الدرس التاسع والستون : النكاح 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 17 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1933 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز للخاطب أن يخلو بمخطوبته مادام لم يعقد عليها ولا أن يصافحها ولا أن تخرج معه لأنها أجنبية عنه لكن له أن يراها عند إرادة الزواج منها من دون خلوة بها بل بحضور أمها أو أبيها أو غيرهما ممن تزول بوجوده الخلوة لما في حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " رواه أحمد وأبو داود ، قال ابن حجر : رجاله ثقات ، ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزوج امرأة : " أنظرت إليها ؟ قال : لا ، قال : اذهب فانظر إليها " ، والمعنى : أراد الزواج منها .

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تُزوج البكر حتى تُستأذن ولا الثيب حتى تستأمر " رواه أبو هريرة ، والذي يتولى ذلك وإليه يُسند هو ولي أمرها من أب ومن يقوم مقامه ، ولا ينبغي لمن يريد الزواج من امرأة أن يسألها عن حبها إياه خشية الفتنة وله أن ينظر إليها من غير خلوة إذا أراد خطبتها .

ولا يجوز له أن يخلو بها أو يرى شيئاً من عورتها أو يتمشى معها في الطرقات ما دام لم يعقد عليها عقد الزواج لأنها أجنبية بالنسبة له ويخشى من الاختلاط الفتنة ، والسنة أن يرى الرجل مخطوبته لكن إذا تزوج امرأة دون رؤيتها فالزواج صحيح .

ويباح للخاطب أن يكلم مخطوبته عند النظر وأن ينظر إليها من دون خلوة بها ولا يجوز له أن يقبلها أو يلمسها إلا بعد عقد النكاح لأنها قبل العقد أجنبية منه وإن كانت مخطوبة له .

عقد النكاح يتم بالإيجاب وهو اللفظ الصادر من ولي المرأة أو وكيله بقوله : أنكحتك أو زوجتك أو ما أشبه ذلك مثل ملكتك ، وبالقبول وهو اللفظ الصادر من الزوج أو وكيله بقوله : قبلت هذا النكاح أو رضيت به أو ما أشبه ذلك ، ويكون ذلك بحضور شاهدين عدلين ، وليس هناك ألفاظ أو دعوات أو قراءة قبل العقد إلا أنه يُستحب قراءة خطبة الحاجة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي :

" الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " ، ثم قراءة ثلاث آيات هي :

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسلِمُونَ " آل عمران 102 .

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيكُمۡ رَقِيباً " النساء 1 .

" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلاً سَدِيدٗا " الأحزاب 70 .

لا يجزئ في عقد النكاح مجرد التوقيع على العقد المكتوب فلابد من لفظ يصدر من الولي بالإيجاب ولفظ يصدر من الزوج بالقبول بأي لفظ تعارفا عليه ، ويشرع إعلان النكاح وعدم كتمانه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأمره بضرب الدف عليه .

والأصم الأخرس يزوج بالإشارة المفهومة التي يوجه بها في أكله وشربه وسائر أعماله لأن الإشارة المفهومة في هذه الحالة تقوم مقام الكلام في حقه .

ويجوز لمأذون عقود الأنكحة أن يعقد لنفسه إذا توفرت أركان النكاح وشروطه وانتفت موانعه ، وإذا دفع المعقود له نقوداً لمأذون عقود الأنكحة بدون طلب من المأذون أو بطلب منه فله أن يأخذها إذا كان لا يأخذ رزقاً من بيت المال على عمله فإن كان يأخذ من بيت المال فلا يجوز له ذلك .

ويجوز للرجل أن يعقد النكاح لنفسه فمثلاً لو قال ولي المرأة للرجل : أنكحتك ابنتي فلانة فقال : قبلت صح العقد إذا كان بحضور شاهدين عدلين .

نظراً إلى ما كثر في هذه الأيام من التغرير والخداع والمهارة في تقليد بعض الناس بعضاً في الكلام وإحكام محاكاة غيرهم في الأصوات حتى إن أحدهم يقوى على أن يمثل جماعة من الذكور والإناث صغاراً وكباراً ويحاكيهم في أصواتهم وفي لغاتهم المختلفة تلقي في نفس السامع أن المتكلمين أشخاص وما هو إلا شخص واحد ، ونظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بحفظ الفروج والأعراض والاحتياط لذلك أكثر من الاحتياط لغيرها من عقود المعاملات رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول والتوكيل على المحادثات التليفونية تحقيقاً لمقاصد الشريعة ومزيد عناية في حفظ الفروج والأعراض حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش والخداع .

لا تجوز مشاركة المسلمين للمشركين في حفلات عقد نكاح بناتهم ونحوها لما في ذلك من إشعارهم بإظهار ولائهم والرضى بما هم عليه من كفر بالله ونبذ لدين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه ، وبإمكانك الرجوع لكتاب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله " اقتضاء الصراط المستقيم " لأنه قد بسط القول في هذه المسألة وأشباهها .

عقد النكاح من العقود التي أكد الله عظم شأنها وسماه ميثاقاً غليظاً فلا يجوز إبرام عقد النكاح على غير الحقيقة من أجل الحصول على الإقامة وهذا رداً على سائل مصري يسأل أنه يبرم عقد نكاح في هولندا مع هولندية ليحصل على إقامة .

إعداد وليمة عند الملكة ليست من البدع في الدين بل هي من العادات وحكمها بحسب ما يحف بها ، فإن وقع إسراف وتبذير وإثقال على الزوج بما لا يستطيعه وضرب طبول ورقص واختلاط ونحو ذلك فلا يجوز ، وإن خليت من مقارفة محرم فلا بأس على أننا ننصح الزوجين وأولياء أمورهما بالرفق والبعد عن التكلف وبذل الأموال فيما لا منفعة من ورائه وكلما كان الزواج أقل نفقة وأيسر في الالتزامات كان ذلك أدعى إلى صلاح الحال وتوفيق الزوجين .

إذا كان عقد عليها عقد الزواج الشرعي لكنه لم يدخل بها فهي زوجته ولها حكم الزوجة غير المدخول بها من استحقاق نصف المهر إذا طلقها قبل الدخول وعدم وجوب العدة عليها بالطلاق لقوله تعالى " وَإِن طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصفُ مَا فَرَضتُمۡ إِلَّآ أَن يَعفُونَ أَوۡ يَعفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعفُوٓاْ أَقرَبُ لِلتَّقوَىٰۚ " البقرة 237 ، وقوله " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحتُمُ ٱلمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعتَدُّونَهَاۖ " الأحزاب 49 ، أما إذا مات عنها قبل الدخول دون طلاق فتستحق المهر كاملاً وتعتد عدة الوفاة وترثه .

من عقد على امرأة عقد نكاح وهي حائض فلا تأثير لحيضها على العقد عليها ويجوز أن تزف إليه وهي حائض ولكن لا يجوز له أن يطأها حتى ينقطع دم حيضها وتغتسل .

إذا عقد على المرأة بعد ثلاث حيضات من طلاقها ولو لم تكمل ثلاثة أشهر صح العقد .

ليس من السنة عقد النكاح بالمساجد والمداومة على عقد النكاح داخل المسجد واعتقاده من السنة بدعة من البدع لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " .

تشبيك الأصابع وفرقعتها حين إجراء عقد النكاح لا أثر لذلك على العقد بل هو صحيح .

لا يجوز للمؤمن أن يشهر زواجه من مسلمة أو كتابية في الكنيسة ولا على يد قسيس ولو كان ذلك بعد الزواج بها على سنة الله ورسوله .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

17 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر