الدرس الخامس والستون : الحجاب 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 8 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 2907 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز لمسلم أن يأخذ نساءه إلى الخارج للنزهة في بلاد تكثر فيها الفتن والمغريات بالشر لما في ذلك من المفاسد والفتن العظيمة وفي ربوع المملكة وأماكنها السياحية مع السلامة في الدين غنية عن الخارج .

على المرأة أن تحتشم وتتحلى بالحياء حتى ولو لم ينظر إليها إلا النساء ولا تكشف لهن إلا ما جرت العادة بكشفه ودعت له الحاجة كالخروج لهن في ثياب البذلة مكشوفة الوجه واليدين وأطراف القدمين ونحو ذلك ، وذلك أستر لها وأبعد عن مواطن الريبة ويحرم على المرأة أن تلبس اللباس الذي فيه تشبه بالكافرات ولو كان ساتراً فضلاً عن القصير والضيق والشفاف لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من تشبَّه بقوم فهو منهم " ، ولا يجوز للمرأة لبس ما يصف جسمها لضيقه أو رقته لما في ذلك من الفتنة للرجال والقدوة السيئة للنساء .

وجه المرأة عورة كما دلَّت على ذلك الأدلة الشرعية ، أما ما يجوز للمرأة أن تبديه من زينتها لمحارمها غير زوجها فهو وجهها وكفاها وخلخالها وقرطاها وأساورها وقلادتها ومواضعها ورأسها وقدماها .

يجب على الزوجة طاعة زوجها بالمعروف ومن ذلك ما أمرها به من التستر والاحتشام عند الأولاد حتى لا يعتادوا رؤية العورات ومفاتن النساء ، والذي يجوز كشفه للأولاد هو ما جرت العادة بكشفه كالوجه والكفين والذراعين والقدمين ونحو ذلك .

يجب على المرأة أن تغطي جميع أجزاء جسمها عند الخروج من بيتها ، ولها الخروج منتقبة لأن المرأة عورة وإذا خرجت استشرفها الشيطان وأما في المنزل فلا يلزمها تغطية قدميها إذا لم يكن عندها رجال غير محارم لها .

الأعمام والأخوال محارم للمرأة لها أن تكشف وجهها وكفيها وما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة وتجوز خلوتها مع أحدهم إلا إذا خشيت منه فتنة كأن يكون فاسقاً يتجرأ على المحارم فإنها لا تجوز الخلوة معه حينئذ ، ويشترط في المحرم الذي يكون مع المرأة أن يكون بالغاً عاقلاً لأن الصغير وغير العاقل لا يحصل بهما المقصود في المحرمية من حماية المرأة والقيام بشأنها .

لا يجوز للمرأة أن تركب وحدها مع رجل ليس من محارمها ، ولا تسافر المرأة إلا مع محرم أو زوجها سواء طالت المسافة أو قصرت ، ولا يجوز سفر المرأة في الطائرة ولا في غيرها إلا مع محرم لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " متفق عليه ، وزوج أختها لا يعتبر محرماً لها وكذلك أختها ليست محرماً لها .

لا يجوز استقدام المرأة الخادمة إلا مع محرمها لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " متفق عليه ، ولا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها محرم " رواه البخاري ومسلم ، والجمع من النساء لا يغني عن المحرم في السفر لما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك .

إن قاعدة الشريعة المطهرة تحريم كسب المال من عمل لا يجوز شرعاً وقد عُلم من نصوص السنة النبوية المشرفة أن سفر المرأة بلا محرم لا يجوز شرعاً وأنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فلا يجوز استيطان الكفار في جزيرة العرب ولا استقدامهم للعمل فيها من غير ضرورة وعليه فإن مباشرة عمل يؤدي إلى هتك هذه الحرمات لا يجوز وهذا رداً على سائل يقول إنه يعمل في مكتب استقدام الخادمات بلا محارم وكذا سائقين غير مسلمين .

ولا يجوز سفر المرأة لأداء فريضة الحج من غير محرم لها ويجب منع أصحاب حملات الحج من ذلك حذراً من إثم الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وسداً لأبواب الشر والفساد ، والله سبحانه وتعالى يقول " وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلبَيتِ مَنِ ٱستَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاًۚ " آل عمران 97 ، والمرأة من شروط استطاعتها وجود محرمها وبذله نفسه للسفر بها ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، فقال صلى الله عليه وسلم : انطلق فحج مع امرأتك " رواه البخاري ومسلم وأحمد .

لا بأس أن تذهب المرأة من منزلها في مكة إلى المسجد الحرام وتصلي وتؤدي العمرة بمفردها إذا أمنت من الفتنة لعدم المحذور لأن المحرم إنما يشترط في أثناء السفر .

زوجة ولدك من الرضاعة هي محرم لك ، قال تعالى " وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ " النور 31 ، وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " .

مسألة : رجل تزوج امرأة ثم طلقها ولم ينجب منها ثم تزوج امرأة ثانية وأنجب منها أولاداً وبناتٍ ورضع من الزوجة الثانية الولد ولمدة شهرين بعد وفاة أمه ، ثم تزوج هذا الرجل امرأة ثالثة وأنجب منها أولاداً وبناتٍ ثم تزوج امرأة رابعة وأنجب منها ولدين . فما حكم الآتي :-

أولاً : هل زوجات هذا الرجل الأربع محارم لهذا الولد الرضيع الذي رضع من لبن هذا الرجل من الزوجة الثانية ؟

ثانياً : هل زوجة هذا الولد الرضيع محرم لهذا الرجل الذي رضع الولد من لبنه مثل الولد من الصلب ؟

ثالثاً : هل كل من رضع من لبن زوجات هذا الرجل أولاد وبنات إخوة لهذا الولد ؟

والجواب : إذا كان الواقع كما ذُكر من الرضاع وكان في الحولين يكون هذا الولد محرماً لزوجات هذا الرجل صاحب اللبن لكون زوجهن أباً له من الرضاع فهو كالأب له من النسب لقوله تعالى " وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ " النساء 22 ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " .
ثانياً : تصير زوجة هذا الولد محرماً لهذا الرجل صاحب اللبن لكونها برضاع زوجها من لبنه حليلة ابنه كحليلة ابنه من النسب وقد قال الله تعالى " وَحَلَٰٓئِلُ أَبنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصلَٰبِكُمۡ " النساء 23 .
ثالثاً : كل من رضع من لبن هذا الرجل الرضاع المحرم عن طريق أي زوجة من زوجاته فهو أخ لهذا الولد من الرضاع .

إذا رضع الطفل خمس رضعات فأكثر في الحولين من لبن الزوجة الأولى صار زوجها أباً للطفل من الرضاعة ويكون الطفل محرماً للزوجة الثانية لأنه ابن زوجها من الرضاعة ويكون ربيباً لها ، قال تعالى " وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ " النور 31 ، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " ، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك " ، والرضاعة هي أن يمسك الطفل الثدي فيمص منه لبناً فإن تركه للنفس أو انتقال فرضعة ، فإن عاد فمص لبناً فاثنتان وهكذا .

مسألة : امرأة تزوجت زوجاً وطلقها وتزوجت زوجاً بعده ، وجاء لها من الزوج الآخر بنات فهل زوجها الأول محرم للبنات من زوجها الأخير أم لا ؟
والجواب : يحرم على الرجل نكاح بنات المرأة المدخول بها ويعتبر محرماً لجميع بناتها ما قبل الزواج وما بعده ، قال الله تعالى " حُرِّمَتۡ عَلَيكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ " إلى قوله " وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلتُم بِهِنَّ " النساء 23 ، أما إذا لم يكن دخل بها فليس محرماً لبناتها لقوله تعالى " فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمۡ " النساء 23 .

مسألة : إنني متزوجة برجل وقد أنجبت منه أولاداً ، وهذا الرجل معه زوجة غيري لم تنجب له أولاد وبعد مدة طلقني وأنجبت زوجته أولاداً ، فهل يجوز لي أن أكشف لأولاده ؟
والجواب : إذا تزوج الرجل بامرأة أصبح أبناؤه وأبناء أبنائه وإن نزلوا محارم لها سواء منهم من وُلد قبل أن يتزوج بها أو بعد أن تزوج بها أو بعد طلاقه لها لأنها محرمة عليهم تحريماً مؤبداً لقول الله سبحانه " وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقتاً وَسَآءَ سَبِيلًا " النساء 22 .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

7 - 12 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر