الدرس الثامن والثمانون : العدد والاستبراء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 27 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2329 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إحداد المرأة التي تُوفي زوجها مدة عدة الوفاة فرضٌ عليها ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " متفق عليه ، وعلى المسلم أن يطيع الله ورسوله في كل أمر ونهي علم الحكمة أم لم يعلمها فإن الله عليم بما يصلح عباده وبما تستقيم عليه أحوالهم فيشرع لهم ما يحقق ذلك ، ومن الحكمة في الحداد تطييب نفس أقارب الميت ومراعاة شعورهم وكمال المحافظة على حق الميت مدة العدة .

ولا يعتد الرجل مثل المرأة ولكنه يُمنع أحياناً من الزواج بأخرى ، ومن ذلك فيما إذا كان متزوجاً أربع زوجات وطلق إحداهن طلقة رجعية فليس له أن يتزوج رابعة مكانها حتى تنقضي عدتها ولا يسمى انتظاره تلك المدة بالنسبة له عدة إنما هي عدة بالنسبة لها تكون فيها في حكم الزوجة ومن أجل ذلك مُنع من الزواج حتى تبين منه بانقضاء عدتها .

أما المطلقة قبل الدخول بها فليس له عليها عدة تعتدها قال تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحتُمُ ٱلمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعتَدُّونَهَاۖ " الأحزاب 49 .

والمرأة المتوفى عنها تجب عليها العدة سواء كان مدخولاً بها أو لا وهي أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها لعموم قول الله تعالى " وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجًا يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشهُرٖ وَعَشرًاۖ " البقرة 234 .

وتنقضي عدة التي وضعت حملها وينقضي حدادها على زوجها المتوفى بولادتها ، أما التي لم تكن حاملاً حين وفاة زوجها فلا تنقضي عدتها ولا حدادها إلا بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ وفاة زوجها .

وعدة المطلقة بعد الدخول ثلاث حيض إن كانت ممن تحيض ، فإن كانت لا تحيض لصغرها أو يأسها من الحيض فعدتها ثلاثة أشهر .

والمرأة المتوفى عنها زوجها وهي حامل إذا وضعت جميع ما في بطنها من الحمل فقد خرجت من العدة لقوله تعالى " وَأُوْلَٰتُ ٱلأَحمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعنَ حَملَهُنَّۚ " الطلاق 4 ، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم لسبيعة الأسلمية بخروجها من عدة الوفاة بوضع الحمل ، رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها .

والمرأة التي ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه فعدتها سنة لقول الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه وذلك في الطلاق .

وامرأة المفقود تعتد بعد مدة التربص أربعة أشهر وعشراً عدة الوفاة أي تنتظر ثم إذا حكم القاضي بوفاته نظراً لانقطاعه تعتد أربعة أشهر وعشراً .

ويحرم على من كانت في عدة الإحداد أن تتزوج قبل وضع الحمل إن كانت حامل كما يحرم على من يريد الزواج بها أن يصرح بخطبتها ما دامت في العدة فإذا وضعت حملها خرجت من العدة والإحداد وحلت للخُطَّاب .

وقد شرع الله سبحانه العدة على النساء لحِكَمٍ كثيرة ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه " إعلام الموقعين " وهذا نص كلامه وفيه الكفاية : فأما المقام الأول : ففي شرع العدة عدة حكم منها :

العلم ببراءة الرحم وأن لا يجتمع ماء لواطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد وفي ذلك من الفساد ما تمنعه الشريعة والحكمة .

ومنها تعظيم خطر هذا العقد ورفع قدره وإظهار شرفه .

ومنها تطويل زمان الرجعة للمطلق إذ لعله يندم ويفيء فيصادف زمناً يتمكن فيه من الرجعة .

ومنها قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده في المنع من التزين والتجمل ، ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد .

ومنها الاحتياط لحق الزوج ومصلحة الزوجة وحق الولد والقيام بحق الله الذي أوجبه ففي العدة أربعة حقوق فليس المقصود من العدة مجرد براءة الرحم بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها .

المرأة المتوفى عنها بعد العقد عليها وقبل الدخول بها في حكم الزوجات فلها المهر كاملاً ولها الميراث وعليها العدة لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه " أنه سُئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات ، فقال ابن مسعود رضي الله عنه لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث ، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود " رواه الإمام أحمد والأربعة وصححه الترمذي وحسنه جماعة .

وإذا تُوفي رجل عن امرأة وهي غائبة عنه بدأت عدتها من تاريخ الوفاة ، فإن لم تعلم بوفاته إلا بعد انقضاء العدة فلا يلزمها ابتداء عدة أخرى ولا يجب عليها الإحداد .

تبدأ عدة المرأة من تاريخ تطليق زوجها لها لا من تاريخ المفارقة ولا من تاريخ تسليمها ورقة الطلاق فالعدة تبدأ من تاريخ صدور الطلاق من الزوج .

إذا طلق الرجل امرأته طلقة واحدة وأثناء العدة أوقع الطلقة الثانية فإنها تحرم عليه زوجته بانتهاء العدة من الطلقة الأولى .

مسألة : فتاة كانت متزوجة وضربها زوجها إبرة لمنع العادة " الحيض " واستمرت بعد الإبرة سنة كاملة لم تجئها العادة والآن طلقها زوجها ولم تحض حتى الآن ؟

والجواب : عدة الفتاة المطلقة المذكورة سنة تبدأ من الطلاق إلا أن يأتيها الحيض قبل مضي السنة فتعتد بالحيض .

مسألة : إنني امرأة أبلغ من العمر24 سنة وقد طُلقت من زوجي ولدي ابن رضيع له من العمر 60 يوماً ومطلوب مني 3 حيض في العدة شرعاً وحيث إنني من العادة لم أحض إلا بعد إكمال الرضاعة أي بعد سنتين على الأقل وتقدم لي خُطَّاب وأريد أن أستر نفسي بزوج وحيث أن الحيض لم يأتني وأخشى أن يستحلفني المأذون الشرعي ؟

والجواب : إن كنتِ طُلقتِ قبل الوضع فإنه يحل لك أن تنكحي لأن العدة من الطلاق انتهت بالوضع ، وإن كان طلاقك وقع بعد الوضع فإنه يجب عليك أن تعتدي بثلاث حيض فإن ارتفع الدم بسبب الرضاع وجب عليك التربص حتى يعود الحيض ثم تعتدي به .

عدة المرأة المتوفى عنها وإحدادها يبدآن من وفاة زوجها لا من دفنه .

حكم الحامل وضع الجنين فقط لعموم قوله تعالى " وَأُوْلَٰتُ ٱلأَحمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعنَ حَملَهُنَّۚ " الطلاق 4 ، وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى " وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجًا يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشهُرٖ وَعَشرًاۖ " البقرة 234 ، ومن الحكم لتعلق انتهاء العدة بوضع الحمل أن الحمل حق للزوج الأول ، فإذا تزوجت بعد الفراق بوفاة وغيرها وهي حامل يكون الزوج الثاني قد سقى ماءه زرع غيره وهذا لا يجوز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره " رواه أحمد وأبو داود عن رويفع بن ثابت الأنصاري .

المرأة المعتدة عدة وفاة تكمل مدة العدة ولا تخرج للحج إلا بعد انتهاء مدة العدة .

وتجتنب المرأة في الإحداد جميع أنواع الطيب وكل أنواع الزينة ونحوهما ولا تخرج من بيتها لزيارة جيرانها الأقربين ، وليس للمرأة أن تحد على غير زوجها فوق ثلاثة أيام وليس لها أن تحد على زوجها فوق أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً فتحد عليه إلى وضع حملها لحديث : " لا يحل لزوجة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " .

والأصل أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لفريعة بنت مالك لما قتل زوجها : " امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله " .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

27 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر