الدرس الرابع والتسعون : حكم الغناء 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 29 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2235 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الغناء محرم عند جمهور أهل العلم ، وإذا كان معه آلة لهو كالموسيقى والعود والرباب ونحو ذلك حرم بإجماع المسلمين .

ومن أدلة ذلك قول الله سبحانه " وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ ٱلحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيرِ عِلمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ " لقمان 6 ، فسره جمهور المفسرين بالغناء ، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقسم على ذلك ويقول : إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل .

وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " رواه البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً به ، والمعازف هي الغناء وآلات اللهو .

والاستماع إلى الأغاني لا شك في حرمته ، وما ذاك إلا لأنه يجر إلى معاصٍ كثيرة وإلى فتن متعددة ، ويجر إلى العشق والوقوع في الزنا والفواحش واللواط ، ويجر إلى معاصٍ أخرى كشرب المسكرات ولعب القمار وصحبة الأشرار ، وربما أوقع في الشرك والكفر بالله على حسب أحوال الغناء واختلاف أنواعه .

أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة لإعلان النكاح .

أما الطبل فلا يجوز ضربه في العرس بل يكتفي بالدف خاصة ، ولا يجوز استعمال مكبرات الصوت في إعلان النكاح ، وما يقال فيه من الأغاني المعتادة لما في ذلك من الفتنة العظيمة والعواقب الوخيمة وإيذاء المسلمين ، ولا يجوز أيضاً إطالة الوقت في ذلك بل يُكتفى بالوقت القليل الذي يحصل به إعلان النكاح لأن إطالة الوقت تفضي إلى إضاعة صلاة الفجر والنوم عن أدائها في وقتها وذلك من أكبر المحرمات ومن أعمال المنافقين .

أما ما يتعلق بالمرأة فالسُّنَّة أن تضفي ثوبها شبراً ولا تزيد على ذراع لأجل الستر وعدم إظهار القدمين ، وأما الزيادة على ذراع فمنكر للعروس أو غيرها فلا يجوز ، وهذا إضاعة للأموال بغير حق في الملابس ذات الأثمان الغالية ، وأما التفاخر بالمطربات وبالأموال الجزيلة للمطربات فهذا منكر لا يجوز .

والدف فيما ذكر العلماء أنه الطار الذي يكون له وجه واحد والوجه الثاني مفتوح يستعمله النساء في الأعراس ، هذا يجوز لهن في الأعراس لأنه من باب إعلان النكاح يغنين معه بالغناء المعتاد الذي فيه مدح الزوج وأهله والزوجة وأهلها ونحو ذلك ، وهذا هو الجاري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، أما الطبل فلا يجوز لأن شره أكثر وفتنته أكبر فلا يجوز .

مسألة : لي زوج وسافرت إلى الحج ولم يرض ويقول أنه لم يحللني ؟

والجواب : إن كان الحج فريضة فالواجب تنفيذ أمر الله ، وعليك حج الفريضة إذا استطعتِ ولو لم يرض الزوج ، أما النافلة فلا تحجين إلا بإذنه ولا تسافرين إلا بإذنه ولا تخرجين من البيت إلا بإذنه ، أما حج الفريضة فلا " إنما الطاعة في المعروف " ، فإذا استطعتِ الحج فحجي .

مسألة : زوجي يرفض أن آكل حبوب منع الحمل وأنا متضررة ؟

والجواب : إذا تيسر تركها فهو أحوط ، أما إذا كان الضرر عظيماً والمشقة كبيرة فلا بأس وإلا فتركها أحوط وطاعة الزوج واجبة إلا إذا كان الضرر كبيراً ويشق عليك لقوله سبحانه " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱستَطَعتُمۡ " التغابن 16 .

لا يجوز لكِ لبس الثياب الرقيقة التي تصف العورة ولو لم يكن عندكِ أحد ، وهكذا اللباس القصير الذي فوق الركبة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك وقال : " الله أحق أن يستحيا منه من الناس " أخرجه البخاري في كتاب الغسل باب من اغتسل عرياناً وحده في الخلوة ومن تستر .

وإتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب لكونه مخالفاً لقوله سبحانه " نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئتُمۡۖ " البقرة 223 ، ومحل الحرث هو القبل ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأته في دبرها " أخرجه أبو داود .

ومن تاب تاب الله عليه ، والمرأة لا تُطلَّق بذلك لكن عليهما جميعاً التوبة النصوح من ذلك لقوله تعالى " وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفلِحُونَ " النور 31 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " التوبة تجب ما قبلها " وقوله صلى الله عليه وسلم : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " .

يجوز لك منع زوجتك من العمل وإلزامها بالقرار في بيتها والتفرغ لتربية أولادها والعناية بأمرك وليس لها أن تعمل خارج المنزل إلا برضاك وإذنك إذا قمت بما تحتاج إليه لأنك القيِّم عليها كما في قوله تعالى " ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعضَهُمۡ عَلَىٰ بَعضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَموَٰلِهِمۡۚ " النساء 34 .

مسألة : إذا التزمت المرأة بالحجاب فهل للزوج أو الولي عليها إلزامها بإحضار الحطب من الوادي ؟ وكذا إحضار الماء ورعي الغنم ومساعدته على الزراعة كحصد الزرع وغير ذلك ؟

والجواب : إذا كان مثلها يقوم بهذه الأعمال فإن عليها أن تقوم بها وهي متحجبة لأن نساء المهاجرين والأنصار رضي الله عن الجميع كنَّ يساعدن أزواجهن في بعض الأعمال التي يقدرن عليها وهم القدوة في الخير ، والأولى للزوج أن يقوم بما هو خارج البيت ، والمرأة تقوم بما هو داخل البيت حيث تيسر ذلك ، وهذه المسألة تختلف بحسب اختلاف عرف الناس ، والواجب مراعاة الحدود الشرعية في جميع الأمور وكل عرف يخالف الشرع المطهر يجب تركه .

كما أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في برنامج نور على الدرب عن حكم استعمال وسائل تنظيم الحمل قائلاً :

لا حرج في استعمال وسائل تنظيم النسل لدفع الضرر ولكن أن يكون ذلك في وقت الرضاع في السنة الأولى والثانية حتى لا يضرها الحمل المتتابع وحتى لا تمنع من التربية الشرعية لأطفالها ، فإذا كانت تتضرر في الحمل على الحمل بتربية الأولاد أو صحتها فلا حرج في هذا التنظيم في حدود السنة والسنتين أيام الرضاع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على كثرة النسل ويباهي بأمته الأمم يوم القيامة بقوله صلى الله عليه ويسلم : " تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم " أخرجه أبو داود .

وعن حكم التقليح الصناعي أجاب الشيخ رحمه الله في عام 1406 هـ : إن التلقيح الصناعي أجازه بعض أهل العلم المعاصرين بشروط مهمة واحتياطات حتى لا يقع ما حرَّم الله عز وجل ، ولكن أنا ممن توقف في ذلك وأنصح بعدم فعله لأنه قد يفتح باب شر لا نهاية له .

وقول السائل أن زوجته أنجبت أربعة أطفال ، فالأربعة الذين حصلوا فيهم الكفاية والحمد لله ، وفي إمكانه أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة ويأتي الله له برزق آخر من غير هذه المرأة فتركه أفضل .

ومسألة حبوب منع الحمل فيها تفصيل : إن كان الداعي إلى استعمالها هو التحديد من النسل فهذا حرام ، أما إن كان استعمالها لأمر عارض كمرض المرأة وتضررها بالحمل أو لإيقاف الحمل حتى يُفطم الطفل فهذا جائز لكونه لسبب عارض وهذا الجواز رهن ببقاء ذلك السبب ، أما مسألة عدم عناية المرأة بتربية أطفالها فهذه الحالة لا تُوجب استعمال تلك الحبوب وبإمكانك توجيه المرأة ومساعدتها بقدر الإمكان على القيام بواجباتها تجاه أطفالها والصبر على ذلك ، وإن أمكن وجود خادمة إن كنت ممن يقدر على ذلك لتعينها على مهمات البيت والأطفال فهو حسن .

ومن المعلوم أن المرأة ضعيفة ، وقد أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم خيراً حيث قال : " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم " أخرجه الترمذي ، ووصفها صلى الله عليه وسلم في حديث آخر فقال : " إن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج فإن حاولت تقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها " أخرجه مسلم ، والذي أرى للمحب احتساب الأجر في توجيهها والصبر عليها ، وسوف يؤثر ذلك فيها في المستقبل إن شاء الله ، إذاً لا بأس بأخذ الحبوب مؤقتاً إذا كان هناك ضرر أو تعب للرحم بسبب الولادة أو إجراء عملية فيجوز تعاطي أسباب منع الحمل مؤقتاً للمصلحة الشرعية .

مسألة : قرر الأطباء إجراء عملية ربط للرحم مما يعني عدم مقدرتي على الإنجاب ؟

والجواب : لا مانع من ربط الرحم لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " أخرجه ابن ماجه .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

29 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر