الدرس التاسع والسبعون : النكاح 13

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 22 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2046 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجب على كل واحد من الزوجين أن يتقي الله جل وعلا وأن يؤدي ما عليه من واجبات تجاه الآخر ، وأن يعاشر كل واحد الثاني بالمعروف والإحسان ، وأن يكرم كل من الزوجين قرابة زوجه حتى يتم لهم حسن العشرة ويلتئم شمل الأسرة ، قال تعالى " وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلمَعرُوفِۚ " النساء 19 ، وقال جل شأنه " ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعضَهُمۡ عَلَىٰ بَعضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَموَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلغَيبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ " النساء 34 ، وقوله " قَٰنِتَٰتٌ " قال ابن عباس وغيره : المطيعات لأزواجهن ، وقوله في صدر الآية " ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ " ذكر ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يعني أمراء عليهن ، أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، ومن طاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله .

إذا عُقِد للرجل على زوجته وقد استوفى العقد أركانه وشروطه وانتفت موانعه جاز لزوجها أن يجتمع بها وأن يخلو بها ولو كان ذلك قبل إعلان النكاح حسب العرف المتبع في البلد .

ويشرع للخاطب أن يرى مخطوبته دون خلوة بها لحديث : " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم " ، ويجوز للرجل أن يتكلم مع من تمَّ له عقد الزواج عليها وأن يراها ويجلس معها قبل الدخول بها غير أنه ينبغي أن يراعي في ذلك العادات التي جرت عليها الأسر خشية الدعاوى الكاذبة ، وليس في جماع الزوج زوجته بعد العقد وقبل الزفاف بأس من الناحية الشرعية لكن إذا كان يُخشى من ترتب آثار سيئة على ذلك فإنه يمتنع عن ذلك لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .

إذا كان الوطء قبل العقد فذلك حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وفاعله مرتكب كبيرة عظمى تلزمه تجاهها التوبة النصوح ، والولد الناشئ عن هذا الوطء ولد زنا ينسب لأمه ولا ينسب لأبيه .

وطء الحائض في الفرج حرام لقوله تعالى " وَيَسألُونَكَ عَنِ ٱلمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذىً فَٱعتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلمَحِيضِ وَلَا تَقرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ " البقرة 222 ، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وإجماع الأمة على تحريمه فعليك أن تستغفر الله وتتوب إليه من وطئك امرأتك وهي حائض وعليك أيضاً أن تتصدق بدينار أو نصف دينار كفارة لما حصل منك لما رواه أحمد وأهل السنن بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض : يتصدق بدينار أو نصف دينار " ، أيهما أخرجت أجزأك ، ومقدار الدينار أربعة أسهم من سبعة أسهم من الجنيه السعودي فإذا كان صرف الجنيه السعودي مثلاً سبعين ريالاً فعليك أن تخرج عشرين أو أربعين تتصدق بها على بعض الفقراء ، فيحرم على الزوج جماع زوجته الحائض ، وله أن يستمتع بما شاء من جسدها سوى الجماع بعد أن تلبس إزاراً فإن جامعها في فرجها فعليه أن يتصدق بنصف دينار كفارة لذلك ، وعليها أيضاً نصف دينار إن طاوعته وإلا فلا شيء عليها .

ويحرم أن يجامعها وهو محرم بحج أو عمرة حتى يتحلل من حجه برمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة وسعيه بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير ، وكذا الحكم إذا كانت هي محرمة بحج أو عمرة ولو كان هو غير محرم .

ويحرم وطء النفساء والحائض وعلى من حصل منه ذلك الكفارة والتوبة والاستغفار .

ووطء المرأة في دبرها من كبائر الذنوب ، ولا تطلق به الزوجة وعلى من فعل ذلك التوبة والاستغفار والندم على ما مضى ، وإذا تكرر وطء المرأة وهي حائض في قُبُلِهَا تكرر الإثم وتكررت الكفارة بعدد المرات ولو كان في حيضة واحدة ، ولا تجزئه الكفارة أن تعطى أولاده إذا كان فقيراً بل يؤجلها حتى يقدره الله على إخراجها حتى يصرفها في غير أهله من الفقراء .

والنفساء في معنى الحيض لكن لو انقطع دمها قبل تمام الأربعين ثم تطهرت بالماء أو تيممت لعذر جاز وطؤها وكفارة وطء النفساء كفارة وطء الحيض .

وتسمية الله النساء حرثاً تُرجى منه الذرية وذلك في قوله تعالى " نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئتُمۡۖ " البقرة 223 ، وروى أحمد والترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى " نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئتُمۡۖ " يعني صماماً واحداً ، وقال : حديث حسن ، هذا وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن وطء الرجل زوجته في الدبر منها ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأة في دبرها " وفي لفظ : " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأة في دبرها " رواه أحمد وابن ماجه ، ومنها ما رواه أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تأتوا النساء في أعجازهن أو قال : في أدبارهن " ، ومنها ما رواه أحمد والترمذي عن علي بن طلق قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تأتوا النساء في استاههن فإن الله لا يستحي من الحق " وقال الترمذي : حديث حسن .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وطء المرأة في الدبر حرام بالكتاب والسنة وقول جماهير السلف والخلف بل هو اللوطية الصغرى .

مسألة : تزوج أخوان اثنان بأختين في ليلة واحدة وعند الصباح تبين لهما أن كلاً منهما دخل بغير من عقد عليها بطريق الخطأ أي أن كل واحد دخل بزوجة الآخر خطأ ؟

والجواب : أولاً : يجب أن يفرق بين كل منهما وبين موطوءته فوراً حينما يتبين أنها غير زوجته وأن تستبرئ بحيضة .

ثانياً : الأصل أن تعود كل منهما إلى من عُقد له عليها بعد الاستبراء ، ومن تبيَّن حملها لحق الولد بالواطئ لأنه وطء شبهة يعتقد حله لا وطء زنا .

ثالثاً : إذا رضي كل من الأخوين بموطوءته ورضيت به طلَّق كل منهما زوجته وتزوجها الآخر دون عدة ولا استبراء لأن الماء ماؤه ولو حملت فالولد لاحق به .

مسألة : ما حقوق الزوجة النصرانية بالمقارنة مع حقوق الزوجة المسلمة ؟
والجواب : الحقوق واحدة من الكسوة والنفقة والسكنى وحسن العشرة وعدم الظلم والعدل في القسمة إذا كان معه زوجة أخرى .

يختلف حكم استعمال الأدوية والحبوب لمنع الحمل باختلاف الغرض منه وباختلاف طبيعة الحبوب ومدى تأثيرها على الزوجة وموقف الرجل في ذلك والوقت الذي تستعمل فيه هذه الحبوب ، فأما بالنسبة للغرض فقد يكون المقصود هو البقاء على نضارة المرأة وهذا فيه معارضة لحكمة الله جل وعلا فإنه تبارك وتعالى شرع النكاح وحثَّ عليه ومن المقاصد الشرعية من مشروعية النكاح حصول الأولاد ، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها ؟ فنهاه ، ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه الثالثة فقال له : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال : صحيح الإسناد .

فهذه المرأة التي تستعمل الحبوب والأدوية من أجل البقاء على نضارة جسمها هي بمنزلة المرأة العقيم وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن نكاحها لأنها لا تلد ، فهذه المرأة منهية بعموم هذا الحديث عن تعاطي الموانع التي تمنع الحمل .

وإذا كان الغرض من استعمال الحبوب والأدوية منع الحمل في حالة تكون المرأة واقعة فيها وهي وجود إجهاد بدني ، كالمرأة التي تلد كل سنة ويكون جسمها نحيفاً فلا تتحمل متاعب الحمل والولادة بحيث لو استمرت غلب على ظنها وقوع ضرر عظيم عليها وترى استعمال الحبوب والأدوية لمنع الحمل وقتاً محدوداً بقدر ما يدفع الضرر فيجوز ذلك بشرط أن لا يترتب على استعماله ضرر يماثل الضرر الذي يراد فعله لأنه ينشأ عنها أحياناً اضطراب في العادة الشهرية وتليف الرحم وحصول ضغط في الدم وخفقان في القلب وغير ذلك من الآثار السيئة التي يعرفها الأطباء ، ويدل لجواز الاستعمال في هذه الحالة عموم أدلة الشريعة الدالة على اليسر ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " ، وكذلك ما جاء في معنى الحديث من السنة قاعدة : المشقة تجلب التيسير .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

22 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر