الدرس الخامس والسبعون : النكاح 9

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 21 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2232 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الدين الإسلامي حثَّ على الزواج ورغَّب فيه وفي تكثير النسل وزيادة عدد الأمة الإسلامية ، ولما في ذلك من بقاء النوع الإنساني وتعقيب الذرية الصالحة التي بها استمرار عمل المرء المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " .

ومن كتم على زوجته أنه عقيم فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه مما حصل منه من كتمان ما يعتقده في نفسه من العقم لأن ذلك غش لها ، وعليه أن يستميحها ويطيب خاطرها عسى أن ترضى بالحياة الزوجية معه .

ومن كان يحس أنه لا يستطيع القيام بعملية الجماع كما يجب فإننا ننصحه بالزواج لعل الله يعينه ويقويه على المطلوب ، فإن نجح في ذلك وإلا وجب عليه الطلاق إلا أن ترضى بالبقاء معه ، وأما إن كان يعلم أنه عاجز بالكلية فعليه أن يخبر المخطوبة بذلك فإن رضيت فالحمد لله ، وإلا فليس له أن يخدعها ، كما يجب أن يُبَيَّنَ للخاطب ما في المخطوبة من مرض وعيب إذا لم يعلم ليكون على بينة من أمره لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من غشَّنا فليس منا " .

إذا أسلمت النصرانية وهي زوجة نصراني انفسخ عقد الزواج وترد إليه ما أخذت منه من المهر لقوله تعالى " فَإِنۡ عَلِمتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ " الممتحنة 10 ، وعلى هذا لا يجوز لها البقاء معه ولو كانا كبيرين لا علاقة جنسية بينهما وتعتد عدة المطلقة احتياطاً بثلاثة أشهر لكونها يائسة من المحيض ، قال تعالى " وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسنَ مِنَ ٱلمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشهُرٖ " الطلاق 4 ، ويجوز له مراجعتها إذا أسلم قبل أن تتزوج بغيره بعقد جديد إذا كانت قد انتهت عدتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ بنته زينب على زوجها حينما أسلم وقد أسلمت قبله بسنوات ، ولم تكن تزوجت بعد إسلامها إلى حين إسلامه .

إذا أسلمت امرأة حرمت على زوجها حتى يسلم ، فإذا أسلم وهي في العدة فهي زوجته بدون إجراء عقد جديد ، ومتى أسلم بعد خروجها من العدة فله العود إليها بنكاح جديد إذا رغبت في ذلك بشروطه المعتبرة شرعاً .

وإذا أراد كافر الدخول في الإسلام فيجب أن يُعلَّم الشهادتين ويفهم معناهما ويُبيَّن له أن عيسى عبد الله ورسوله وتُشرح له أركان الإيمان الستة وبقية أركان الإسلام الخمسة كلٌ في وقته على ما ثبت في حديث عمر رضي الله عنه في سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في بعث معاذ إلى اليمن .

إذا أسلم هو وزوجته فهما زوجان على ما سبق لهما من عقد النكاح ، وكذا إذا أسلمت بعده أو أسلم هو بعدها أُقرا على ما كان بينهما من عقد سابق ، وهكذا لو أسلم هو ولم تسلم هي فإنهما يُقران على نكاحهما إذا كانت يهودية أو نصرانية محصنة لقول الله تعالى " ٱليَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلمُحصَنَٰتُ مِنَ ٱلمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلمُحصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِن قَبلِكُمۡ " المائدة 5 ، ومن كان من أولادهما لم يبلغ الحلم حُكم له بالإسلام ومن بلغ دُعي إلى الإسلام عسى أن يستجيب .

الختان من سنن الفطرة التي شرعها الله للمسلمين فيُشرع له الختان إلا إذا خاف الضرر على نفسه فيتركه ، والأفضل ألا يُكلَّم في ذلك إلا بعد أن تستقر قدمه في الإسلام .

إنفاق الابن على والدته الكافرة واجب فعليه أن يحسن صحبتها ويبرها ويصلها بما يقدر عليه ، قال تعالى " وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِۦ عِلمٞ فَلَا تُطِعهُمَاۖ وَصَاحِبهُمَا فِي ٱلدُّنيَا مَعرُوفاًۖ " لقمان 15 ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها لما سألته عن أمها وقد قدمت وهي مشركة " أفأصلها ؟ فقال لها : صلي أمك " .

بالنسبة للأولاد يتبعون خير الأبوين ديناً ، فإذا أسلم أحد الزوجين حُكم بإسلام جميع الأولاد القاصرين لأن الصغير يتبع خير الأبوين ديناً .

لا نعلم دليلاً من الكتاب ولا من السنة يدل على تحديد المهر ، والأدلة التي جاءت من القرآن منها ما فيه التنبيه على جواز دفع المهر الكثير ، ومنها ما هو عام يشمل القليل والكثير ، فمن الأول قوله تعالى " وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱستِبدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيتُمۡ إِحدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنهُ شَيئاًۚ " النساء 20 ، وقوله تعالى " وَٱلمُحصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبتَغُواْ بِأَموَٰلِكُم مُّحصِنِينَ غَيرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱستَمتَعتُم بِهِۦ مِنهُنَّ فَ‍َٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيتُم بِهِۦ مِنۢ بَعدِ ٱلفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيماً " النساء 24 ، فإن لفظ الأموال ولفظ الأجور عام في القليل والكثير .

وأما الأدلة التي جاءت من السنة فإنها دالة على وقائع مختلفة حصل فيها تفاوت كبير في المهور كمهر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته رضي الله عنهن وما عُرف من مهور زوجات أصحابه رضي الله عنهم كالتزويج على ما مع المتزوج من القرآن والتزويج على النعلين وعلى وزن نواة من ذهب وعلى أربع أواق .

والصداق في النكاح لابد منه لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوبه ، ويُسمى أيضاً مهراً وأجراً ، قال تعالى " وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحلَةٗۚ " النساء 4 ، أي عن طيب نفس بما فرض الله لهن عليكم بالزواج بهن ، وثبت أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له فيها حاجة فأراد بعض أصحابه أن يتزوجها فطلب منه صداقاً لها فاعتذر لفقره فقال له : " التمس ولو خاتماً من حديد " فالتمسه لكنه لم يجد ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه إيَّاها إلا بشيء يبذله لها ، وفيه منفعة تعود عليها وانتهى الأمر إلى أن زوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة بما معه من القرآن يعلمهما إياه .

وأجمعت الأمة على أنه لابد من الصداق في النكاح ، ومن تزوج امرأة من وليها على ألَّا مهر لها فقيل نكاحهما باطل ، وقيل النكاح صحيح والشرط باطل ويجب لها مهر المثل بالدخول بها أو الوفاة عنها لقوة الشبه بالمفوضة الآنف ذكرها والأرجح الثاني .

أما من تزوج امرأة أن لها مهراً لكنه لم يُسَم فنكاحها صحيح ولها مهر مثلها بالدخول أو الوفاة ، قال تعالى " لَّا جُنَاحَ عَلَيكُمۡ إِن طَلَّقتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ " البقرة 236 ، ولا حرج على المرأة أن تشترط أن يكون مهرها عمرة ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلاً من أصحابه بامرأة على ما معه من القرآن ، وعلى من تزوج ولم يدفع مهر أن يدفع لها مهر مثلها ، وليس لصداق المرأة حد معين فكل ما يجوز تملكه يجوز أن يجعل صداقاً للمرأة قلَّ أو كثر ، إلا أنه لا يجوز المبالغة بكثرة الصداق لما يترتب على ذلك من المفاسد لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة " رواه أحمد ، ومعناه الحث على تيسير المهر .

ويجوز لمريد الزواج إذا كان لا يجد المال أن يستدين مبلغاً أو يقترض قرضاً بالطرق الشرعية إذا كان ينوي الوفاء إذا خاف على نفسه الفتنة بعدم الزواج ، وإن كان لا يخاف على نفسه الفتنة فالأولى أن يصبر حتى يستطيع ولا يستدين .

ولا بأس أن يتفق أهل القبيلة على أن يكون مهر البكر ثلاثين ألف ، والثيب أقل من ذلك على سبيل المثال .

وإذا اتفق الطرفان على معين ولم يعلما المأذون بذلك ، وقال الولي للمأذون اعقد على ما تراضينا عليه فالعقد صحيح .

وليس من شرطه ذكر المال في العقد بل متى اتفق الزوج والولي على مال المرأة كفى ذلك وإن لم يذكر حين العقد .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

21 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر