الدرس الثمانون : النكاح 14

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 23 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1710 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الأدوية والحبوب التي يراد استعمالها لمنع الحمل إن كانت خالية من المؤثرات السيئة المماثلة للضرر المراد دفعه فيجوز استعمالها ، وإن اشتملت على ضرر يماثل الضرر المراد دفعه لم يجز لأن الضرر لا يُدفع بالضرر والمرجع في تقدير ما تشتمل عليه من أضرار إلى أهل المعرفة في ذلك وذلك بتحليل هذه الحبوب والأدوية وتشخيص ما تشتمل عليه من أضرار ومدى تأثيرها .

وأما اختلاف الحكم باختلاف حال الزوج من جهة الإذن أو عدمه ، فقد يأذن وقد يمنع وقد لا يعلم عن استعمال المرأة للحبوب والأدوية المانعة للحمل فاستئذان الزوجة لزوجها مطلوب شرعاً وذلك في حالة ما إذا دعا لاستعمالها مسوغ شرعي وعليه أن يأذن ، وأما إذا لم يكن فيه مسوغ شرعي فليس لها أن تستعمل الحبوب أصلاً فضلاً عن أنها تستأذن من زوجها ولو استأذنته فليس له أن يأذن لها .

وأما الوقت الذي تستعمل فيه المرأة هذه الحبوب أو الأدوية فإنه يختلف وبناء على اختلافه فإنه يختلف الحكم ذلك أن المرأة قد تستعملها قبل المواقعة مع الفم أو مع غيره ، وقد تستعملها بعد الوقاع وذلك في وقت وجود النطفة أو العلقة أو المضغة أو بعد نفخ الروح فيها ، فأما بعد نفخ الروح فلا يجوز مطلقا لعموم قوله تعالى " وَإِذَا ٱلمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ * بِأَيِّ ذَنبٖ قُتِلَتۡ " التكوير 8 ، 9 ، والموءودة هي التي تُدفن وهي حية ، وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية ، ذكر ذلك الطبري والقرطبي وغيرهما ، فإذا كانت المضغة قد نُفخت فيها الروح ثم أُلقيت ميتة بسبب استعمال الحبوب وأدوية منع الحمل كان ذلك وأداً لها فتدخل في عموم الآية .

وأما كون المرأة تستعمل الحبوب لئلا يكثر أولادها فهذا لا ينبغي الالتفات إليه لأنه ما من نفس تخرج إلى هذه الحياة إلا وقد كتب الله رزقها وأجلها وعملها وعلى الإنسان أن يحسن ظنه بالله ، والله تعالى عند ظن عبده به .

ونظراً إلى أن الشريعة الإسلامية ترغب في انتشار النسل وتكثيره وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة منَّ الله بها على عباده فقد تظافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله مما أوردته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بحثها المعد للهيئة والمقدم لها ، ونظراً إلى أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الرب تعالى لعباده ، ونظراً إلى أن دعاة القول بتحديد أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعمار أهلها ، وحيث أن في الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها ، لذلك كله فإن المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق لأن الله تعالى هو الرزَّاق ذو القوة المتين ، " وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا " هود 6 .

أما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره عملاً بما جاء في الأحاديث الصحيحة وما روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل وتمشياً مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين ، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة .

والفرق بين تحديد النسل وتنظيمه ، تحديد النسل هو القصد إلى الوقوف به عند عدد معين كاثنين أو ثلاثة من الأولاد للمحافظة على مستوى الأسرة مالياً مثلاً وكراهية الزيادة في النسل على ذلك .

أما تنظيم النسل فهو العمل على تأخير الحمل مدة تستجم فيها المرأة وتسترد نشاطها ثم تترك موانع الحمل رغبة في النسل ولو كثر عدده ، وقد كتب فضيلة الشيخ المودودي رحمه الله كتابة ضافية في الموضوع في كتابه " حركة تحديد النسل " وبالإمكان الرجوع إليه .

فتحديد النسل حرام لأن كثرة النسل مطلوبة في الإسلام لتكثير عدد الأمة ، وأما تنظيمه بمعنى تأخير الحمل لغرض صحيح كضعف المرأة عن الحمل أو الحاجة لإرضاع الطفل الموجود فلا بأس به للحاجة .

المستقبل غيب ولا يعلم الغيب إلا الله ، فالإنسان لا يدري من يكون له فيه الخير من أولاده أهو فيمن وُلدوا واجتهد في توجيههم وجهة صالحة أم فيمن يهبهم الله له بعد ذلك من ذكور أو إناث ، فعلى المسلم أن يتوكل على الله ويفوض أمره إليه ولا يتعاطى هو ولا زوجته ما يمنع الحمل من إبر أو حبوب أو شراب أو نحو ذلك فعسى أن يهب الله من الذرية مستقبلاً من يكون سبب سعادته في الدارين وعسى أن يكافئه الله على توكله واعتماده عليه بإصلاح من رزقه وعسى أن يرزقه من الأولاد وينفعه بهم جميعاً في دينه ودنياه ويقيهم الفتن وشرور العباد فإن قلوب العباد بين إصبعين من اصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء ، فلا يجوز أن يستعمل ما يقطع الأولاد بسبب أن ليس عنده قوت العيش لأن رزقهم على الله سبحانه .

وورد ما يدل على جواز العزل فروى جابر رضي الله عنه قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل " متفق عليه ، ولمسلم " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم يمنعنا " .

ما ذكره هذا الطبيب من أن هذه المرأة إن حملت ماتت وقت الولادة فغير صحيح لأن علم الآجال من الغيب الذي اختص الله به ، قال تعالى " إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي ٱلأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفسٞ مَّاذَا تَكسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ " لقمان 34 .

مسألة : لي من زوجتي أطفال معاقين وقال الأطباء سيكون أطفال المستقبل كذلك بسبب قرابة زوجتك منك ، فما الحكم ؟

والجواب : لا يجوز لك أن تعتمد ما ذكر الأطباء في هذا الشأن لأنهم يبنون تقاريرهم على الظنون ، وفي مثل هذا الأمر لا يؤخذ بقولهم لأن مجيء الولد المنتظر مشوهاً أو أصماً أو نحو ذلك من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى فلا يجوز لك أن توقف النسل خشية أن يولد لكما ناقص الخلقة أو مشوها .

أما عن العزل فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها " ، فهذا يدل على جواز العزل عن الحرة بإذنها ومنعه بدون إذنها وأن العزل عن الأَمَة لا يحتاج إلى إذنها مع مراعاة عدم فعله إلا من حاجة شديدة أو ضرورة ، وإسقاط الحمل خشية الفقر من كبائر الذنوب لما فيه من سوء الظن بالله .

مسألة : امرأة اسقطت حملها وهي في الشهر السادس لسوء معاملة زوجها لها وذلك أنه يشرب المسكر ، فما حكمها ؟

والجواب : عملك منكر ومعصية لله ولا يجوز ذلك وعليك التوبة إلى الله من هذا العمل السيئ ، ويعتبر إسقاطه في مثل هذه الحال كبيرة من كبائر الذنوب وعليك الدية والكفارة وهي عتق رقبة فإن لم تجدي فصيام شهرين متتابعين ، ولا يجوز إسقاط الحمل لاحتمال إصابته بعدوى فيروس الإيدز وتوصي اللجنة المرأة وزوجها بحسن الظن بالله ، ولا يجوز إسقاط الجنين لمجرد ظن الأطباء أنه يولد بلا عظام لأن الأصل تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق .

المدة التي يمكن أن تصبر فيها المرأة عن زوجها غالباً أربعة أشهر وهي المدة التي قُدِّرت شرعاً للمولي أي الزوج الذي حلف ألا يطأ زوجته فهذه المدة هي أولى ما يقدر به الزمن الذي تصبر فيه المرأة عن زوجها بالنسبة للناحية الجنسية ، قال تعالى " لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ " البقرة 226 .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

23 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر