الدرس الثامن والسبعون : النكاح 12

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 22 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1872 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

السُّنَّة أن الرجل إذا تزوج زوجة مع وجود زوجة أخرى قبلها فإنه يقيم عند الزوجة الثانية ثلاثة أيام إن كانت ثيباً وسبعة أيام إن كانت بكراً ثم بعد ذلك يبدأ بالقسم ويعدل بينهما ومتى غاب عن إحداهما مدة قضى للأخرى مثلها إذا تيسر ذلك إلا أن تسمح صاحبة الحق عن حقها أو عن بعضه ، والعدل بين الزوجات واجب في المسكن والمأكل والملبس والمبيت ، هذا هو الأصل .

العدل في القسم في المبيت واجب ، أما الحب وما يترتب عليه من الجماع فليس في قدرة الإنسان ، بل ذلك إلى الله تعالى لقول الله تعالى " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱستَطَعتُمۡ " التغابن 16 ، ولقول عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " ، وإذا كان للرجل زوجتين إحداهما لها راتب والأخرى ليس لها راتب فلا يجوز أن يعطي التي ليس لها راتب بحجة أن الأخرى لها راتب لما في ذلك من عدم العدل لأن الراتب المذكور ليس من الزوج .

وإذا كان عنده زوجتان وأبت إحداهما أن تبيت معه فلا يأثم إذا لم يقسم ، وإذا وهبت الزوجة نصيبها من المبيت لضرتها أو زوجها جاز ذلك لأنه حق لها ، وقد ثبت أن أم المؤمنين سودة رضي الله عنها وهبت ليلتها لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ولكن متى رجعت الواهبة وجب على الزوج أن يقسم لها مستقبلاً .

العدل الواجب بين الزوجات هو فيما يستطيعه الإنسان من النفقة والمسكن والكسوة والمبيت ، وما لا يستطيعه من المحبة والميل القلبي لا يؤاخذ عليه لقول الله تعالى " وَلَن تَستَطِيعُوٓاْ أَن تَعدِلُواْ بَينَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلمَيلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلمُعَلَّقَةِۚ " النساء 129 ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك " ، أما السفر فعلى الزوج أن يقرع بين نسائه فمن خرجت لها القرعة سافر بها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، ولا يقضي المبيت الذي حصل في أثناء السفر للباقيات وإنما يقسم بينهن في وقت حضوره ، والسفر للحج أو العمرة كغيره من بقية الأسفار لابد من القرعة فيه .

والنفقة حق للمرأة فإذا أسقطت حقها في النفقة جاز ذلك لها ، أما إذا لم تُسقط حقها فيجب على الزوج العدل بين زوجاته في النفقة وغيرها حسب الطاقة وإلا تحمَّل إثماً وجاء يوم القيامة وشقه مائل يفضحه الله على رؤوس الأشهاد ، كما جاء في ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وللمرأة المطالبة بحقها شرعاً ويُلْزِمُهُ الشرع بذلك لقوله تعالى " لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزۡقُهُۥ فَليُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَاهُ ٱللَّهُۚ " الطلاق 7 ، وقال تعالى " وَعَلَى ٱلمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِٱلمَعرُوفِۚ " البقرة 233 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمَّن يملك قوته " رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " رواه الإمام مالك وأصحاب السنن الأربعة .

إذا تزوج الرجل امرأة أخرى على زوجته لا يجب عليه دفع مال للسابقة ، ولا يجوز إكراهه على ذلك ، ولكن ذلك من باب الإكرام تطييباً لخاطرها ومراعاة لحسن العشرة .

الواجب من عمل المرأة في بيت زوجها من طبخ وغسل ملابس وأوان وتنظيف بيت وفراش ونحو ذلك يختلف باختلاف طبقات الناس وما جرى به عرفهم وعاداتهم .

ليس للزوج أن يمنع زوجته من شراء كماليات في الملابس والأطعمة من مالها الخاص إلا إذا أسرفت أو اشترت محرماً فيمنعها من الإسراف وارتكاب ما حرم الله ويأخذ على يدها لتكف عن ذلك .

وحق كل واحد من الزوجين على الآخر عظيم ، ويجب على كل منهما الوفاء به شرعاً ، وليس للزوجة أن ترفض طاعة زوجها إذا أراد منها الفراش إلا لعذر مقبول شرعاً كالحيض مثلاً ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع " ، وفي لفظ للبخاري : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح " ولمسلم : " كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها " ، فعلى الزوجة طاعة زوجها بالمعروف ، فإن دعاها إلى سهر قد يفوت به أداء صلاة الفجر في وقتها أو مشاهدة ما هو منكر فلا تطيعيه ، أما ما عدا ذلك فتجب طاعته ولو كان فيه فوات قيام الليل لأنه سنة ، وطاعة الزوج واجبة .

وإذا كان الزوج مبتلى بشرب المسكر فلا يلحق الزوجة الإثم إذا تجنبت فراشه ، ويجب عليها نصحه فإن تاب فالحمد لله ، وإن أبى وأصرَّ على الجريمة طلبت الطلاق بُعداً عن المنكر ، فإن أبى رفعت أمرها إلى الحاكم .

ينبغي للمرأة أن تحافظ على قيام الليل وأن تدعو زوجها إلى قيامه ، فقد أخرج أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي وابن خزيمة .

ويجب على المرأة أن تطيع زوجها في المعروف ، وترك قص شعر رأسها هو الواجب عليها طاعة للزوج لأن ذلك من المعروف ، وهذا رداً على سؤال في أن الزوج يرفض أن تقص زوجته شعر رأسها .

ولا حرج على المرأة في بيع ملكها وقضاء دينها من غير إعلام زوجها بحقيقة الأمر ، لما روى مسلم في صحيحه عن أم كلثوم بنت عقبة أنها قالت " لم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل إلى امرأته وحديث المرأة لزوجها " .

مسألة : لدي خادمة أندونيسية مسلمة تقول لي إن زوجتي تُدْخِل رجلاً في البيت منذ 3 أشهر وهي تحلف بالله وزوجتي تحلف بالله أن هذا لم يحصل وأنه كذب وافتراء وسؤالي : هل أُرجع زوجتي إلى المنزل بعد أن حلفت بالله أم أصدق الخادمة المسلمة بعد أن حلفت بالله وأطلقها ؟

والجواب : لا يجوز تصديق الخادمة لأن الأصل براءة عرض الزوجة والسلامة مما رُميت به ، وعليك العناية بنصيحتها وتحذيرها من كل ما حرَّم الله عموماً ومن خيانة زوجها خصوصاً .

في التزام الزوج تكاليف علاج زوجته إذا مرضت لا يُلزم بذلك وقيامه بذلك من مكارم الأخلاق ومن حسن العشرة ، قال ابن قدامة في المغني : ولا يجب على الزوج شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنه يُراد لإصلاح الجسم فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها وكذلك أجرة الحجام والفاصد ، فعلاج الرجل لزوجته هو من العشرة بالمعروف ومن الإحسان الذي أمر الله به في قوله " وَأَحسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُحسِنِينَ " البقرة 195 ، فالواجب على الرجل رعاية المرأة وصيانتها والإنفاق عليها ، قال تعالى " ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعضَهُمۡ عَلَىٰ بَعضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَموَٰلِهِمۡۚ " النساء 34 .

ولا يجوز أن تصوم المرأة تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه من أجل حقه عليها .

وليس في الشرع ما يدل على إلزام الزوجة أن تساعد أم الزوج إلا في حدود المعروف وقدر الطاقة إحساناً لعشرة زوجها وبراً بما يجب عليه بره .

حسن المعاملة مطلوب من المسلمة مع والدي زوجها ومع غيرهما ولكنها مع والدي زوجها آكد لما في ذلك من حسن العشرة وإعانة الزوج على بر والديه

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

22 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر