الدرس السبعون : النكاح 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 17 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1915 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

مَنْ وكَّل والده أن يتملك على البنت الكبيرة نيابة عنه لكنه وجدها قد تزوجت فتملك على الصغيرة ولم يوكله ابنه ، وعندما جاءه الخبر رضي بما فعل والده واعتبرها زوجته وهي قابلة بذلك ، فإذا كان الأمر كما ذُكر فإن العقد صحيح لأنه من العقود الموقوفة على إذن صاحب الحق وقد أذن ورضي به وأمضاه .

يجوز العقد على الصغيرة من أبيها خاصة إذا رأى المصلحة لها في ذلك لقصة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي دون التسع ، وأما غير الأب فليس له تزويج من دون التسع مطلقاً ولا من بلغ تسعاً فأكثر إلا بإذنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت " ، وإن حصل نزاع بعد ذلك فمرده المحاكم الشرعية .

فالنبي صلى الله عليه وسلم " خطب عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ودخل بها في المدينة وهي بنت تسع سنين " رواه البخاري ومسلم ، وليس هذا خاصاً به صلى الله عليه وسلم فيجوز العقد على الفتاة قبل بلوغها ويجوز الدخول بها ولو قبل البلوغ إذا كانت ممن يوطأ مثلها ، أما عدة غير البالغة فالله سبحانه وتعالى جعل عدة الآيسة من المحيض والتي لم تحض لصغرها ثلاثة أشهر ، قال تعالى " وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسنَ مِنَ ٱلمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشهُرٖ وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضنَۚ " الطلاق 4 ، أي: كذلك عدتهن ثلاثة أشهر وغير البالغة تدخل في قوله " وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ " وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضنَۚ " .

مسألة : فتاة يريد والدها أن يزوجها لابن أخيه وهو لا يصلي ويشرب الخمر وهي ملتزمة فتركت المنزل وجاءت لابن عمها لمساعدتها ؟

والجواب : لا يجوز لأبيها أن يزوجها من تكره الزواج به ولا يجوز لها أن تعرض نفسها للفتنة وانتهاك حرمتها بخروجها من بيت والدها بل تتعاون مع بعض محارمها من الأقارب ليخلصوها من ذلك فإن لم يتم لها ما تريد فلها أن ترفع أمرها إلى المحكمة لتفكها من ذلك .

مَنْ زُوجت وهي مكرهة ، إذا لم ترض بهذا الزواج فيُرفع أمرها إلى المحكمة لتثبيت العقد أو فسخه .

مسألة : رجل يريد أن يزوج أخته على رجل كبير في السن ومعه زوجة رداً لجميله لأنه زوَّجه حين ردَّه الناس وهي رافضة ووالدها في حيرة ومضى على هذا الأمر ست سنوات والأخ يقسم أن تتزوجه ؟

والجواب : إذا كان الأمر كما ذُكر فلا يجوز لأبيك أن يعقد لابنته على الرجل الذي امتنعت من الزواج به ، ولا يجوز لأخيها أن يطلب من أبيه أن يكرهها عليه ، وعلى أخيها كفارة اليمين عن يمينه حين أقسم أن تتزوجه ، فلا يجوز جبر المرأة التي قد بلغت تسعاً فأكثر على الزواج على أحد لا من أبيها ولا غيره من الأولياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قيل : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت " متفق عليه ، وفي رواية لمسلم في صحيحه " والبكر يستأذنها وإذنها سكوتها " ، فإن امتنعوا من استئذانها فأجبروها على الزواج فلها مراجعة محكمة البلد التي هي فيها .

البنت اليتيمة عند بلوغها ليس لوليها أن يزوجها بدون رضاها ، فلابد من أخذ موافقة المرأة على تزويجها بمن ترغب من الأشخاص سواء كانت بكراً أو ثيباً ، وإذا امتنعت من الزواج ببعض الأشخاص لا يكون ذلك عقوقاً لوالدها لأن ذلك حق لها ، وإذا كانت تستحي من الحضور عند المأذون فإنها تشهد على الرضا رجلين من الثقات يشهدون عند المأذون برضاها ، وأما الإتيان بامرأة عند العقد غير المعقود عليها فهذا أمر محرم .

يحرم إجبار البنت على الزواج بالزوج الذي لا ترضى به لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تزويج البكر حتى تستأذن .

إذا قصدت اليمين في حلفك بالطلاق فعليك كفارة يمين عن الطلاق الذي صدر منك لإجبار ابنتك على القبول بهذا الزوج ، والكفارة هي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد أي ما يعادل كيلو ونصف أو كسوة عشرة مساكين أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، أما إذا كنت قصدت إيقاع الطلاق فأفدنا بما قصدته مع بيان اللفظ الذي صدر منك حتى ننظر في ذلك ونفيدك إن شاء الله .

مسألة : أنا رجل بار بوالديّ في طاعة الله فأمراني بالزواج من فتاة لا أرغبها لأنها لا تتخلق بصفات الإسلام وحاولت حبها طاعة لوالديّ فلم أستطع فأريد طلاقها غير أني أخاف غضب والدي علي ؟
والجواب : إذا كنت تكره هذه المرأة نفسياً أو أخلاقياً فلك أن تطلقها ولو لم يوافق والداك على طلاقها لأنه ليس لهما أن يجبراك عليها وأنت تكرهها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الطاعة في المعروف " ، ولعدم توافر مقاصد النكاح .

عقد الأب النكاح لابنه البالغ العاقل على فتاة لا يريدها عقد غير صحيح فلا ينعقد هذا النكاح لأنه اختل شرط من شروط صحته وهو الرضا وقد فقد ركن من أركانه وهو القبول من الابن فهذا النكاح لم ينعقد أصلاً فهو في حكم المعدوم فلا يحتاج إلى طلاق .

زيد هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعتقه وتبناه فكان يُدعى زيد بن محمد حتى أنزل الله قوله " ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ " الأحزاب 5 ، فدعوه زيد بن حارثة .

أما زينب فهي بنت محمد بن رباب الأسدية وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أما قصة زواج زيد بزينب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى ذلك له لكونه مولاه ومتبناه فخطبها من نفسها على زيد فاستنكفت وقالت : أنا خير منه حسباً ، فروي أن الله أنزل في ذلك قوله " وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِنۡ أَمرِهِمۡۗ وَمَن يَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلاً مُّبِيناً " الأحزاب 36 ، فاستجابت طاعة لله وتحقيقاً لرغبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد عاشت مع زيد حول سنة ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته فاشتكاها زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانتهما منه فإنه مولاه ومتبناه وزينب بنت عمته أميمة وكان زيد عرض بطلاقها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساكها والصبر عليها مع علمه صلى الله عليه وسلم بوحي من الله أنه سيطلقها وستكون زوجة له صلى الله عليه وسلم لكنه خشي أن يعيره الناس بأنه تزوج امرأة ابنه وكان ذلك ممنوعاً في الجاهلية فعاتب الله تعالى نبيه في ذلك بقوله " وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ وَأَنعَمتَ عَلَيهِ أَمسِكۡ عَلَيكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخفِي فِي نَفسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبدِيهِ وَتَخشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخشَاهُۖ " الأحزاب 37 ، يعني والله أعلم : تخفي في نفسك ما أعلمك الله بوقوعه من طلاق زيد لزوجته زينب وتزوجك إياها تنفيذاً لأمره تعالى وتحقيقاً لحكمته وتخشى قالة الناس وتعييرهم إياك بذلك والله أحق أن تخشاه فتعلن ما أوحاه إليك من تفصيل أمرك وأمر زيد وزوجته زينب دون مبالاة بقالة الناس وتعييرهم إياك .

أما زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء عدتها من طلاق زيد وزوَّجه الله إياها بلا ولي ولا شهود فإنه صلى الله عليه وسلم ولي المؤمنين جميعاً بل أولى بهم من أنفسهم قال الله تعالى " ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ " الأحزاب 6 ، وأبطل الله بذلك عادة التبني الجاهلي وأحلَّ للمسلمين أن يتزوجوا زوجات من تبنوه بعد فراقهم إياهن بموت أو طلاق رحمة منه تعالى بالمؤمنين ودفعاً للحرج عنهم .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

17 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر