن ينفرد بامرأة أجنبية منه في مكان لا يراهما فيه أحد إلا إذا كان معها زوجها أو محرم لها خشية الفتنة وأن يقع منهما ما يغضب الله تعالى من الفاحشة أو وسائلها .

لا يجوز للسائق الخلوة بالنساء ، فإذا أراد الذهاب بإحدى النساء يذهب معها محرم لها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " ، ووجودها مع السائق في السيارة بدون محرم خلوة .

فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " ، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : " كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير فهل بعده من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه .

وإنني أدعو كل مسلم أن يتق الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف ، وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء .

يجب على المرأة أن تغطي وجهها ويديها هذا هو الأصل ، والذي دلت عليه الأدلة الشرعية أن ستر وجه المرأة واجب في حضرة غير محارمها لأنه مجمع الزينة التي أمر المؤمنات ألا يبدينها لغير محارمهن في قول الله سبحانه " وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ " النور 31 ، ولا خلاف بين العلماء فيما نعلم أن رأس المرأة وشعرها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وإنَّ كشف ذلك لغير المحارم حرام قال الله تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ " الأحزاب 59 ، قالت أم سلمة " لما نزلت هذه الآية " يُدۡنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ " خرج نساء الأنصار كأنَّ على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها " ، وقال ابن عباس " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " ، وقال محمد بن سيرين " سألت عبيدة السلماني عن قول الله " يُدۡنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ " ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى " ، وقد بيَّن الله الحكمة في ذلك بقوله " ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤۡذَينَۗ " الأحزاب 59 ، أي ذلك الستر أقرب إلى أن يُعرفن بالعفة وصيانة العرض فلا يتعرض لهن أحد بغرض ريبة طمعاً فيهن ورغبة في أن يتمتع بهنَّ أو يقضي وطره منهنَّ وجلباب المرأة هو الملاءة التي تلتف بها .

وقال تعالى " وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ " النور 31 ، الخمار غطاء رأس المرأة ، وهو لها بمنزلة العمامة للرجل ، وجيب الثوب فتحته التي يدخل منها الإنسان رأسه إذا لبسه ويخرجه منها إذا خلعه ، وضرب الخمار على الجيب إضفاؤه عليه مع إحكام الستر به ، والمعنى وليلقين بالطرف الزائد من غطاء رؤوسهن على نحورهن ويتقنعن به تقنعاً محكماً ليتم لهن بذلك كمال ستر النحور والأعناق مع الرؤوس فلا يُرى منها شيء ، وروى البخاري من طريق عائشة رضي الله عنها أنها قالت " يرحم الله النساء المهاجرات الأُول لما أنزل الله " وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ " شققن مروطهن فاختمرن بها " رواه البخاري ، أي : غطين رؤوسهن .

وروى ابن أبي حاتم وأبو داود في سننه من طرق صفية بنت شيبة قالت " بينما نحن عند عائشة رضي الله عنها قالت : فذكرنا نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة : إن لنساء قريش لفضلاً وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل ، لقد أُنزلت سورة النور " وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ " انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات وكأن على رؤرسهن الغربان " ، فهذه عائشة أم المؤمنين فهمت من الآية الأمر بستر المرأة رأسها عن غير محارمها وأثنت على النساء المهاجرات وعلى نساء الأنصار أكثر لفهمهن من القرآن وجوب ستر المرأة رأسها عن غير محارمها ومسارعتهن إلى العمل بذلك وأثنت على رجال الأنصار حيث تلوا على أهليهم وذوي قرابتهم آيات القرآن التي تشرح ما يجب من ستر العورات وصيانة الأعراض وسد ذرائع الفتنة وكل هؤلاء عرب أُنزل القرآن بلغتهم ففهموه الفهم الصحيح ثم كان من القيم البلاغ ومن نسائهم التنفيذ إيثاراً لكتاب الله وشرعه ومخالفة لما كان عليه أهل الجاهلية من كشف العورات ، وروى الترمذي عن طريق ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المرأة عورة " وقال الترمذي : حسن صحيح .

إن البيئات التي طغى فيها الانحلال وفساد الأخلاق والأوساط التي عمَّ فيها الاستهزاء بالمحافظات والسخرية من العفيفات المتسترات توجب على الفتاة المسلمة أن تعتصم بدينها أكثر وأن تكون المقاومة لديها أشد وأن تعتد بنفسها وبأخلاقها وبعاداتها الكريمة التي ورثتها من بيئتها الأولى الإسلامية حتى تكون مثلاً يحتذي حذوها من رآها من أخواتها المسلمات ويتشجعن على التحلي بما يصون عفافهن ويقطع الأطماع فيهن ويحفظ عليهن كيانهن من الانحدار فيما هوى فيه من ضعفت عزيمتها وهانت عليها نفسها ودينها وإنسانيتها .

والواجب على المرأة المحرمة كشف وجهها ويديها لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " أخرجه البخاري ، لكن إذا رأت الرجال الأجانب فإنها تستر وجهها ويديها ، والأصل في ذلك ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه " .

فلا يجوز للمرأة أن تلبس النقاب وهي محرمة ولا أن تكشف وجهها بحضور الرجال الذين ليسوا لها بمحارم سواء كانت محرمة أو غير محرمة ولكن تسدل شيئاً من خمارها على وجهها ، فالمرأة الحرة عورة يحرم عليها كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب منها سواء كانت في الصلاة أو في حالة إحرام أو في غير ذلك من الحالات العادية .

يحرم على الزوجة طاعة زوجها فيما حرم الله لأنه " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ، ومن ذلك كشف وجهها أمام غير محارمها من الرجال ، ويجب عليها الالتزام بالحجاب الشرعي الكامل طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك الوجه والكفان .

ولا يجوز طاعة الوالد أو الوالدة في ترك الحجاب لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ، ولكن يجب تفهيمهما الأمر الشرعي بلطف وأدب ولين كلام ومحاورتهما بالتي هي أحسن لعل الله يهديهما ويشرح صدرهما لامتثال الأمر الشرعي .

الأصل أن المرأة تذهب إلى طبيبة نساء مسلمة إذا وُجدت ، وإلا فنصرانية ، وإذا تعذر وجود امرأة واضطرت إلى طبيب فإنها تذهب إلى طبيب مسلم ومعها وليها ، وإن تعذر وجود طبيب مسلم جاز الذهاب إلى طبيب نصراني .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

7 - 12 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر