الدرس السابع والثمانون : الملاعنة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 24 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2410 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

مسألة : قدرتي على الإنجاب ضعيفة كما أخبرني الأطباء أن فرصة الإنجاب 1% ، والباقي على الله وفجأة حملت زوجتي وأنجبت طفلاً ليس فيه من شبهي ولا من شبه أمه أي ملامح فعملت تحاليل وحسب تحاليل الدم أن هذا الطفل ليس مني ؟

والجواب : الولد ولدك وقد أسأت فيما فعلت والواجب عليك عدم تصديق من نفاه عنك وعدم الوسوسة في ذلك لما روى أبو هريرة " أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكرته ، قال : هل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال : فما ألوانها ؟ قالئ : حمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ قال : إن فيها لورقاً ، قال : فأنَّى ترى ذلك جاءها ؟ قال : يا رسول الله عرق نزعها ، قال : ولعل هذا عرق نزعه ولم يرخص له في الانتفاء منه " متفق عليه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " متفق عليه .

إذا زنت امرأة متزوجة وحملت فالولد للفراش للحديث الصحيح ، وإن أراد صاحب الفراش نفيه بالملاعنة فله ذلك أمام القضاء الشرعي ولا يكون مملوكاً لأحد بإجماع المسلمين .

من سافر سفراً طويلاً وترك زوجته وراءه وأنجبت هي ولداً فلا يجوز للزوج إنكار الولد إلا باللعان ، وإذا وقع اللعان حصلت الفرقة ولا تحل له أبداً ويكون ذلك في المحكمة ، وإذا تم اللعان الشرعي يلحق بأمه ولا يلحق بمن لَاعَن أمه ولا توارث بينهما كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأولادك من زوجتك قبل توبتها من ترك الصلاة يعتبرون أولاداً لك لوجود شبهة النكاح .

وحكم ولد الزنا حكم أمه فهو تابع لها على الصحيح من قولي العلماء ، فإن كانت مسلمة فهو مسلم ، وإن كانت كافرة فهو كافر ، ويُنسب إليها لا إلى الزاني ولا يضره ما جرى من أمه من الزنا ، قال تعالى " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزرَ أُخرَىٰۚ " فاطر 18 .

التبني معروفاً أيام الجاهلية قبل رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكان من تبنَّى غير ولده يُنسب إليه ويرثه ويخلو بزوجته وبناته ويحرم على المتبني زوجة متبناه ، وبالجملة كان شأن الولد المتبنى شأن الولد الحقيقي في جميع الأمور ، وقد تبنَّى النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي قبل الرسالة فكان يدعى زيد بن محمد ، واستمر العمل بالتبني على ما كان عليه زمن الجاهلية إلى السنة الثالثة أو الخامسة من الهجرة ، ثم أمر الله بنسبة الأولاد المتبنين إلى آبائهم الذين تولدوا من أصلابهم إن كانوا معروفين ، فإن لم يُعرَف آباؤهم الذين هم من أصلابهم فهم أخوة في الدين وموال لمن تبناهم ولغيرهم ، وحرَّم سبحانه أن ينسب الولد إلى من تبناه نسبة حقيقية بل حرَّم على الولد نفسه أن ينتسب إلى غير أبيه الحقيقي إلا إذا سبق هذا إلى اللسان خطأ فلا حرج فيه وبيَّن سبحانه أن هذا الحكم هو محض العدالة لما فيه من الصدق في القول وحفظ الأنساب والأعراض وحفظ الحقوق المالية لمن هو أولى بها ، قال تعالى " وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبنَآءَكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفوَٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلحَقَّ وَهُوَ يَهدِي ٱلسَّبِيلَ * ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيسَ عَلَيكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا " الأحزاب 4 ، 5 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " رواه البخاري ومسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من ادَّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة " رواه أبو داود .

والقضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية والحقوق الإسلامية من الإخاء والوداد والصلات والإحسان وكل ما يتصل بمعاني الأمور ويوحي بفعل المعروف ، فللإنسان أن ينادي من هو أصغر منه سناً بقوله يا بني على سبيل التلطف معه والعطف عليه وإشعاره بالحنان ليأنس به ويسمع نصيحته أو يقضي له حاجته ، وله أن يدعو من هو أكبر منه سناً بقوله يا أبي تكريماً له واستعطافاً لينال بره ونصحه وليكون عوناً له وليسود الأدب في المجتمع وتقوى الروابط بين أفراده وليحس الجميع بالأخوة الصادقة في الإنسانية والدين .

لقد حثت الشريعة على التعاون على البر والتقوى وندبت الناس جميعاً إلى الوداد والإحسان ، قال تعالى " وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلبِرِّ وَٱلتَّقوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثمِ وَٱلعُدۡوَٰنِۚ " المائدة 2 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " متفق عليه .

ومن ذلك تولي اليتامى والمساكين والعجزة عن الكسب ومن لا يُعرف لهم آباء بالقيام عليهم وتربيتهم والإحسان إليهم حتى لا يكون في المجتمع بائس ولا مهمل خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته أو تمرده لما أحس به من قسوة المجتمع عليه وإهماله ، وعلى الحكومات الإسلامية إنشاء دور للعجزة واليتامى واللقطاء ومن لا عائل له ومن في حكمهم فإن لم يف بيت المال بحاجة أولئك استعانت بالموسرين من الأمة ، قال صلى الله عليه وسلم : " أيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه " رواه البخاري ، ومن أخذ صبياً لتربيته فلا يجوز له أن يعطيه لقب عائلته وذلك إذا أخذه من الملجأ ، كما لا يجوز نسبتهم إليه ولا إضافتهم معه في دفتر العائلة .

ولا يجوز نسبة المرأة إلى زوجها كما جرت العادة عند الكفار ومن تشبه بهم من المسلمين .

مسألة : ما حكم ميراث ولد الزنا إن ثبت له النسب ممن ولد منه ؟
والجواب : الصحيح من أقوال العلماء أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين فيثبت نسبه إلى الواطئ ويتوارثان ، أما إن كان الوطء زنا فلا يلحق الولد بالزاني ولا يثبت نسبه إليه وعلى ذلك لا يرثه .

إذاً لا يثبت بالزنا نسب الولد للزاني لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ويجوز للزاني أن يتزوج الزانية بعد انقضاء العدة والتوبة النصوح .

وإذا واقع شاب شابة ثم حملت من الزنا ثم تزوج بها فالولد ولد زنا ولا يلحق بمن زنا بها نسباً وإنما يُنسب لأمه ، والنكاح باطل وعليهما تجديده بالوجه الشرعي إذا كان كل واحد منهما يرغب في صاحبه وعلى المذكورين أن يتوبا إلى الله ويستغفراه والتوبة الصادقة تجب ما قبلها ، قال تعالى " وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ ٱلنَّفسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفعَلۡ ذَٰلِكَ يَلقَ أَثَامًا * يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلعَذَابُ يَوۡمَ ٱلقِيَٰمَةِ وَيَخلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَٰلِحًا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا " الفرقان 68 - 70 ، وعليكم الستر عليهما وعدم إفشاء ما وقع بينهما لقول الله تعالى " إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنيَا وَٱلأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعلَمُونَ " النور 19 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " رواه مسلم .

وحقوق ولد الزنا كحقوق غيره من أولاد المسلمين إذا كانت أمه مسلمة لأنه حينئذ تابع لها وحقوقه عليها ثم على من يرثه من أقاربها ثم على جماعة المسلمين لا على من زنى بها لكونه ليس أباً شرعياً .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

24 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر