الدرس الثاني والثمانون : الطلاق

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 23 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2688 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إذا أصرَّ الرجل على الطلاق فليكن تسريحاً بإحسان طلقة واحدة ويلزمه نفقتها وكسوتها وسكناها مدة العدة ، وإن بدا له أن يراجعها فله ذلك ما دامت في العدة إذا لم تسبق هذه الطلقة بطلقتين قبلها ، وقد وضع الله الطلاق بيد الزوج وحده لحكم عظيمة منها :

أولاً : قوة عقله وإرادته وسعة إدراكه وبُعد نظره لعواقب الأمور بخلاف المرأة فليست كذلك .

ثانياً : قيامه بالإنفاق وكونه صاحب السيطرة والأمر والنهي في بيته فهو عماد البيت ورب لأسرته .

ثالثاً : أن المهر يجب على الزوج فجعل الطلاق في يده لئلا تطمع المرأة فإذا تزوجت وأخذت المهر طلَّقت زوجها للحصول على مهر آخر وهكذا وهذا يضر الزوج وقد نبَّه الله سبحانه على هذا المعنى في قوله عز وجل " ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعضَهُمۡ عَلَىٰ بَعضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَموَٰلِهِمۡۚ " النساء 34 .

والأصل أن الطلاق بيد الزوج ومن يفوض إلى ذلك من طريق الزوج هذا إذا كان الزوج أهلاً لصدور الطلاق منه ، وأما إذا لم يكن أهلاً فإن وليه يقوم مقامه وإذا فوض الزوج إلى زوجته أن تطلق نفسها منه فلها أن تطلق نفسها منه ما لم يفسخ الوكالة ، وأما جعل الزوج العصمة بيد الزوجة بشرط في العقد متى شاءت طلَّقت نفسها فهذا الشرط باطل لكونه يخالف مقتضى العقد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط " .

وإذا نصحت الزوجة ولم تُصَلِ وجب طلاقها لأنها كافرة بالإجماع إذا جحدت وجوبها ، وعلى الصحيح من قولي العلماء إذا لم تجحد وجوبها ، وقد قال تعالى " وَلَا تُمسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلكَوَافِرِ " الممتحنة 10 .

مسألة : نصرانية أسلمت فتزوجت من مسلم ثم ارتدت إلى النصرانية ؟

والجواب : تحرم على زوجها بارتدادها ولا تحل له إلا إذا تابت من ردتها ورجعت إلى الإسلام قال تعالى " وَلَا تُمسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلكَوَافِرِ " الممتحنة 10 ، وقال تعالى " وَمَن يَكفُرۡ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ " المائدة 5 ، وزواجها به من عملها فحبط بردتها وحكم الشريعة الإسلامية فيها أنها تُقتل إلا إذا تابت من ردتها وعادت إلى الإسلام لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من بدَّل دينه فاقتلوه " .

وإذا طلق الرجل طلقة واحدة ولم تكن آخر ثلاث تطليقات فله مراجعتها بشهادة عدلين ما دامت في عدتها ، والعدة بالنسبة لمن تحيض ثلاث حيضات ، وبالنسبة للحامل إلى وضع حملها ، وبالنسبة لغير الحامل ومن يئست من الحيض ثلاثة أشهر .

أما إذا كان الطلاق آخر ثلاث تطليقات فلا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر ويطأها ويطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها فتحل لزوجها الأول بعقد نكاح ومهر جديدين برضاها ، ويكتفي في المراجعة أن يقول راجعت زوجتي ويشهد على ذلك رجلين .

إذا وكلت رجلاً يطلق زوجتك فتبين لك بعد مدة أنه لم يطلقها فإنها لم تطلق بمجرد توكيلك إياه على الطلاق ما دام لم ينفذ ما وكلته فيه ، وكذلك لا يعتبر عزمك على طلاق زوجتك وذهابك إلى شيخ لتطلقها عنده طلاقاً لزوجتك ما دمت لم تتكلم بطلاقها ولم تكتبه .

إذا قال لزوجته لك طلاق سوف يلحقك ولم يقل لها غير هذا الكلام فما صدر منه لا يعتبر طلاقاً وإنما هو وعد منه بالطلاق فإن نفذ وقع وإلا فلا ، وإذا قدم معروض لرئيس المحكمة يريد طلاق زوجته ولم ينفذ لا يقع الطلاق لأنه وعد ولم ينفذ .

إذا عاهدت والدتك على أن تطلق زوجتك تطييباً لخاطرها فلا يقع بذلك العهد طلاق ولا يلزمك أن تطلق زوجتك لتفي بهذا العهد ولا يلزمك طلاقها طاعة لأمك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنما الطاعة في المعروف " .

وإذا كانت الزوجة التي أمرتك أمك بطلاقها مستقيمة في دينها غير مؤذية لأمك فلا يلزمك طلاقها ، وإن كانت غير مستقيمة في دينها أو مؤذية لأمك وجب عليك مناصحتها فإن لم تمتثل وجب عليك طلاقها ، وكذا والدك عليك إقناعه بعدم طلاق زوجتك فإن أصرَّ وجب عليك أن تطلقها إذا كان ذلك لأمر شرعي وإلا فلا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطاعة في المعروف " .

مسألة : رجل قال لزوجته إذا لم تخرجي التليفزيون من البيت فأنت طالق ؟

والجواب : إذا كان قصد الزوج إيقاع الطلاق على زوجته إذا لم تخرج التلفزيون ثم لم تخرجه وقع طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة إذا لم تكن هذه هي الطلقة الثالثة ، وإن كان يقصد الزوج حث الزوجة وإلزامها أن تخرج التلفزيون ولم يقصد الطلاق ثم لم تخرج التلفزيون فحكم ذلك حكم اليمين فيكفر كفارة يمين ولا يقع طلاق ، والكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام .

مسألة : رجل حصل بينه وبين زوجته خلاف فطلب منها المضاجعة فقالت وهل تطلقني إذا مكنتك من نفسي قال نعم فما الحكم ؟

والجواب : فقوله نعم وعد لها بالطلاق إذا واقعها لا طلاق .

إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً رجعياً جاز له أن يزورها وأن يخلو بها وأن يرى منها ما يرى الزوج من زوجته ما دامت في العدة فإن انقضت عدتها فهي أجنبية بالنسبة له فلا يجوز له أن يخلو بها ، وطلاق المجنون لا يقع لأنه غير مكلف لزوال عقله وقد جاء الحديث بذلك فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رُفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل " رواه أبو داود وغيره .

وإذا أُجبر على طلاقه زوجته من قبل أوليائها وكان إجباره بطريقة يخشى على نفسه منها إن لم يجبهم إلى طلبهم فلا يقع طلاقه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه والدارقطني ، قال عبد الحق : إسناده متصل صحيح .

ذكر السائل أنه طلق زوجته مكرهاً وذلك حينما أخذت بحلقه ، فإذا غلب على ظنه أنها جادة وخشي أن تفتك به أو تُلحق به أذى يجحف به لا يستطيع ردَّه إلا بإجابتها إلى ما طلبت وذلك بتطليقه إياها فهذا يعتبر طلاق إكراه وقد ذكر بعض أهل العلم ضابط الإكراه بقوله : لا يكون مكرهاً حتى ينال بشيء من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق ، وبعضهم قال : إن هُدد بالقتل أو أخذ المال ونحوه وهو قادر يغلب على الظن وقوع ما هدده به فهو إكراه ، وطلاق المكره لا يقع ، قال صاحب " الشرح الكبير " : لا تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع ، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد وشريح وعطاء وطاووس وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والطبراني في الكبير والصغير .

أما إذا كان فعلها معه لا يصل إلى حد الإكراه حيث إنه يستطيع تخليص نفسه دون أن يلحقه أذى ومع ذلك استجاب لها وطلقها فطلاقه واقع ، فإن كان يقصد بتكراره الطلاق العدد وقع منه عليها طلقتان ، وإن كان يقصد بتكراره الطلاق التوكيد وقع منه طلقة واحدة .

إذا طلق الغضبان وهو لا يشعر ، فإن كان لديه بينة عادلة تشهد بما يقول فإن هذا الطلاق لا يقع وإن لم يكن لديه بينة فطلقة واحدة .

مسألة : حصل نقاش بيني وبين زوجتي ومن شدة غضبي عليها قلت تغطي مع شهود ؟

والجواب : إذا كان الأمر كما ذكرت وكان الغضب الذي حصل عند قولك لزوجتك تغطي لا تعي معه ما تقول ولديك بينة بذلك فإن قولك تغطي لا يقع به طلاق ، وإن كنت تعي ما تقول فإن قولك تغطي كناية من كنايات الطلاق فيقع بها طلقة واحدة لوجود قرينة دالة على إرادة الطلاق وهي حصول النقاش بينك وبينها إلى درجة أنك غضبت عليها .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

23 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر