الدرس السابع والسبعون : النكاح 11

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 22 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1963 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز للرجال دق الطبول في المناسبات من ختان وغيره لأن هذا من اللهو المحرم ، وإنما يُستحب للنساء ضرب الدفوف في مناسبة الزواج إعلاناً للنكاح كما جاءت بذلك السنة ويكون هذا بغير اختلاط بالرجال وإنما يكون في محيط النساء .

طاعة الوالدين واجبة ، وكذا برهما والإحسان إليهما لنصوص القرآن والسنة الواردة في ذلك ، أما طاعتهما في الزواج من امرأة معينة والابن لا يريدها فلا تجب لأنه إن أطاعهما فيُخشى من تعثر الزواج وعدم الألفة وحصول الطلاق ، لكن يجب على الابن في جميع الأحوال مراعاة خاطرهما بالأساليب الحسنة التي تطمئن قلبيهما ويجتنب مصادمتهما برأيه ويحذر الأساليب الجافة مع مُضي الابن فيما يراه من مصلحة راجحة لأنه أدرى بأمره وخاصة نفسه .

الزواج في الإسلام مبني على الإعلان فلا يجوز إخفاؤه ولمشروعية إعلانه حكم جليلة لا تخفى ، من أهمها التفريق بينه وبين السفاح ، فإن السفاح هو الذي يُخفى ويسر به .

إجبار كل فرد من أفراد القبيلة للمساهمة في مهر المتزوج سواء كان المتبرع غنياً أو فقيراً ، هذا الاتفاق فيه إلزام للناس بما لم يوجبه الله تعالى عليهم وقد يسبب النزاع والشقاق والحقد والبغضاء بين أفراد القبيلة وقد يُؤخذ المال من صاحبه بغير طيب نفس منه ، وفيه أيضاً التسوية بين المعسرين والموسرين فيما يدفعونه من المال وهذا ليس من العدل في شيء وبناء على ما تقدم فهذا الاتفاق لا يجوز عقده ولا الاستمرار عليه .

فالتعاون بين أفراد القبيلة طيب ومن الخصال الحميدة لا سيما عند الحاجة إلى المساعدة ونحوه لكن لا تكون المساعدة إجبارية على كل فرد من أفراد القبيلة ، بل تكون اختيارية وتبرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه " .

قراءة الفاتحة عند خطبة الرجل امرأة أو عقد نكاحه عليها بدعة ، ولبس الخاطب والمخطوبة أو الزوجين خاتم أو دبلة الخطوبة أو الزواج ليس له أصل في الإسلام بل هو بدعة قلَّد فيها جهلة المسلمين وضعفاء الدين الكفار في عاداتهم ، وذلك ممنوع لما فيه من التشبه بالكفار وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لبس الخاتم بمناسبة الزواج لما في ذلك من مشابهة الكفار في عاداتهم لأن ذلك لم يكن شعاراً للمسلمين في الزواج وإنما هو عادة الكفار في الزواج ثم قلدهم فيه ضعاف الإيمان وجهلة المسلمين .

ما ذكر السائل مما يجري بمناسبة الزواج في بعض البلاد من الاحتفالات إذا خرجت قطعة القماش من عند العروسين ملطخة بالدم فرحاً بذلك وإشاعة له ، وما يحصل من الحزن والانكسار إذا لم يخرج هذا القماش أو إرجاع ذلك إلى السحر ، ثم العمل على فك السحر عند المشعوذين ، كل ذلك محرم وباطل لا أصل له في دين الإسلام ، وهو اعتقاد باطل وعادة سيئة مخالفة للحياء والمروءة والحشمة ، وما زال الزواج من عهد النبي صلى الله عليه وسلم جارياً على خير وجه وخالياً من هذه العادات الباطلة والاعتقادات الخاطئة ، وليس بلازم أن يصيب الزوج زوجته في أول ليلة من الزواج فقد يتأخر ذلك لمانع من الموانع ثم يحصل المطلوب دون أن يتخذ أي إجراء مما ذُكر .

ومن كان متلبساً بإحرام لعمرة أو حج فإنه يحرم عليه أثناء إحرامه النكاح وعقد الزواج له أو لغيره .

إذا تراضى الزوجان على الغَيبة سواء كانت طويلة أم قصيرة مع العفاف فلا حرج عليهما ، وإن خاف أحدهما على نفسه من الغَيبة مع الحاجة إليها لكسب العيش طلب من صاحبه حقه بما يحقق الاجتماع محافظةً على العرض وتحقيقاً للعفة وتحصين الفروج ، فإن أبى رفع المحتاج أمره إلى القاضي ليحكم بينهما بما شرع الله .

لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه لا لوالديها ولا لغيرهم لأن ذلك من حقوقه عليها إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج .

يجب على المرأة أن تحافظ على عرضها وتلزم العفاف دائماً وهي في ولاية عصبتها بعد عقد الزواج وقبل دخول الزوج بها فلا تسافر إلا بإذنهم مع محرم ولا تخرج من البيت إلا بإذنهم ولا يجب عليها أن تستأذن زوجها في تلك المدة .

بلغ أهلك بميعاد عودتك من سفرك لتكون زوجتك على بينة من وقت وصولك فتستعد للقائك على خير حال فإن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً " ، والزم الرفق بأهلك وأحسن إليهم وصِلْ أقاربك عسى الله أن يبارك لك في حياتك وفي أسرتك واحرص على أداء واجبات الإسلام وأمر بها أهلك وأقاربك .

لا يجوز للزوجة أن تأذن لأحد بدخول بيت زوجها في غيابه إلا إذا كانوا محارم لها كأبيها وأبي الزوج وأخيها وابنه وابن أختها وعمها وخالها وأمثال هؤلاء من محارمها .

ولا يجوز للزوجة أن تطيع زوجها في معصية الله كالوطء في الدبر والحيض لحديث " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الطاعة في المعروف " ، أما الكذب عليه فلا بأس به إذا كان ذلك يترتب عليه مصلحة ولا يضر أحداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للزوجين في كذب كل واحد منهما على الآخر فيما يتعلق بمصلحتهما ولا يضر غيرهما .

لله الحكمة البالغة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من مجموعة من النساء ، ومن حكمته أنه سبحانه أباح للرجال في الشرائع السابقة وفي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يجمع في عصمته أكثر من زوجة ، فلم يكن تعدد الزوجات خاصاً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كان ليعقوب عليه الصلاة والسلام زوجتان ، وجمع سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بين مائة امرأة إلا واحدة وطاف عليهن في ليلة واحدة رجاء أن يرزقه الله من كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله ، وليس هذا بدعاً في التشريع ولا مخالفاً للعقل ولا لمقتضى الفطرة بل هو مقتضى الحكمة ، فإن النساء أكثر من الرجال حسب ما دلَّ عليه الإحصاء المستمر وإن الرجل قد يكون لديه من القوة ما يدعوه إلى أن يتزوج أكثر من واحدة لقضاء وطره في الحلال بدلاً من قضائه في الحرام أو كبت نفسه وقد يعتري المرأة من الأمراض أو الموانع كالحيض والنفاس ما يحول بين الرجل وبين قضاء وطره معها فيحتاج إلى أن يكون لديه زوجة أخرى يقضي معها وطره بدلاً من الكبت أو ارتكاب الفاحشة ، وإذا كان تعدد الزوجات مباحاً ومستساغاً عقلاً وفطرة وشرعاً وقد وجُد العمل به في الأنبياء السابقين ، وقد تُوجِبُه الضرورة أو تستدعيه الحاجة أحياناً فلا عجب أن يقع ذلك من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

وهناك حكم أخرى لجمعه صلى الله عليه وسلم بين زوجات ذكرها العلماء ، منها توثيق العلاقات بينه وبين بعض القبائل وتقوية الروابط عسى أن يعود ذلك على الإسلام بالقوة ويساعد على نشره لما في المصاهرة من زيادة الألفة وتأكيد أواصر المحبة والإخاء ، ومنها إيواء بعض الأرامل وتعويضهن خيراً مما فقدن فإن في ذلك تطييباً للخواطر وجبراً للمصائب وشرع سنة للأمة في نهج سبيل الإحسان إلى من أُصيب أزواجهن في الجهاد ونحوه ، ومنها رجاء زيادة النسل مسايرة للفطرة وتكثيراً لسواد الأمة ودعماً لها بمن يؤمل أن ينهض بها في نصر الدين ونشره ، ومنها تكثير المعلمات والموجهات للأمة مما تعلمنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمنه من سيرته الداخلية .

وليس الداعي إلى جمعه صلى الله عليه وسلم مجرد الشهوة لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً ولا صغيرة إلا عائشة رضي الله عنها وبقية نسائه ثيبات ، ولو كانت شهوته تحكمه والغريزة الجنسية هي التي تدفعه إلى كثرة الزواج وتصرفه لتخيَّر الأبكار الصغيرات لإشباع غريزته وخاصة بعد أن هاجر وفُتِحَتْ الفتوح وقامت دولة الإسلام وقويت شوكة المسلمين وكثر سوادهم ومع رغبة كل أسرة في أن يصاهرها وحبها أن يتزوج منها ولكنه لم يفعل إنما كان يتزوج لمناسبات كريمة ودواع سامية يعرفها من تتبع ظروف زواجه بكل واحدة من نسائه ، وأيضاً لو كان شهوانياً لعُرف ذلك في سيرته أيام شبابه وقوته يوم لم يكن عنده إلا زوجته الكريمة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهي تكبره سناً ، وَلَعُرِفَ عنه الانحراف والجور في قسمه بين نسائه وهن متفاوتات في السن والجمال ولكنه لم يُعرف عنه إلا كمال العفة والأمانة في عرضه وصيانته لنفسه وحفظه لفرجه في شبابه وكبر سنه .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

22 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر