الدرس الحادي والثمانون : النكاح 15

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 23 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2333 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إذا رضيت الزوجة بغياب زوجها لمدة سنتين أو أكثر فلا حرج ولا إثم على الزوج ، وإذا لم ترض فهجرها تلك المدة حرام ، والمدة التي يجوز فيها الغياب عن الزوجة أربعة أشهر وتسمى مدة الإيلاء وما زاد على ذلك فالغياب عنها حرام إلا برضاها .

ينبغي للإنسان إذا عاد من سفره الطويل ألا يطرق أهله ليلاً ولا يفاجئ زوجته بدخول البيت على غرة لئلا يقع منها على ما يكره ويجد منها ما ينفره منها ، بل يتمهل حتى تعلم بقدومه وتتأهب له ، وهذا من حسن العشرة وآداب الحياة الزوجية وهو أحرى لبقائها والمحافظة عليها ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً فقال صلى الله عليه وسلم : " إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً " رواه البخاري ومسلم ، وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة " ، فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الحكمة في نهي من عاد من سفر طويل عن الدخول على زوجته البيت على غرة دون أن تتمكن من التأهب والتزين له وألا يجد منها ما يكره أو تنفر منه نفسه .

يجوز للرجل أن يجامع زوجته أكثر من مرة ، ولكن ينبغي له أن يتوضأ قبل أن يعاود الجماع لحديث : " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ " ، زاد الحاكم : " فإنه أنشط للعود " ، ويستحب لكل من الزوج والزوجة أن يقول عند إرادة الجماع " بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قضى بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً " متفق عليه .

والأخلاق التي على الزوجة اتباعها حيال زوجها أن تطيعه فيما أمرها به من المعروف ما دام في حدود طاقتها وأن تحفظه في عرضه وماله وأولاده وترعاه في أهله وألا تمتنع منه إذا دعاها إلى الفراش وألا تخرج من بيته إلا بإذنه وأن تقوم بما يلزم مثلها من أعمال البيت .

وبالجملة عليها أن تحسن عشرته وتعامله بالتي هي أحسن وتدفع سيئته بالحسنة حتى يتم الألف والأنس بينهما فتدوم حياتهما الزوجية بإذن الله ، وكذا على الزوج للزوجة أن يعاشرها بالمعروف لقوله تعالى " وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلمَعرُوفِۚ " النساء 19 ، ولقوله تعالى " وَلَهُنَّ مِثلُ ٱلَّذِي عَلَيهِنَّ بِٱلمَعرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " البقرة 228 .

ويوم الجمعة يوم عيد للمسلمين يستحب للمرء فيه أن يغتسل ويتطهر ويمس من طيب بيته ويلبس ثوبين نظيفين وأن يأتي الجمعة مبكراً ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كُتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " رواه أحمد من حديث سلمان رضي الله عنه ، ويوم الاثنين من أفضل أيام الأسبوع فيه يرفع عمل المؤمن إلى الله تعالى ويستحب صيامه .

يجوز أن ينام الرجل وزوجته متجردين متغطين بغطاء واحد لأنه يباح لكل من الزوجين أن يلمس وينظر سائر جسد الآخر ، ولما روى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت " كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه " رواه أحمد ، وإن أصاب تعني : ثوبه منه شيء غسل مكانه لم يعده ، ولكن المشروع في هذه الحالة أن يأمرها إذا كانت حائضاً أن تأتزر لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض " ، فيجوز للزوج أن يتجرد من كل ملابسه لزوجته عند الجماع لكن ينبغي أن يكون عليهما ما يسترهما ، إذ يجوز للرجل أن يرى من زوجته وأن ترى منه ما شاء .

أما معنى قوله تعالى " هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ " البقرة 187 ، فقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان يعني : هن سكن لكم وأنتم سكن لهن ، وقال الربيع بن أنس : هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن .

قال ابن كثير رحمه الله : وحاصله أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان لئلا يشق ذلك عليهم ويحرجوا .

تصوير ما يحصل من الزوجين عند المعاشرة الزوجية محرم شديد التحريم لعموم أدلة تحريم التصوير ، ولما يفضي إليه تصوير المعاشرة الزوجية خصوصاً من المفاسد والشرور التي لا تخفى مما لا يقره شرع ولا عقل ولا خلق ، فالواجب الابتعاد عن ذلك والحرص على صيانة العرض والعورات فإن ذلك من الإيمان واستقامة الفطرة ومما يحبه الله سبحانه .

الأصل أن المرأة لا تخرج من البيت إلا بإذن زوجها ، وإذا أذن لها زوجها وخرجت فإنها تخرج في هيئة لا تتعلق بها أنظار الرجال ، ويجب عليها أن تستر وجهها ويديها وسائر بدنها ولا يجوز لها أن تتبرج لقوله تعالى " وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰۖ " الأحزاب 33 ، ولزوجها أن يمنعها إذا كانت لا تخرج إلا متبرجة .

النشوز هو امتناع أحد الزوجين من القيام بحق الآخر فيكون من الزوجين ، قال تعالى " وَإِنِ ٱمرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَآ أَن يُصلِحَا بَينَهُمَا صُلحاًۚ وَٱلصُّلحُ خَيرٞۗ " النساء 128 ، وذلك بأن تتنازل المرأة عن شيء من حقها حتى لا يطلقها كما فعلت سودة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى " وَإِنِ ٱمرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعرَاضاً " قالت " هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له : أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من النفقة عليّ والقسم لي فذلك قوله تعالى " فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَآ أَن يُصلِحَا بَينَهُمَا صُلحاًۚ وَٱلصُّلحُ خَيرٞۗ " ، وفي رواية قالت " هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبراً أو غيره فيريد فراقها فتقول : أمسكني واقسم لي ما شئت ، قالت : فلا بأس إذا تراضيا " متفق عليه .

يحرم تخبيب المرأة على زوجها لورود الأدلة بالنهي عن ذلك ومرتكب ذلك آثم وفاسق بفعله المنكر سواء كان المخبب من الأقارب أو غيرهم فقد أخرج النسائي وأبو داود وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس منا من خبَّب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده " واللفظ لأبي داود .

يجب على الزوجة أن تعاشر زوجها بالمعروف وأن تعامله بإحسان ابتغاء مرضاة الله جل وعلا ولا يحل للمرأة أن تمتنع عن فراش زوجها إذا دعاها إلا بعذر شرعي .

يحق للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا كان رجل عقيم لأن النسل من مقاصد النكاح .

إذا كان الزوج مستمراً في شرب الخمر فللزوجة أن تطالب الفراق منه لئلا يؤثر عليها وعلى أولادها .

إذا حصل مخالعة بين الزوج وزوجته فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه ورضا منها إذا لم يكن سبق وأن طلقها طلقتين .

إذا كرهت المرأة زوجها وخافت ألا تقيم حدود الله شُرع حينئذ الخلع بأن ترد عليه ما أعطاها من الصداق ثم يفارقها لحديث امرأة ثابت بن قيس أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : " يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ فقالت : نعم ، فردتها عليه وأمره ففارقها " رواه البخاري .

لا مانع أن يكون عوض الخلع مؤجلاً بأجل معلوم ، وأما تأجيله بزواج المرأة المختلعة فغير صحيح لأنه غير معلوم .

إذا رغبت الزوجة المخالعة ورفض الزوج الموافقة إلا أن ترد عليه زيادة على المهر الذي دفعه فلا بأس في أخذ الزوج الزيادة التي طلبها على دفعه مهراً لها في مقابل مخالعته إياها ، مثاله دَفَع مهراً خمسة آلاف وطلبت الزوجة الطلاق وقال : أطلق إذا دفعت لي عشرة آلاف فله ذلك .

ومن أمثلة المخالعة ، قال في المقنع : إن قال خالعتك بألف فأنكرت أو قالت إنما خالعت غيري بانت ، والقول قولها مع يمينها في العوض ، وقال في الحاشية على قوله بانت : أي بها قراره .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

23 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر