الدرس الثاني والتسعون : وليمة العرس والتكلفة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 28 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2385 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الحفلات التي تقام في الفنادق فيها أخطاء وفيها مؤاخذات متعددة منها :

أولاً : أن الغالب أن بها إسرافاً وزيادة لا حاجة إليها .

ثانياً : أن ذلك يفضي إلى التكلف في اتخاذ الولائم والإسراف في ذلك وحضور من لا حاجة إليه .

ثالثاً : أنه قد يؤدي إلى اختلاط الرجال بالنساء من عمال الفندق وغيرهم فيكون في هذا اختلاط مشين ومنكر ، وهكذا قصور الأفراح التي تُستأجر بنقود كثيرة ينبغي تركها وعدم التكلف في ذلك رفقاً بالناس وحرصاً على الاقتصاد وعدم الإسراف والتبذير وحتى يتمكن المتوسطون في الدخل من الزواج وعدم التكلف لأنه إذا رأى ابن عمه أو قريبه يتكلف في الفنادق وفي الولائم الكبيرة إما أن يماثله ويشابهه فيتكلف الديون والنفقات الباهظة ، وإما أن يتأخر ويتقاعس عن الزواج خوفاً من هذه التكلفات .

فنصيحتي لجميع الإخوان المسلمين ألا يقيموها في الفنادق ولا قصور الأفراح الغالية بل تقام إما في قصر نفقته قليلة أو في البيوت فهذا لا بأس به وعدم إقامتها في قصور الأفراح والاكتفاء بإقامتها في البيت حيث أمكن ذلك أولى وأبعد عن التكلف والإسراف .

فالإسراف لا يجوز لا في الولائم بالزواج ولا في غير ذلك ، وينبغي على صاحب الوليمة أن يتحرى المطلوب الذي لابد منه ، أما الأشياء التي لا حاجة إليها فينبغي أن يتركها ، والباقي يُسلَّم للجهات التي تقبله مثل الجمعيات الخيرية أو بعض الفقراء أو العمال يُنقل إليهم .

فالواجب أن ينقل إلى من يستفيد منه ولا يُلقى في النفايات ولا مع القمامات ولا يقرب النجاسات بل يُنقل إلى المحتاجين ، وإذا لم يكن هناك محتاجون فينقل إلى محل سليم ليس في الطرقات ولا مع القاذورات فلعله أن يأتي من يأكله من الناس أو الدواب وحتى لا يُمتهن وهذا عند الضرورة .

قد يبتلي الله عباده بالفقر والحاجة كما حصل لأهل هذه البلاد في أول القرن الرابع عشر ، قال تعالى " وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٖ مِّنَ ٱلخَوۡفِ وَٱلجُوعِ وَنَقصٖ مِّنَ ٱلأَموَٰلِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ " البقرة 155 ، 156 ، كما يبتليهم بالنعم وسعة الرزق كما هو واقعنا اليوم ليختبر إيمانهم وشكرهم قال تعالى " إِنَّمَآ أَموَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجرٌ عَظِيمٞ " التغابن 15 ، والعاقبة الحميدة في كل ذلك للمتقين الذين تكون أعمالهم وفق ما شرع الله كالصبر والاحتساب في حال الفقر ، وشكر الله على النعم وصرف المال في مصارفه في حال الغنى .

ومن الاقتصاد صرف المال في مصارفه في المأكل والمشرب من غير تقتير على النفس والأهل ولا إسراف في تضييع المال من غير حاجة ، وقد نهى الله عن ذلك كله فقال تعالى " وَلَا تَجعَلۡ يَدَكَ مَغلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبسُطهَا كُلَّ ٱلبَسطِ فَتَقعُدَ مَلُومًا مَّحسُورًا " الإسراء 29 ، وقال تعالى في النهي عن إضاعة المال " وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَموَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمًا " النساء 5 ، نهى الله عز وجل في هذه الآية عن إعطاء الأموال للسفهاء لأنهم يصرفونها في غير مصارفها فدلَّ ذلك على أن صرفها في غير مصارفها أمر منهي عنه ، وقال تعالى " يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشرَبُواْ وَلَا تُسرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلمُسرِفِينَ " الأعراف 31 ، والإسراف هو الزيادة في صرف الأموال على مقدار الحاجة ، والتبذير صرفها في غير وجهها .

وقد ابتلي الناس اليوم بالمباهاة في المآكل والمشارب خاصة في الولائم وحفلات الأعراس فلا يكتفون بقدر الحاجة ، وكثير منهم إذا انتهى الناس من الأكل ألقوا باقي الطعام في الزبالة والطرق الممتهنة ، وهذا من كفر النعمة وسبب في تحولها وزوالها ، فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحاجة ، وإذا فضل شيء عن الحاجة بحث عمَّن هو في حاجته وإذا تعذر ذلك وضعه في مكان بعيد عن الامتهان لتأكله الدواب ومن شاء الله ويسلم من الامتهان .
والواجب على كل مسلم أن يحرص على تجنب ما نهى الله عنه وأن يكون حكيماً في تصرفاته مبتغياً في ذلك وجه الله شاكراً لنعمه حذراً من التهاون بها وصرفها في غير مصارفها ، قال تعالى " لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ " إبراهيم 7 ، وأخبر سبحانه أن الشكر يكون بالعمل لا بمجرد القول فقال سبحانه " ٱعمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكرًاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ " سبأ 13 ، فالشكر لله يكون بالقلب واللسان والعمل ، فمن شكر الله قولًا وعملًا زاده من فضله وأحسن له العاقبة ، ومن كفر بنعم الله ولم يصرفها في مصارفها فهو على خطر عظيم وقد توعده الله بالعذاب الشديد .

وإنه من المناسب جداً تذكير المجتمعين في حفلات الزواج من الرجال والنساء بما يجب عليهم من حق الله وطاعته والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والحذر من كل ما نهى الله عنه مع التشجيع على الزواج والحث على تقليل التكاليف حتى يكثر الزواج والإعفاف للرجال والنساء .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رداً على أبي تراب الظاهري : لقد اطلعت على ما نشرته مجلة الرائد في عددها السابع والستين والثامن والستين بقلم أبي تراب الظاهري تحت عنوان ( الكتاب والسنة لم يُحَرِّمَا الغناء ولا استعمال المعازف والمزامير والاستماع إليها ) وتأملت ما ذكره في هذا المقال من الأحاديث والآثار تبعاً لإمامه أبي محمد ابن حزم الظاهري فتعجبت كثيراً من جرأته الشديدة تبعاً لإمامه أبي محمد على القول بتضعيف جميع ما ورد من الأحاديث في تحريم الغناء وآلات الملاهي ، بل على ما هو أشنع من ذلك وهو القول بأن الأحاديث الواردة في ذلك موضوعة ، وعجبت أيضاً من جرأتهما الشديدة الغريبة على القول بحل الغناء وجميع آلات الملاهي مع كثرة ما ورد في النهي عن ذلك من الآيات والأحاديث والآثار عن السلف الصالح رضي الله عنهم ، فنسأل الله العافية والسلامة من القول عليه بغير علم والجرأة على تحليل ما حرَّمه الله من غير برهان .

ولقد أنكر أهل العلم قديماً على أبي محمد هذه الجرأة الشديدة وعابوه بها وجرى عليه بسببها محن كثيرة ، فنسأل الله أن يعفو عنا وعنه وعن سائر المسلمين .

ولقد حذَّر الله عباده من القول عليه بغير علم ونهاهم سبحانه أن يحرموا أو يحللوا بغير برهان ، وأخبر عز وجل أن ذلك من أمر الشيطان وتزيينه قال تعالى " قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثمَ وَٱلبَغيَ بِغَيرِ ٱلحَقِّ وَأَن تُشرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلطَٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ " الأعراف 33 ، وقال تعالى " وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ ٱلكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ لَا يُفلِحُونَ * مَتَٰعٞ قَلِيلٞ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ " النحل 116 ، 117 ، وقال تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرۡضِ حَلَٰلًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلفَحشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ " البقرة 168 ، 169 ، فحذر الله سبحانه عباده في هذه الآيات الكريمات من التحليل والتحريم بغير علم ، وبيَّن سبحانه أن القول عليه بغير علم في رتبة رهيبة فوق الشرك ، ونبَّه عباده على أن الشيطان يحب منهم القول على الله بغير علم ويأمرهم به ليفسد عليهم بذلك دينهم وأخلاقهم ومجتمعهم .

فالواجب على كل مسلم أن يحذر القول على الله بغير علم وأن يخاف الله سبحانه ويراقبه فيما يحلل ويحرم وأن يتجرد من الهوى والتقليد الأعمى ، وأن يقصد أيضاً حكم الله لعباد الله على الوجه الذي بيَّنه الله في كتابه أو أرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

28 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر