الدرس الحادي والتسعون : عقد النكاح لمن ترك الصلاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 28 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 3171 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة ، فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر لكنه كفر دون كفر مثل البراءة من النسب ومثل القتال بين المؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " رواه البخاري ومسلم ، فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " إن كفراً بكم التبرؤ من آبائكم " رواه البخاري ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت " رواه مسلم .

فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم لأنه جاء منكراً غير معرف بأل ، وجاءت الأدلة الأخرى دالة على أن المراد به غير الكفر الأكبر بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم وهي أعظم شيء بعد الشهادتين وعمود الإسلام ، وقد بيَّن الرب عز وجل حكمها لما شرع قتال الكفار فقال " فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ " التوبة 5 ، وقال عليه الصلاة والسلام : " نهيت عن قتل المصلين " رواه أبو داود ، فدلَّ على أن من لم يصل يُقتل ولا يخلى سبيله إذا لم يتب .
والخلاصة أن القول الصواب الذي تقتضيه الأدلة هو أن ترك الصلاة كفر أكبر ولو لم يجحد وجوبها ، ولو قال الجمهور بخلافه فإن المناط هو الأدلة وليس المناط كثرة القائلين ، فالحكم معلق بالأدلة والترجيح يكون بالأدلة وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر .

وبهذا يعلم أن المسلم الذي يصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوج امرأة لا تصلي فإن النكاح باطل وهكذا العكس لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة لقوله الله تعالى " لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ " الممتحنة 10 ، وقوله سبحانه " وَلَا تَنكِحُواْ ٱلمُشرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيرٞ مِّن مُّشرِكَةٖ وَلَوۡ أَعجَبَتكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلمُشرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيرٞ مِّن مُّشرِكٖ وَلَوۡ أَعجَبَكُمۡۗ " البقرة 221 ، كما جاء التوجيه لأحد مأذوني عقود الأنكحة بعدم العقد إذا كان أحد الطرفين لا يصلي وهذا نصه :

إذا علمت أن أحد الزوجين لا يصلي فلا تعقد له على الآخر لأن ترك الصلاة كفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " خرجه مسلم في صحيحه .

وإذا كان الزوج يصلي بعض الأحيان ولا يصلي في أكثر الأحيان فلا يجوز للزوجة أن تبقي معه لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء ولو لم يجحد وجوبها ، فالواجب عليك التخلص منه ولا يجوز بقاء هذا النكاح وإذا لم يتيسر الطلاق ففي إمكانك أن ترفعي الأمر إلى المحكمة لهذه العلة مع كونه أيضاً خبيث اللسان سبَّاباً شتَّاماً ، فهذه علة أخرى لكن علة ترك الصلاة أكبر وأعظم .

مسألة : لي ابن يرغب في الزواج وهو لا يصلي وعليه بعض المعاصي ، وأنا أرغب في تزويجه لعل وعسى أن يكون في ذلك تعديل لمسار حياته فهل يجوز لي ذلك ؟

والجواب : الواجب عليك نصيحته وتأديبه حتى يصلي وليس لك تزويجه حتى يصلي لأن ترك الصلاة كفر .

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى السائل الذي يسأل عن عدد من الأسئلة وأفيدك بأن سؤال العبد ربه بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة أن يوسع عليه رزقه ويصلح له ذريته ونحو ذلك لا بأس به فيما بينه وبين ربه دون رفع الصوت واليدين ، وأما الرجل الذي تزوج بامرأة تصلي وهو لا يصلي ثم تاب بعد ذلك فإنه يجب تجديد العقد بولي وشاهدي عدل إذا رضيت المرأة بذلك في أصح قولي العلماء .

مسألة : شاب مسلم يريد الزواج من فتاة لا يعلم هل هي تصلي أم لا ؟

والجواب : الواجب أن يتثبت في الأمر ويسأل عنها أهل الخبرة فإن الزواج من كافرة إذا كانت من غير أهل الكتاب لا يجوز ، ومن ترك الصلاة كفر على الصحيح من أقوال العلماء ولو كان مقراً بالوجوب إذا تركها تهاوناً وكسلاً كفر بذلك .

ويشرع للمسلم الحرص على التماس المرأة الطيبة في دينها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه .

وبسؤال اللجنة عن رجل اعتنق القاديانية ولمن الأولاد أجابت : النكاح المسئول عنه يبطل بانتساب الزوج بعد عقد النكاح إلى الطائفة القاديانية ، واعتناقه نحلتهم ، والواجب على الحاكم أن يفرق بينهما وتكون المرأة حلاً لمن يريد الزواج بها بعد خروجها من العدة لأنه بذلك يكون مرتداً لإجماع أهل العلم على كفر الطائفة القاديانية لأن من معتقداتهم أن مرزاً غلام أحمد القادياني نبي يوحى إليه ، وقد دلَّ الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن كل من ادَّعى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كافر وأن من صدقه فهو مثله ، وأفتت أيضاً بأن زوجته المسلمة أولى بحضانة أولادها القاصرين لأنه ليس للكافر على المسلم ولاية لعموم قوله تعالى " وَلَن يَجعَلَ ٱللَّهُ لِلكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا " النساء 141 ، وقوله سبحانه وتعالى " وَٱلمُؤۡمِنُونَ وَٱلمُؤۡمِنَٰتُ بَعضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعضٖۚ " التوبة 71 .

مسألة : امرأة تقول إن زوجها يسب الدين ولها منه ولدان ويقول أيضاً إن الأديان خرافة ؟

والجواب : المذكور ليس بمسلم ولا نصراني بل هو كافر ملحد لا دين له ولا يجوز لك البقاء معه بل يجب عليك أن تطلبي منه صك الطلاق وسوف يعوضك الله خيراً منه إن شاء الله لقول الله تعالى " وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجًا * وَيَرۡزُقهُ مِنۡ حَيثُ لَا يَحتَسِبُۚ " الطلاق 2 ، 3 ، وأنت أحق بولديك منه لأنه كافر وأنت مسلمة ، والولد الصغير يتبع خير الأبوين ديناً ودين الإسلام هو الدين الحق وما سواه من الأديان باطل لقول الله عز وجل في سورة آل عمران " إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسلَٰمُۗ " آل عمران 19 ، وقوله سبحانه " وَمَن يَبتَغِ غَيرَ ٱلإِسلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ " آل عمران 85 ، وقوله عز وجل " ٱليَوۡمَ أَكمَلتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتمَمتُ عَلَيكُمۡ نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسلَٰمَ دِينًاۚ " المائدة 3 .

مسألة : رجل يعلم أن طاعة الوالدين واجبة لكن والده خطب له إحدى الفتيات وعلم أنها لا تصلي ؟

والجواب : ليس هذا من العقوق ولا يجوز نكاح امرأة لا تصلي لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء لقول النبي عليه الصلاة والسلام : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي ، وقد حكى بعض أهل العلم إجماع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم على ذلك ، وبكل حال فالتي لا تصلي لا تُنكح حتى ولو قلنا بعدم كفرها فلا ينبغي للمسلم أن يتزوجها ولا يطاع الوالد في ذلك ولا الوالدة ولا غيرهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الطاعة في المعروف " رواه البخاري ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " رواه أحمد .

وبسؤال اللجنة عن التغالي في المهور أجابت : يُكره التغالي في مهور النساء ويُسَن التخفيف في ذلك والتيسير ولكن لا يحرم المهر على المرأة ولو كان فيه مغالاة لقوله تعالى " وَءَاتَيتُمۡ إِحدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنهُ شَيئًاۚ " النساء 20 .

والقنطار هو المال الكثير وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بأربعمائة دينار سلَّمها لها النجاشي عنه صلى الله عليه وسلم ، قيمتها أربعة آلاف درهم في ذلك الوقت .

وبسؤال اللجنة عن اصطلاح القبيلة على تحديد المهر وأخذ القبيلة الزائد ، أجابت اللجنة : إذا اصطلحت القبيلة في هذا الأمر على مهر اتفقوا عليه لصالح نسائهم وشبابهم فلا يجوز لواحد أن يخالف هذا الاصطلاح والاتفاق الذي وقع في مصلحة الجميع لأن الإخلال به فيه إخلال بالمصلحة العامة لأهل القرية أو القبيلة ، فإن زاد على الحد المحدود فإنها تؤخذ منه الزيادة وتجعل في مصلحة القبيلة أو مصلحة القرية التي اتفقت على هذا المهر المعين ، وهذا نوع من التعزير للذي يخالف المصلحة العامة .

وبسؤال اللجنة هل يحق لي أن أرد بعض المهر على الزوج فمثلاً قدَّم مهراً قدره خمسون ألف ريال أرده عليه وأكتفي بألفين أو ثلاثة كما يفعل بعض الناس ؟ أجابت اللجنة : ليس لك أن ترد شيئاً من مهرها إلا بإذنها إذا كانت رشيدة لأن الحق لها في ذلك .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

28 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر