الدرس التاسع والثمانون : الإحداد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 27 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1978 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

المتوفى عنها زوجها تجب عليها عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام إذا لم تكن حاملاً سواء كانت كبيرة أو صغيرة لقوله تعالى " وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجًا يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشهُرٖ وَعَشرًاۖ " البقرة 234 ، وتعتد في بيت زوجها الذي مات فيه ولا تخرج منه إلى غيره إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض أو شراء حاجياتها من السوق كالخبز ونحوه إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك لما روت فريعة بنت مالك قالت " خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مال لورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي لكان أوفق لي في بعض شأني ، قال تحولي ، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال : امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله ، قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً ، قالت : وأرسل إليّ عثمان فأخبرته فأخذ به " رواه الخمسة وصححه الترمذي ، ولم يذكر النسائي وابن ماجه إرسال عثمان فقد استدل العلماء بهذا الحديث على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها فيه ولا تخرج منه إلى غيره .

وعلى المعتدة عدة الوفاة أن تجتنب الملابس الجميلة وتلبس سواها وأن تجتنب جميع أنواع الطيب ونحوه وتجتنب التحلي بالذهب والفضة ونحو ذلك وأن تجتنب الكحل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى المحدة عن هذه الأمور .

ولا مانع من خروج المرأة المحدة من منزلها إلى حظيرة الأغنام القريبة منه أو إلى المزرعة كذلك ، ولا يجوز لمن كانت في الحداد أن تخرج من بيتها لزيارة ولا أن تسافر ما دامت لم تنته مدة الإحداد ، ويجوز لها الخروج لحاجتها نهاراً لا ليلاً ، ويجوز لها الكلام في الهاتف إذا كان لا يترتب عليه فتنة .

إذًا المعتدة يلزمها في الإحداد خمسة أشياء :

أولاً : البقاء في منزلها الذي تُوفي زوجها وهي فيه مهما أمكنها ذلك ولا يجوز خروجها منه إلا لحاجة .

ثانياً : تجنب الطيب في ثيابها وبدنها والحناء .

ثالثاً : تجنب لبس الحلي بجميع أنواعه .

رابعاً : تجنب لبس ملابس الزينة .

خامساً : عدم الكحل في عينيها .

ولا يجوز لها الخروج من بيتها لصلاة التراويح والتهجد وتصلي في بيتها ما تيسر لها لأن هذا ليس من الحاجة التي تبيح لها الخروج ، ولا بأس بخروجها إلى بيوت أبنائها أو إخوانها التي يجمعها مع بيتها سور واحد لأنها في حكم البيت الواحد ، ولا يجوز لها السفر لأداء العمرة لأن هذا يتنافى مع أحكام الإحداد ، ولا يجوز لها الخروج لبيت آخر للزيارة وحضور وليمة لأن هذا ليس من الحاجة ، ويجوز لها استعمال الكحل من باب العلاج فقط بأن تفعله بالليل وتزيله في النهار ، ولا يجوز لها استعمال مواد التجميل والمكياج والطيب بجميع أنواعه ، ولا مانع من استعمال الطيب أو البخور عند الطهر من الحيض واغتسالها منه .

ويجوز لها أن تنتقل إلى جهة تأمن على نفسها فيها لتقضي حدادها على زوجها إذا خافت على نفسها أن تُنتهك حرمتها ولم يوجد عندها من يحافظ عليها وإلا فلا ، ولا مانع من السفر للعلاج مع المحافظة على أحكام عدة الوفاة .

ولا يجوز للمرأة إذا كانت في مدة الإحداد أن تخرج لزيارة أقربائها ، وكذا لا يجوز الخروج للنزهة من باب أولى كما لا يجوز الذهاب إلى بيت أخيها لتمريض أمها قبل انتهاء مدة حدادها .

وإذا كانت المحادة طالبة فلها أن تذهب إلى المدرسة لحاجتها إلى تلقي الدروس وفهم المسائل وتحصيلها مع التزامها اجتناب ما يجب على المعتدة عدة الوفاة اجتنابه مما يغري بها الرجال ويدعو إلى خطبتها .

وإذا كان بيت المحادة بجوار بيت ابنها جاز لها الخروج إلى بيت ابنها لتناول طعام العشاء وذلك في المناسبات .

وزيارة أمها التي تحتاج لزيارتها من أعظم الحاجات إذا كان ذلك لا يحتاج إلى سفر لأنه قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخَّص للمحدات أن يجتمعن في النهار للمؤانسة فيما بينهن ويرجعن إلى بيوتهن في الليل فعن مجاهد قال " استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن : يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها " أخرجه عبد الرزاق والبيهقي في السنن الكبرى .

الولائم التي تُعمل للمرأة بعد خروجها من عدة الوفاة إن كانت من باب العادة وإكرام المرأة فلا بأس بها وإن كانت من باب التدين واعتقاد أنها مشروعة فإنها لا تجوز لأنها بدعة .

إذا أسلمت المرأة وأرادت الزواج فعليها الاستبراء بحيضة واحدة .

إذا طلق الرجل امرأته فليس له نكاح أختها ولا عمتها ولا خالتها إلا بعد انتهاء العدة إن كانت رجعية وهذا بإجماع المسلمين لأن الرجعية زوجة ، أما إذا كان طلاقاً بائناً مثل إن كانت الطلقة الأخيرة هي الثالثة أو كان طلقها على مال وهي المخلوعة فهذا فيه خلاف ، والأرجح أنه لا يتزوجها إلا بعد انتهاء عدة أختها أو بنت أختها أو بنت أخيها ، أما إذا ماتت فلا بأس أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها في الحال ولو بعد يوم أو يومين من موتها لأنه انتهى الزواج بالموت .

والرسول صلى الله عليه وسلم " نهى أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها " ، وقد أجمع العلماء على تحريم ذلك لهذا الحديث الصحيح .

والرضاع حكمه حكم النسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " متفق عليه .

مسألة : رجل تزوج امرأة وقد رضع من أمها في لبن زوج قبل أبيها ؟

والجواب : هذا الزواج باطل لأن الرجل المذكور أخ للمرأة المذكورة لكونه رضع من أمها ، وتحريم ذلك معلوم بالكتاب والسنة وبإجماع المسلمين إذا كانت أمها قد أرضعته خمس رضعات حال كونه في الحولين ويجب التفريق بينهما حالاً .

إذا تزوج الرجل امرأة ثم دخل بها ، والدخول الوطء ثم طلقها وتزوجت غيره وأنجبت منه بنات فإنهن يكن محارم لزوج أمهن الأول لقول الله سبحانه في بيان المحرمات في النكاح " وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمۡ " النساء 23 ، أما قوله سبحانه " ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ " فهو وصف أغلبي وليس شرطاً عند أهل العلم لأنه سبحانه قال " فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمۡ " ولم يقل سبحانه فإن لم يكن في حجوركم فلا جناح عليكم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه : " لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن " رواه البخاري ، يعني بذلك للتزوج بهن ولم يشترط في البنات اللاتي في الحجور قال ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .

وهكذا بنات الزوجات المدخول بهن إذا كنَّ من زوج سابق حكمهن حكم البنات اللاتي وُلدن من زوج بعد الفرقة والدخول .

أزواج بناتك محارم لك فلا حرج في الكشف لهم ما جرت به العادة كالوجه واليدين والقدمين وليس ذلك بواجب لكن هو المشروع لقوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم برخصة الله التي رخَّص لكم " رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب أن تؤتى رخصه " ولأن الحجاب عنهم مخالف للشرع وسبب للوحشة والبغضاء .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

27 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر