الدرس التسعون : نكاح الشغار

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 28 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2501 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

مسألة : أخوان شقيقان لكل واحد منهما ابن وبنت فطلب أحد الأخوين من أخيه أن يزوج ابنه ابنته فامتنع أولاً وقال له لا أزوج ابنك ابنتي إلا بشرط أن تزوج ابني ابنتك فاتفقا وتراضيا على ذلك فدفع أحدهما مبلغاً من المال مقابل زواج ابنه فرد الآخر المدفوع إليه ذلك المبلغ مقابل زواج ابنه كذلك وعقد كل واحد منهما على ابنته لابن أخيه في مجلس واحد ؟

والجواب : العقد الذي تم في هذا النكاح غير صحيح لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الشغار ، والنكاح المذكور هو عين الشغار فالواجب التفريق بين المذكورين .

ومن كانت لها رغبة في زوجها فلا مانع من تجديد العقد عليها من غير شرط تزويج الثانية الشخص الثاني ، ومن ليس لها رغبة وجب على زوجها طلاقها طلقة واحدة حسماً لمادة التعلق بها .

إذا اصطلحت القبيلة واتفقت فيما بينها على تعزير المتشاغرين بمبلغ من المال حتى يرتدعوا عن نكاح الشغار ، هذا إن شاء الله في محله من باب إنكار المنكر بالمال وإنكار المنكر بالمال والتعزير بالمال أمر معروف في الشريعة في أصح قولي العلماء ، فلا بأس إذا كانت الدولة أقرت على ذلك ولم يحصل من الدولة ولا من المحكمة معارضة بل أقروهم على ذلك فلا بأس إن شاء الله .

ومن شروط صحة النكاح صدوره من ولي سواء كانت المرأة بكراً أو ثيباً لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " رواه أحمد ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها " أخرجه ابن ماجة ، ولكن الأيم لابد من إذنها صريحاً وهي الثيب ، أما البكر فيكفي سكوتها لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن ، قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت " متفق عليه .

وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صماتها " ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم " الأيم أحق بنفسها من وليها " أنه ليس لوليها تزويجها إلا بإذن صريح منها جمعاً بين الأحاديث في هذا الباب ، وهذا هو قول جمهور أهل العلم وهو الحق الموافق للأحاديث الصحيحة .

مسألة : لقد اتفقت مع والد زوجتي على أنني بعد الزواج أسكن بجوارهم لكنني اضطررت بعد الزواج أن أسكن بعيداً عنهم في بلد آخر ووافقت زوجتي على ذلك غير أن والد زوجتي رفض بشدة ؟

والجواب : إذا رضيت زوجتك فلا بأس أن تنتقل بها ، أما إذا لم ترض فالمسلمون على شروطهم ، وأما إذا رضيت فلك أن تنتقل بها وليس لأمها ولا أبيها منعها من ذلك لأنك قد تحتاج لها فلا حرج ، أما إذا صارت مع والديها تريد الوفاء بالشرط فعليك أن توفي بالشرط لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم " رواه الترمذي ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج " متفق على صحته .

المرأة التي تزوجت بدون إذن وليها من تارك للصلاة جمعت بين منكرين ، المنكر الأول زواجها بدون ولي ، والمنكر الثاني زواجها من تارك الصلاة وهي مسلمة وهذا لا يجوز لأن تارك الصلاة كافر إذا كان يجحد وجوبها ، فهذا الزواج لا يصح لأن فيه شبهة وعليه أن يطلقها طلقة واحدة حتى لا يكون له شبهة عليها ، وإلا ما يصح لأن الكثيرين من أهل العلم يرون أن ترك الصلاة ليس بكفر إذا كان لم يجحد وجوبها ، وإن كان يجحد وجوبها فهو كافر بالإجماع ، وعدم الولي عند الجمهور أيضاً مبطل للنكاح ، واجتمع فيه مبطلان عدم الولي وعدم كونه مسلماً وهي مسلمة وهذا نكاح غير صحيح ، لكن للشبهة أولادهم تلحقهم من أجل الشبهة ، وعليه أن يفارقها حتى يتوب إلى الله ويعقد عقداً جديداً ولا يجوز له البقاء معها وعليه أن يجدد التوبة وأن يعقد من جديد إذا كان يرغبها وهي ترغبه إذا كان وليها مسلماً أو من ينوب عنه بالولاية الشرعية .

مسألة : رجل ماله كله حرام وتزوج وحج منه وعمل تجارة ويريد التوبة ؟

والجواب : إذا تاب تاب الله عليه والمال محل نظر بعض أهل العلم يراه له لقوله تعالى " فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ " البقرة 275 ، فإذا أخذ منه ما يسد حاجته وتصدق منه إن شاء الله يكفي ، وإن تطهر منه كله وتصدق به في وجوه البر وجدد كسباً طيباً فهذا أحوط وأحسن ، لكن إذا كان فقيراً ينتفع به لأن الله قال " فَلَهُۥ مَا سَلَفَ " وهذا يعم الكفار الذين أسلموا وقد كانوا يستعملون الربا وهو حرام وترك لهم ولم يقل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا المال الربوي بعد أن تابوا وأسلموا عليه فهذا المسلم قال بعض أهل العلم إنه مثل الكافر لا يكون أردى من الكافر فهو أولى من الكافر إذا تاب لأن منعه من المال قد ينفره من التوبة أيضاً وإن تيسر إخراجه والصدقة به فهذا أحوط خروجاً من خلاف العلماء والحج صحيح لأنه عمل بدني ليس له تعلق بالمال .

مسألة : رجل تزوج وكان أحد الشاهدين على عقد النكاح رجل لا يُصَلي ؟

والجواب : إذا كان عند العقد عند قول الولي زوجتك وعند قول الزوج قبلت لم يحضرهما إلا شاهدان أحدهما لا يصلي فيعاد العقد لأن الشاهد ليس بعدل ولأن العقد لابد فيه من شاهدي عدل مع الولي فإذا لم يحضرهما إلا شاهدان أحدهما فاجر معروف بالفجور أو كافر كتارك الصلاة فإنه يجدد العقد .

من تزوج بدون عقد النكاح نسأل الله العافية زنا صريح ، والزنا ولده لا يلحق الزاني بل يتبع المرأة وعليه الحد الشرعي حد الزنا إن كان محصناً يرجم حتى يموت وإن كان بكراً يجلد مائة ويغرب عاماً .

مسألة : امرأة اشترطت قبل عقد الزواج على الخاطب أن لا يطلقها وهل لها أن تشترط أن يكون حل عقدة النكاح بيدها ؟

والجواب : هذا الشرط ليس بصحيح فله أن يطلقها متى شاء ، ولا يجوز شرط الطلاق بيدها لأن الشرط غير صحيح .

مسألة : تقدم شاب لخطبة ابنتي وهو يعمل في بنك ربوي ويَعِد بترك العمل فيه ؟

والجواب : إذا كان حال الخاطب ما ذُكر فالنصيحة ألا يُزوَج ما دام في العمل المذكور .

الدخان من الخبائث المحرمة ومضاره كثيرة ، وقد قال الله تعالى في سورة المائدة " يَسألُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ " المائدة 4 ، وقال في سورة الأعراف في وصف النبي صلى الله عليه وسلم " وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ ٱلخَبَٰٓئِثَ " الأعراف 157 ، فالواجب على زوجك تركه والحذر منه طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحذراً من أسباب غضب الله وحفاظاً على سلامة دينه وصحته وعلى حسن العشرة معك .

والواجب عليه عن حلفه كفارة يمين مع التوبة إلى الله سبحانه من عوده إليه ، والكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة ، ويكفي في ذلك أن يعشيهم أو يغديهم أو يعطي كل واحد نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريباً وإذا لم يستطع فصيام ثلاثة أيام ، ونوصيك بعدم مطالبته بالطلاق إذا كان يصلي وسيرته طيبة وترك التدخين ، أما إن استمر على المعصية فلا مانع من طلب الطلاق .

نكاح الفاسق للمرأة المسلمة أو الكتابية المحصنة صحيح ، أما الكافر إذا نكح المسلمة ثم أسلم فإن نكاحه غير صحيح لأن الله جل وعلا قال في كتابه الكريم في سورة البقرة " وَلَا تُنكِحُواْ ٱلمُشرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ " البقرة 221 ، والمعنى لا تزوجوهم على المسلمات حتى يؤمنوا ، وقال سبحانه " فَإِنۡ عَلِمتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ " الممتحنة 10 ، فإذا تاب ورجع إلى الإسلام فلا مانع من تزويجه المسلمة التي أبطلنا نكاحه لها لما كان كافراً .

حكم نكاح نساء أهل الكتاب الحل والإباحة عند جمهور أهل العلم لقول الله سبحانه " وَٱلمُحصَنَٰتُ مِنَ ٱلمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلمُحصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِن قَبلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحصِنِينَ غَيرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخدَانٖۗ وَمَن يَكفُرۡ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ " المائدة 5 ، والمحصنة هي الحرة العفيفة في أصح أقوال علماء التفسير ، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه " وَٱلمُحصَنَٰتُ مِنَ ٱلمُؤۡمِنَٰتِ " أي : وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات ، وذكر هذا توطئة لما بعده وهو قوله تعالى " وَٱلمُحصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِن قَبلِكُمۡ " فقيل : أراد المحصنات الحرائر دون الإماء ، حكاه ابن جرير عن مجاهد ، وقال أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي رحمه الله في كتابه المغني : ليس بين أهل العلم اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

28 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر